عين جرفا تنتظر بلديّتها بعد عقود من الحرمان

صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم /

لم يكن وقع دعوة الهيئات الناخبة التي أعلنها وزير الداخليّة أحمد الحجّار عاديًّا بالنسبة إلى أهالي بلدة عين جرفا الواقعة في قضاء حاصبيّا، فالدعوة تعني أنّ الانتخابات البلديّة والاختياريّة حاصلة وستُجرى في موعدها، ويعني كذلك أنّ عين جرفا التي تمّ حلّ مجلسها البلديّ منذ نحو ستّة عقود نتيجة خلافات وقعت آنذاك، سيكون لها مجلس بلديّ بعد طول انتظار.

يترقب أبناء عين جرفا الاستحقاق البلديّ والاختياريّ بفارغ الصبر، بغية إعادة الأمل وتجديد الحياة في هذه القرية التي لطالما عاشت في الظلّ، وسط حال من الحرمان الدائم، بسبب غياب البلديّة وما نتج عن ذلك من بنية تحتيّة مهترئة وخدمات أساسيّة شبه معدومة، وفراغ في الإدارة المحلّيّة استمرّ لعقود ستّة.

ونتيجة ذلك الفراغ، يحلم أبناء عين جرفا الذين لم يعرفوا إدارة محلّيّة منذ إلغاء بلديّتهم بمرسوم جمهوريّ في ستّينيّات القرن الماضي، بمجلس بلديّ يؤمّن لهم الحدّ الأدنى من متطلّبات الخدمات، شأنهم شأن كلّ القرى التي تحظى بذلك.

داخل بلدة عين جرفا في قضاء حاصبيا
محاولات لإعادة إحياء البلديّة

يشير المختار السابق سالم غازيّة، الذي تولّى شؤون بلدة عين جرفا مدة 12 عامًا، وشغل منصب مختار بين عاميّ 2004 و2016، أنّه في تلك الفترة بذل جهودًا مستمرّة لمعالجة مشكلة غياب البلديّة. ويتابع في حديث لـ ”مناطق نت“: ”في العام 2012، قدّمنا طلبًا لاستحداث بلديّة في عين جرفا، بعد أن جمعنا خرائط المنطقة ووقّعناها من قبل البلديّات المجاورة، مثل الهبّاريّة، الفرديس، عين قِنيا، أبو قمحة، وحاصبيّا، التي اعترفت جميعها بحقّ عين جرفا في الحصول على بلديّة“.

يضيف غازيّة: ”تمّ تقديم الطلب بشكل رسميّ، بعد توقيعه من قبل الأهالي، وتحويله عبر القائمقام والمحافظ السابق القاضي محمود المولى إلى وزارة الداخليّة. ومن ثمّ في العام 2017، إّذ قدّم المختار الجديد وأهالي البلدة طلبًا آخر لتجديد المساعي، لعلّهم يحقّقون ما طال انتظاره، لكن من دون جدوى“.

في العام 2019 وبعد سنوات طويلة من المطالبات، تمّت الموافقة الرسميّة على استحداث مجلس بلديّ في عين جرفا، إلّا أنّ تأجيل الانتخابات البلديّة في حينه، أطاح بولادة مجلس بلديّ في البلدة التوّاقة إلى ذلك.

تحدّيات وآمال

أدّى غياب البلديّة في عين جرفا إلى تفاقم الأوضاع في البلدة، وزاد من ذلك نقص التمويل والمساعدات، الأمر الذي جعل من توفير الخدمات الأساسيّة فيها أمرًا بالغ الصعوبة. في هذا الإطار يشير غازيّة إلى أنّه ”على رغم الجهود المستمرّة للمختار والفعاليّات المحلّيّة الأخرى لتحسين الأوضاع، إلّا أنّ إمكانيّاتهم تبقى محدودة، فلا يمكنهم وحدهم تحمّل عبء المسؤوليّات والمهام المطلوبة“.

ويقول: ”في عين جرفا، هناك عديد من الوجوه الفاعلة والخيّرين الذين يعملون لصالح البلدة، لكنّ البلديّة تبقى الرمز والسلطة الأقوى القادرة على تنظيم الأمور والتخطيط الفعليّ للنهوض بالمنطقة“. ويعرب غازيّة عن أمله في ”استحداث مجلس بلديّ كفوء، قادر على تحقيق التنمية المستدامة التي طال انتظارها“.

من جهته يثني قائمقام حاصبيا، رواد سلّوم على أهمّيّة إنشاء مجلس بلديّ في عين جرفا، معتبرًا أنّ ”هذه الخطوة ستعود بالنفع الكبير على البلدة، حيث يمنح ذلك البلديّة استقلاليّة ماليّة وإداريّة تمكّنها من الاستفادة من المستحقّات الماليّة من الدولة والجهات المانحة“. ويتابع لـ ”مناطق نت“: ”الأحزاب ووجهاء البلدة يفضّلون التعامل مع بلديّة ذات هيكليّة واضحة ومنظّمة، بدلًا من الاعتماد على القائمقام فقط، لأنّ ذلك يضمن تنظيم المشاريع وتنفيذها بكفاءة وشفافيّة أكبر“.

ويشير سلّوم مطمئنًا أهالي عين جرفا إلى أنّ ”هناك أموالًا مخصّصة للبلديّة مودعة في حسابها، لكن لا يمكن سحبها أو الاستفادة منها إلّا بعد تشكيل المجلس البلديّ، أو عبر تفويض خاصّ للقائمقام من الأهالي، يتمّ من خلاله رفع توصية إلى وزارة الداخلية“.

بلدة عين جرفا
خلل في توزيع الأموال

ويلفت سلّوم إلى وجود خلل في آليّة توزيع الأموال على القرى التي تفتقر إلى مجالس بلديّة، إذ يتمّ تحويل الأموال مباشرة من المحافظة إلى المختار من دون الرجوع إلى القائمقام. ويصف سلّوم هذا النهج بـ ”الخاطئ“، معتبرًا أنّه ”يؤدّي إلى غياب الرقابة والتنسيق، ممّا ينعكس سلبًا على عدالة توزيع الموارد“.

ويشدّد سلّوم على ”ضرورة إشراك القائمقام في تحديد احتياجات القرى، باعتباره مسؤولًا أوّل في القضاء، لضمان توزيع الأموال بشكل عادل ومنظّم“. ويطالب ”بتقرير رسميّ من المحافظة يكشف عن الأموال التي تمّ توزيعها على المختارين منذ العام 2020، تعزيزًا للشفافيّة والرقابة“. ويختم بـ ”أهمّيّة التعاون بين القائمقام والمختارين لضمان الاستفادة القصوى من الموارد، بما يخدم مصلحة أهالي القرى“.

غياب البلديّة عوّق تطوّر عين جرفا

يشرح سهيل شاهين، المختار الحالي للبلدة، الصعوبات التي يعاني منها الأهالي بسبب الفراغ الإداري، مشيرًا إلى أن غياب البلديّة أثّر بشكل كبير على الحياة اليوميّة في عين جرفا. ويتابع  في حديث لـ ”مناطق نت“: ”إنّ إمكانيّات المختار محدودة إذ لا يستطيع القيام بكثير من الأعمال. في المقابل، تمتلك البلديّة صلاحيّات أوسع بكثير ولها الحقّ في الحصول على أموال مباشرة من وزارة الداخلية“.

ويضيف أنّ ”البلدة لم تتلقَّ أيّ أموال منذ مدّة طويلة باستثناء 11 مليون ليرة تمّ صرفها في وقت سابق“، مشيرًا إلى أنّ ”العام الماضي، لم تصلنا أيّ أموال مباشرة من المحافظة، مما عوّق قدرتنا على تنفيذ المشاريع والعمل في البلدة“.

ويؤكد شاهين ”أنّ إنشاء بلديّة في عين جرفا لا يقتصر على توفير الخدمات الأساسيّة فحسب، بل سيسهم أيضًا في تفعيل الموازنة المحلّيّة بشكل أكبر“. وأوضح أنّ ”وجود البلديّة سيمكن البلدة من التعامل بشكل مباشر مع وزارة الداخليّة للحصول على التمويل اللازم، ممّا سيساعد في تحسين الأوضاع وتلبية احتياجات السكّان“.

البلديّة أمل أبناء عين جرفا

يعبّر الشاب حسين مرعي عن حبّه العميق لقريته عين جرفا، ويعتبرها رمزًا للتعاون والمحبّة بين أهلها. ومع بزوغ أمل إنشاء بلديّة فيها، يستقبل مرعي هذا الخبر بفرح كبير، مؤكّدًا أنّ ”البلدة تستحقّ كلّ الجهود الإنمائيّة والتطويريّة، فهي لم تبخل يومًا في تخريج الأطبّاء والمهندسين والطلّاب المتفوّقين الذين حملوا اسمها بفخر في مختلف المجالات“.

ويشدّد مرعي على أنّ ”وجود البلديّة يُعدّ ضرورة أساسيّة، فهي ستسهّل المعاملات والخدمات وتساهم في نهضة البلدة، ممّا يساعد في التخلص من الأزمات التي عانى منها الأهالي لعقود طويلة“. ويتابع في حديث لـ ”مناطق نت“: ”نحن كشباب عين جرفا، وبعد عناء طويل، نحمد الله على قيام البلديّة، ونتمنى من الدولة والمعنيّين الالتفاف حولها ودعمها لتكون نقطة تحوّل إيجابيّة في مسيرة البلدة“.

وعن أبرز التحدّيات، يؤكّد مرعي ”أنّ أهالي عين جرفا عانوا كثيرًا من غياب الخدمات الأساسيّة، ما يجعل البلديّة المقبلة أملًا حقيقيًّا لتحسين الأوضاع“. ويشير إلى أنّ ”تحسين البنى التحتيّة، وبخاصة الطرقات العامّة والزراعية، يجب أن تكون من أولويّات العمل البلديّ، كون غالبية أبناء البلدة من المزارعين الذين يحتاجون إلى طرق زراعيّة جيّدة تسهم في تسهيل عملهم وتحصيل أرزاقهم“.

مدرسة عين جرفا الرسمية

إلى جانب ذلك، يدعو مرعي إلى إطلاق مشاريع إنمائيّة وثقافيّة، مثل إنشاء مكتبة عامّة أو مركز دعم للطلّاب، لأنّ ”عين جرفا تفتقر إلى عديد من الخدمات الضروريّة التي تتوافر في القرى المجاورة وتغيب عن بلدتنا، على رغم أنّها تستحقها عن جدارة“.

لبلديّة تحقّق التنمية

تلخّص رين علامة، رئيسة ”جمعيّة إنماء عين جرفا“، تأثير غياب البلديّة على البلدة بقولها ”غياب البلديّة يعني أن البلدة محرومة من فرص هائلة وأموال مخصّصة لتحسين الخدمات وتنمية المجتمع، بدءًا من توفير فرص العمل للشباب وصولًا إلى التطوّر العمرانيّ والاجتماعيّ والاقتصاديّ“. وتتابع متحدثة إلى ”مناطق نت“: ”البلدة عاجزة عن إصلاح البنى التحتيّة التي تحتاج إلى صيانة دائمة، والدولة تهمل مطالب البلديّات لعدم توافر الأموال، فما بالك بالمطالب الفرديّة التي تبقى محصورة في جهود المختار وبعض الأهالي؟“.

وتوضح علامة أنّ ”الوضع المتردّي وغياب المشاريع الإنمائيّة مثل تحسين الطرقات، الإنارة والنظافة العامّة يتطلب جهودًا ضخمة لا يمكن للأهالي والمختار وحدهم تحقيقها والقيام بالإصلاحات المرجوّة“. وتتابع علامة: ”نحن في الجمعيّة، وعلى رغم جهدنا الجادّ في مجال التنمية الاجتماعيّة والثقافيّة، إلّا أنّ محدوديّة الموارد تجعل من المستحيل توسيع أنشطتنا“. وعلى رغم هذه التحدّيات، تُعرب عن أملها الكبير ”في تشكيل بلديّة ربّما تفتح آفاقًا جديدة“، وتقول: ”نطمح للارتقاء بمجتمعنا وتحقيق التغيير الذي يستحقّه شبابنا في ظلّ هذا التطوّر الكبير الذي يطال العالم“.

تنتظر بلدة عين جرفا بفارغ الصبر الانتخابات المقبلة بعد عقود من الانتظار الطويل، على أمل أن تستعيد حيويّتها وتستكمل مسيرتها نحو النهوض والتطوّر. هذا التحوّل المرتقب ليس مجرّد خطوة إداريّة، بل هو تجسيد لطموحات الأهالي في تحسين الخدمات وإعادة بناء مجتمعهم المحلّيّ، ممّا يعكس آمالًا كبيرة وفرصًا جديدة لتغيير واقعهم. لكن يبقى السؤال: هل ستكون البلديّة المقبلة على قدر التحديّ، قادرة على تلبية احتياجات الأهالي وتحقيق التقدّم الذي طالما حلموا به؟ إنّ الأيام المقبلة كفيلة بالإجابة على هذا السؤال، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة قد تكون مفصليّة في تاريخ عين جرفا، مرحلة تعيد الأمل وتجسّد تطلعات أبنائها نحو مستقبل أفضل.

”أُنتج هذا التقرير بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع أصوات من الميدان: دعم الصحافة المستقلة في لبنان“.

بلال غازية – مناطق نت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!