تقارير “لجنة المراقبة”: الجيش فكّك 500 هدف لـ حزب الله
صدى وادي التيم – أمن وقضاء /
بعدما كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن عدم فاعلية لجنة مراقبة تطبيق وقف إطلاق النار والقرار 1701، ولا سيما في ظل إطلاق إسرائيل العنان لخروقاتها للاتفاق بغطاء أميركي، كان لا بد من توضيح الصورة حول طبيعة العمل داخل اللجنة نفسها والمهام التي تقع ضمن اختصاصها. وقد حصلت “المدن” على معلومات خاصة حول نشاط اللجنة منذ 26 تشرين الثاني الماضي، وآلية عملها ضمن الإطار الدولي المعروف بـلجنة مراقبة إتفاق وقف إطلاق النار الخماسية.
الآلية والتطبيق
ينص إتفاق وقف إطلاق النار على ثلاثة عشر بندًا رئيسيًا، التزم كل من لبنان وإسرائيل بتنفيذها، وفي طليعتها احترام السيادة، ووقف الأعمال العدائية، ونزع سلاح المجموعات غير الشرعية، وعلى رأسها “حزب الله”. ويُعد البند الثاني عشر المتعلّق بانسحاب إسرائيل، محطّ نزاع مستمر، إذ تستند إليه تل أبيب لتبرير ضرباتها تحت ذريعة الدفاع عن النفس.
الاتفاق الذي رعته واشنطن، تديره اليوم “آلية تقنية عسكرية دقيقة بقيادة أميركية”، تتألف من خمس جهات: الجيش اللبناني، الولايات المتحدة، فرنسا، قوات اليونيفيل، وإسرائيل. ويشرف على تنفيذ الآلية خمسة عمداء يمثلون هذه الأطراف، عبر تنسيق مباشر يعتمد على أنظمة رقمية مشفّرة مثل “boucles signales”، لتبادل المعلومات والإنذارات في الوقت الفعلي.
وتشير المعلومات إلى أن التنسيق الأمني ضمن عمل الآلية يشمل إبلاغ الأطراف المشرفة في اللجنة، بما في ذلك إسرائيل، بمرور دوريات الجيش اللبناني في المناطق الحساسة لتجنب الاستهداف، خصوصًا في مناطق الحافة الأمامية. كما تقوم الآلية بمتابعة دقيقة لكل ما تعتبره إسرائيل مخابئ للأسلحة. إذ عندما تخطر إسرائيل اللجنة باشتباهها بوجود مخبأ أسلحة في موقع ما، تُبلغ اللجنة الجيش اللبناني وتمنحه مهلة 72 ساعة للتحقق والتصرف. “في حال مداهمة المخبأ، يوثّق الجيش العملية بالصور والفيديو، ويطلع عليها اللجنة للتأكد من صحة الإجراءات وتقييم ما تم إنجازه ضمن مسار نزع السلاح وفقًا للاتفاق. وفي حال لم يتحرك الجيش وفقًا لزعم إسرائيل، تقوم الأخيرة بتنفيذ الضربة”.
لا تدخل اللجنة في تصنيف العمل العسكري الإسرائيلي على أنه خرق للاتفاق أم لا، إذ تعتبر أن ذلك خارج نطاق مهامها، وهو شأن سياسي تقيمه الجهات السياسية في لبنان وإسرائيل وفرنسا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى اليونيفيل. ومع ذلك، تطلب اللجنة من إسرائيل إيضاحات ومبررات تتعلق بالأهداف التي ستقصفها، وتنقل هذه المعلومات إلى الجانب اللبناني.
التوقيت مهم، والمتطلبات كثيرة، والضغوط على لبنان تفوق قدراته من جهة، بينما المهلة الزمنية لإنجاز المهمة سريعًا جنوب الليطاني غير واقعية من جهة أخرى. اللجنة “تشاهد وتتابع ما يقوم به الجيش على الأرض. ومن ضمن حلقة الثقة القائمة داخل لجنة الرقابة، يقوم الجيش اللبناني بتوثيق عمليات تفكيك القدرات العسكرية للحزب جنوب الليطاني بالصور والفيديو”.
حتى الآن، تفيد معلومات “المدن” أن تقارير اللجنة تؤكد أن الجيش اللبناني فكّك أكثر من 500 هدف تابع لحزب الله جنوب الليطاني. وتشمل هذه الأهداف منصات إطلاق صواريخ، أنفاقًا، ومخازن أسلحة، إلى جانب إزالة ألغام ومخلّفات قصف. كما تواكب العملية اللوجستية الشاقة عودة الجنوبيين، وهي عملية تقر اللجنة بأنها تتطلب وقتًا طويلا: “فلا يمكن في خلال أربعة أشهر تدمير ما بناه حزب الله والمجموعات المسلحة على مدى عشرين عامًا”.
لكن هل صحيح أن إسرائيل تشترط عدم احتفاظ الجيش اللبناني بالسلاح الذي يصادره، وتدميره حيث يتم اكتشافه؟
لا تعتمد الآلية على المعطيات الإسرائيلية فقط بشأن حدوث خروقات من الجانب اللبناني، بل تشمل أيضًا تقارير من “اليونيفيل”، وأجهزة الاستطلاع، ومصادر استخباراتية متعددة.
تفيد المعلومات أن أغلب الضربات الإسرائيلية تمرّ عبر آلية العمل في لجنة الرقابة، أي أنه يتم إبلاغ اللجنة بها قبل حدوثها استنادًا إلى معطيات ومعلومات تقدمها إسرائيل: “لكن في بعض الأحيان، يبقى التحقق من صحة هذه المعطيات صعبًا. ولا تضمن اللجنة دقة المعلومات المعطاة من الطرفين، ولا دقة الأهداف التي تضربها إسرائيل”.
مع العلم، وبحسب المعلومات، لا شكوك في مدى جدية التزام لبنان بالاتفاق وتنفيذ الجيش له، وهو ما تؤكده تقارير اللجنة. كما لم تُسجّل أي مؤشرات لاستئناف “حزب الله” أي نشاط عسكري منذ 26 تشرين الثاني. وفي أثناء تنفيذ الجيش لمهامه، لم يشهد الميدان الجنوبي أي تحركات أو تواجد مسلح يعترض على نزع السلاح جنوب الليطاني: “في الغالب، لم يقدم حزب الله على أي عمل عسكري ضد اليونيفيل أو الجيش اللبناني. ولم يعترض على عمليات نزع سلاحه، وتفكيك بنيته العسكرية، ولم يقف في وجه الجيش”.
الآلية، وإن كانت دقيقة، إلا أنها ليست شاملة. فهي تركز حاليًا على جنوب الليطاني، بينما تبقى مناطق مثل البقاع الشمالي وشمال الليطاني خارج نطاقها.
إطلاق الصواريخ من شمال الليطاني مؤخرًا مثّل تحديًا للتحقيق، إذ لا تملك “اليونيفيل” صلاحيات هناك، بينما يتعامل الجيش اللبناني مع هذه الخروقات بجدية عالية، وفقًا لما تراه اللجنة.
ماذا عن إسرائيل؟
للتأكيد على أن ما أنجز في الجنوب يسير في المسار الصحيح تحت رعايتها ومتابعتها، تستند اللجنة إلى مجموعة من الخرائط الميدانية للمنطقة الحدودية، التي تم إعدادها بناءً على التطور الميداني العسكري منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ.
ثلاث خرائط تُظهر بالتدرج: أولاً، كيف كانت إسرائيل تحتل المنطقة الحدودية بكاملها. ثم خريطة ثانية تعرض المناطق والمساحات المحررة، وحجم انتشار الجيش اللبناني في الجنوب. وأخيراً، خريطة ثالثة تعكس الواقع الحالي في الجنوب، وتظهر احتلال إسرائيل للتلال الخمس. ترى اللجنة أنه من غير المقبول بقاء إسرائيل في تلك التلال، استنادًا إلى التزام طرفي النزاع بموجب الاتفاق بكافة بنوده، بما في ذلك البند الثاني عشر الذي يؤكد على التزام إسرائيل بالانسحاب من كافة الأراضي التي احتلتها خلال الحرب الأخيرة: “لبنان التزم بنزع السلاح جنوب الليطاني، والجيش يواصل مهامه ويستكمل نزع السلاح، بشهادة اللجنة التي توثق كل عملية”. وبالتالي، تصر اللجنة على التزام الأطراف المعنية بوقف إطلاق النار باحترام تعهداتها، ولا سيما إتمام الانسحاب الإسرائيلي من التلال التي احتلتها، إذ لا مبرر لبقاء إسرائيل في تلك التلال.
إن الاحتلال الإسرائيلي لبعض النقاط الحدودية، والذي لم يُذكر صراحة في بنود الاتفاق، يبقى مصدر قلق أساسي. حيث التزمت إسرائيل بموجب الاتفاق بالانسحاب الكامل، كما التزم لبنان بنزع السلاح. وتشدد اللجنة على أنه “لا يجب أن تبقى إسرائيل في تلك المواقع، ويجب استكمال نزع السلاح، بما في ذلك كل السلاح غير الشرعي”.
واشنطن وباريس وسلاح الحزب
على الرغم من اختلاف المقاربات السياسية بين الولايات المتحدة وفرنسا، وآخرها الموقف الذي عبّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد استهداف الضاحية الجنوبية، وتبرير الولايات المتحدة للخروقات الإسرائيلية المستمرة، إلا أن لدى الطرفين رؤية موحدة فيما يتعلق بالتعاون في لجنة الرقابة، وأولويتهما هي عدم تجدد الحرب بين لبنان وإسرائيل. الطرفان يتعاونان ويبحثان دائمًا في ما يمكن فعله لتحسين الوضع الميداني ومتابعة التنفيذ ضمن الآلية الخماسية. فالآلية وُجدت لمساعدة الطرفين على الالتزام بما تم الاتفاق عليه.
وتعمل فرق عسكرية داخل السفارتين الأميركية والفرنسية، إلى جانب “اليونيفيل” في الناقورة والجيش اللبناني من اليرزة، في تنسيق دائم. ويجري تبادل تقارير وتحليلات ميدانية يومية لضمان تنفيذ القرار 1701. ويصف أحد الدبلوماسيين هذا التنسيق بـ”الدمية الروسية”، لما يتسم به من تداخل بين الأبعاد السياسية والعسكرية والإنسانية، مما يجعله مهمة معقدة لكنها أساسية.
ماذا عن نزع السلاح على كامل الأراضي اللبنانية؟ من جنوب الليطاني إلى شماله وصولاً إلى الحدود مع سوريا؟
في صيغته الأصلية، أي باللغة الإنجليزية، ينص الاتفاق على أن “نزع السلاح الموجود خارج إطار الشرعية اللبنانية يبدأ من جنوب الليطاني” (“starting with the south of the Litani”). أي بدءاً من جنوب الليطاني. بمعنى أوضح، هناك بداية من جنوب الليطاني، وما بعده على مستوى كل لبنان.
ورئيس الجمهورية العماد جوزاف عون كان واضحاً في خطابه عندما أكد على نزع السلاح من كل المجموعات المسلحة غير الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية. ولذلك، فإن عمل اللجنة الذي يرتكز حالياً جنوب الليطاني، قد نشهد تطوراً له في الأشهر القادمة.
“إنها مسألة لبنانية”، لكن نزع السلاح الذي يبدأ من جنوب الليطاني لا ينتهي عند حدود شماله، بل يشمل كامل الأراضي اللبنانية.
على أي حال، تبقى الأولوية اليوم لآلية عمل لجنة الرقابة، ومنع عودة الحرب، وإنهاء مسألة احتلال التلال الخمس، واستكمال نزع سلاح الحزب والمجموعات المسلحة جنوب الليطاني، لخفض التهديدات، والحد من الخسائر في الأرواح، وتأمين عودة سكان المناطق الحدودية من الجانبين. لكن الذهاب في اتجاه أوسع في ما يخص عمل اللجنة خارج حدود جنوب الليطاني، ربما يكون قابلاً للطرح في مرحلة لاحقة، خصوصاً وأن القراءة الصحيحة لنص الاتفاق بالصيغة الأصلية، تعني أن نزع سلاح حزب الله والمجموعات المسلحة يغطي كامل الأراضي اللبنانية.
في الختام، تؤكد اللجنة أن مهمتها مستمرة، ولا صحة لما يُشاع عن تعليق عملها. فالعمل دقيق، والآلية فعالة ضمن الحدود المفروضة، فيما يبقى التحدي الأكبر في ضمان الالتزام الكامل ببنود الاتفاق على المدى الطويل، بإشراف دولي ومتابعة حثيثة.
ندى أندراوس – المدن