بالصور: مشاهد مروّعة في لبنان!

من المفارقات أنه عندما يوّثق تسجيل مصوّر أحد أوجه أوجاع اللبنانيين، فإن الجميع يتأثر ويتحرّك ويشجب ويستنكر ويتفاجأ وينصدم ويعتذر، بمن فيهم المواطن المتألم نفسه! كأن المحن لا تُرى بالعين المجرّدة، أو كأن المصائب لا “ترتقي” إلى سوداويتها إلا عندما تلتقطها عدسة.

الأسبوع الماضي، انشغل المواطنون ومعهم وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية بمقطعين مصوّرين في مكانين وظرفين مختلفين.

في الفيديو الأول، يظهر “دركيّ” يسير خلف سيدة في وسط بيروت، حاملاً بيده كيساً وفاتحاً لها باب أحد المحال التجارية كأنما هو “خادمها”. في الفيديو الآخر، قطع طريق بسبب مرور موكب أمني، ومسعف يركض ناحية رجال الأمن الذين يوقفون السيارات طالباً منهم الافساح لسيارة الإسعاف العالقة بالمرور.

مشهدان هزّا الرأي العام اللبناني، وبخاصة الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي الذين راحوا يتشاركون الفيديوين مع تعليقات تحاكي غضبهم ونقمتهم وشعورهم بالإذلال في وطن يضمحل قلباً وقالباً.

طبعاً، اضمحلت هذا الأسبوع صدمة اللبنانيين وانتهت “حفلة” التعليقات الغاضبة وكلمات الحسرة والقرف واللوم. لكن في الحقيقة، لا شيء قد تغيّر. ما وثقته الكاميرات في لحظتين عابرتين ما زال يتكرر بشكل يوميّ، بل إنّ ما يُرتكب في لبنان أكثر وأفظع بكثير !

المشاهد المروّعة على طرقات لبنان ما زالت تتكرر بوقاحة تامة، من دون أي رادع أو “رمشة جفن” أو تأنيب ضمير، لا من قبل المسؤول ولا من قبل المواطن أيضاً!

بالأمس، امتلك رئيس حكومة لبنان سعد الحريري جرأة الاعتذار من اللبنانيين إذ تبيّن أن موكبه هو الذي عرقل سير سيارة الإسعاف، لكنه في الوقت ذاته ضمّن اعتذاره لوماً وجهّه إلى من “قام باستغلال هذه الصدفة غير المقصودة”. كان الحريري يقصد طبعاً صدفة مرور سيارة الصليب الأحمر في الوقت الذي تمّ فيه قطع الطريق، لكن غاب ربما عن باله أنّ مثل هذه “الصدف” سوف تحصل حتماً يومياً (مرور سيارات الإسعاف والدفاع المدني..)، وأنّه ليس السياسي الوحيد في البلد الذي يتنقل بمواكب ضخمة! يكفي ربما الاطلاع على فيديو آخر انتشر قبل “الويك أند” حيث يظهر موكب من 13 سيارة جيب تمرّ فيما السير متوقف عنوة، تردد أنه للوزير جبران باسيل، وذلك لمعرفة حجم تداعيات هذه الظاهرة التي لم تعد فعلياً مبررة (دواع أمنية) بدليل نزول السياسيين “باللحم الحيّ” بين الجماهير وفي الأزقةّ والأحياء في فترة سبقت الإنتخابات النيابية!

وقد يكون غاب عن بال الحريري، أو عن بال أي سياسيّ اعتذر أو فكّر أو سيقدم على الاعتذار من الشعب، بأنّ هذا الفعل لن يُشفي غليلاً! المشكلة، أنّ أصحاب المواكب لم ينجحوا، حتى الساحة، في تحسس وجع المواطنين كي يفهموا سبب عدم جدوى الاعتذار الكلامي أو مشاعر التضامن العاقر! هم لا يدركون طبعاً ما يعايشه اللبنانيون يومياً على طرقات لبنان، بسببهم أولاً وأخيراً، لأنهم ببساطة يعبرون بتلك المواكب! هم، لا يعرفون أنّ جميع اللبنانيين في سيارات إسعاف عندما يكونون خارج منازلهم ومكاتبهم ومقاهيهم! جميعهم جرحى ينزفون. جميعهم مشاريع “قتلى” على تلك الطرقات لأن ثمّة (أي هم أنفسهم) من يقطع الأوصال والأرزاق والأنفاس بشكل فاضح وتمييزي وعنصري! لا يعرف السياسيون الوجع، وجع المواطنين عندما يبدأ رجال الأمن في المواكب بالصراخ عليهم وشتمهم وصولاً إلى الاصطدام بهم وسحقهم كالبرغش، فقط كي يمرّ حضراتهم! لا يعرف السياسيون ما معنى أن يهدر المواطن وقته وصحته وماله لأن زحمة السير الخانقة في هذا البلد لا تجد أي نهاية بل إنها تتفاقم وتتضخم على مرأى من أعينهم! وقد يعرف السياسيون أو لا يعرفون أنّ المواطن متألم إلى أقصى الحدود لأنه شاهد على فساد رهيب وغير مسبوق، من أبسط أمثلته مثلاً تبخّر المليارات الموهوبة والمرصودة منذ سنوات لتوسيع أوتوستراد من هنا أو بناء جسر مستقيم ومراع للمعايير العالمية من هناك!

يحدث كل ذلك وأكثر، ولا شيء يتغيّر أو يوحي بأنه سيتغيّر. في مقلب الفيديو الآخر، يشعر المواطنون بالسوء أكثر من الشرطي نفسه الذي انتهى به المطاف مرافقاً لزوجة “أحدهم”. ينسى بعض هؤلاء الدركيين، باعتراف بعضهم، كيفية استخدام السلاح أو القبض على مجرم من فرط ما يقضون أوقاتهم في الأسواق والدكاكين! في أي بلد يحدث هذا؟! في أي بلد تُسلب الهيبة بطريقتين: الأولى عندما توضع بعض العناصر في غير مقاماتها ووظائفها ومهامها، وفي الثانية عندما ترغم على مواجهة الشعب، فيكون الإحترام مغلفاً بأشياء أخرى!

شعبٌ ملام بدوره. بعضه أحمق حدّ استحقاقه عقوبة الأشغال الشاقة. يزداد حماقة في ظلّ غياب القانون والتسيّب والفلتان والفوضى.

فبين الفيديو الأول ووجعه والفيديو الثاني وألمه، وفي ظلّ كل ما يحملانه من معان وأبعاد، تبدو لافتة ومعبرة الصور المرفقة المروّعة التي التقطتها عدسة “لبنان24 ” في لحظات وأماكن مختلفة من طرقات لبنان. هي بين كل ما يحدث من انتهاكات وتجاوزات ونسف لقانون السير والأصول والأخلاق، الأفظع لأنها تمسّ بالأطفال! أطفالٌ قدرهم سيء جداً لأنهم مولودون في هذا البلد، حيث لا حاضر ولا مستقبل مشرق، أقلّه حسبما يوحي الأفق القاتم راهناً!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى