ساطع نور الدين: “سوريا التي تسير نحو الخراب اللبناني”

صدى وادي التيم – أخبار العالم العربي /

لم يصدّق أحد ، لا في لبنان ولا في سوريا، أن مجازر الساحل السوري التي ارتكبت في مطلع شهر آذار الماضي، وراح ضحيتها المئات من السنّة والعلويين، كانت تشبه الى حد بعيد، مذبحة بوسطة عين الرمانة ( شرق بيروت ) في شهر نيسان من العام 1975، التي راح ضحيتها العشرات من الفلسطينيين واللبنانيين والتي اعتمدت رسمياً وباجماع لبناني نادر، كشرارة الحرب الاهلية اللبنانية التي دامت 14 عاماً. كان الانكار المشترك، على جانبي الحدود، لذلك التشابه المثير، بمثابة تعبير مشوه عن الحرص على الذاكرة اللبنانية، من جهة، وعن الزعم السوري القديم بأن “قلب العروبة النابض” كان وسيبقى منيعاً ضد العلل التي توارثها الجسد اللبناني منذ ما قبل قيام الدولتين الشقيقتين.
وعندما قيل (وكتب بلغة لبنانية صريحة) بعد مجازر الساحل المشؤومة، أن “هذه هي سوريا التي نعرفها” منذ القدم، او بالتحديد منذ ان تكونت الدولة السورية على أنقاض الدويلات الأربع المستقلة، وعلى أطلال الأقاليم الأربعة المسلوخة والمضافة الى الكيان اللبناني الوليد، بدا ذلك التوصيف بمثابة إعتداء على الوحدة الوطنية السورية التي ترسخت بعد الانتداب الفرنسي وحتى الشهر الماضي، وإفتراء على الذاكرة الوطنية الموحدة التي انتجتها طوال تلك الفترة..أو بالحد الأدنى تصفية حساب سابق مع النظام الاسدي المنقرض الذي بلغت به مزاعم الوحدة الوطنية، حد تفتيت البلدين والشعبين اكثر من أي وقت مضى في التاريخ الحديث، ورسم حدوداً سياسية واجتماعية ونفسية لن يكون من السهل على الأجيال المقبلة عبورها بسلام.
لم يكن المتوقع، ولا المطلوب طبعا، أن يغادر الاشقاء السوريون مهرجانات الاحتفال بزوال ذلك النظام الوحشي، وأن يعترفوا بتلك الشروخ العميقة التي اصابت الجسد السوري نتيجة أكثر من نصف قرن من الطغيان. كان الامل والرجاء فقط أن يتوقفوا قليلاً وأن يحذروا كثيرا مما هو آت، وأن يلاحظوا ان النظام الاسدي لم يسقط، بل هرب، وتحلل من الداخل.. وأن النظام الجديد، الذي منحوه فرصة ذهبية، هو أسوأ خيار بديل، لم يستحق جدارة التفويض، إلا لأنه تسامح في الأسابيع الأولى مع الاخرين المختلفين عنه ومعه، وبينهم العلويون والدروز والمسيحيون والكرد، لكنه سرعان ما انتزع تفويضاً دستورياً مثيراً للجدل والشك، بمرحلة انتقالية انقلابية، مدتها خمس سنوات في الحد الأدنى.
لم يواجه احتكار السلطة، الكثير من الاعتراضات السياسية والشعبية، لان سوريا كانت ولا تزال تفتقر الى التنظيمات والهيئات والجمعيات السياسية، التي يمكن ان تطالب بمرحلة انتقالية مغايرة، تقوم على بناء شرعية بديلة بواسطة انتخابات عامة في المحافظات السورية ال14، تؤدي، ولو بقدر معقول من التزوير (والتغييب لاصوات المهجرين) الى مؤتمر أو مجلس وطني يعبر على عجل عن بعض الإرادة الشعبية، ويكون مركزاً لحوار وطني، ثم لاعلان دستوري فحكومة انتقالية تمثل تلك المحافظات التي لا تزال حتى الان، تشهد تعايشاً بين الطوائف والقوميات. كان هذا هو البديل الوحيد، ولا يزال، حتى ولو أسفر في المرحلة الأولى عن تشكيل “لويا جيرغا” سورية، يستوحي التجربة الأفغانية التي تحفظ حتى الان الحد الأدنى من المساكنة بين قوميات وطوائف ومذاهب وفرق دينية ليس لبعضها وجود إلا في أفغانستان.
لم يكن هذا البديل هو الأمثل، لكنه كان يمكن ان يخدم سوريا وشعبها أفضل مما هو سائد اليوم، وأن يخفف آلام السنوات الخمس المقبلة. كان يمكن ان يحول الانتخابات الأولى المزورة جزئياً، الى سلوك ومسار وطني ثابت، يحاكي المسار العراقي ويقلده، وينقل الصراعات الاهلية الى مؤسسات وأروقة الدولة العتيدة.. بدل ان يتركها رهن إرادة جماعات إسلامية متشددة، ومتناحرة، تتنافس على إعادة حكم “بني أمية” الى الشام، حسب التعبير الدارج على لسان الكثير من سنّة دمشق وحلب والمدن السورية الكبرى، وتتسابق على البطش بالاقليات، التي باتت تجتمع اليوم على كلمة واحدة، وهي أن مشروع الدولة الجديدة، ليس له أثر، ولن يكون له وجود بشكله الحالي في مناطق الكرد والعلويين والدروز والمسيحيين.. ولاحقا في حواضر السنة أنفسهم.
ما يجري هذه الأيام ، بين ميليشيات حكام دمشق وبين ميليشيات الدروز، لا يدع مجالا للشك، أن سوريا تسير بسرعة فائقة نحو “اللبننة” التي لطالما كانت تنكرها، حتى صارت كما يبدو قدرها الوحيد لسنوات أو ربما لعقود مقبلة.
بيروت في 2 / 5 / 2025

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!