حاصبيّا خارج السمع.. شبكات بلا صيانة أو وقود
صدى وادي التيم – لبنانيات /
في قلب الحرب وخارجها، هذا ما ينطبق على حاصبيّا التي على الرغم من أنّها لم تتعرّض لغارات وقصف مباشر، واقتصر ذلك على أطرافها وقريبًا منها، إلّا أنّها لم تبقَ بمنأى عن تداعيات الحرب، إذ تأثّرت كلّ القطاعات والخدمات فيها بأضرار جسيمة، سواء لناحية دورتيها الاقتصاديّة والحياتيّة، أو لناحية الخدمات التي تعطّل قسم كبير منها وأهمّها شبكتا الاتّصالات والإنترنت، فباتت تعاني حاصبيّا من شبه انقطاع لهما، وهو ما أدّى إلى عرقلة عديد من الأعمال ومن صعوبة في التواصل.
في هذه الظروف، لا يزال أهالي منطقة حاصبيّا صامدين في بيوتهم، على رغم الخطر المحيط بهم جرّاء القصف المتواصل على القرى المجاورة، لكنّ هؤلاء يعيشون يوميّات صعبة، ويواجهون تحدّيًا كبيرًا جرّاء الأضرار الآنفة الذكر، في وقت يثبت فيه الأهالي قدرتهم على الصمود وهم فيه بأمسّ الحاجة إلى الخدمات الأساسيّة.
أسباب انقطاع الاتّصال
قضاء حاصبيّا الذي يضمّ 20 بلدة، يعاني منذ أكثر من شهر من غياب شبه كامل لخدمات الإنترنت، بعد أن أصبحت خدمات أوجيرو مفقودة تمامًا، بينما تتقلّب خدمات “ألفا” و”تاتش”، ويعود السبب الأوّل إلى القصف المتواصل الذي تشنّه إسرائيل على القرى الجنوبيّة، ممّا يؤثر حتمًا في شبكة الإنترنت في المنطقة. وفي هذا الإطار، قال النائب فراس حمدان لـ “مناطق نت”: “إنّ المشكلة الرئيسة، بدأت بعد استهداف مركز أوجيرو في بنت جبيل، والذي كان يمدّ خط “الفايبر أوبتيك” لتوفير الإنترنت في قضاءي حاصبيّا ومرجعيون. وعند تضرر هذا الخطّ، تأثرت خدمة الإنترنت التي توزّعها الشركات عبر هذا المسار”. يتابع حمدان “بسبب الوضع الأمنيّ، لم تتمكّن فرق الصيانة من الوصول كي تصلح الأضرار، ممّا أدى إلى انقطاع الإنترنت وخدمة الـ 4G في حاصبيّا”.
وأوضح حمدان “أنّ هناك مشكلة أخرى مرتبطة بالمحطاّت المغذّية للقرى مثل كفرشوبا، راشيا الفخار، الخيام، حاصبيّا، وعين قنيا، حيث قُصفت بعض هذه المحطّات، ولا يمكن إصلاحها حاليًّا. بالإضافة إلى ذلك، يساهم عدم توافر المازوت اللازم لتشغيل المحرّكات في ضعف الخدمة، خصوصًا لدى شركتي “ألفا” و”أوجيرو”.
من جهته أكّد وزير الاتّصالات جوني القرم، في حديث لـ “مناطق نت”: “أنَّ سبب انقطاع خدمات الإنترنت يعود إلى تضرّر المحطّة التي تغذّي الشبكة في المنطقة”. وأشار “إلى أنّ الوزارة تعمل حاليًّا على إيجاد بدائل، ولكنّ الوضع الأمنيّ يمثّل العائق الأساس أمام الفرق التي تسعى إلى إصلاح الأعطال، حيث لا يمكن الوصول إلى المناطق المتضرّرة بسبب خطورة الأوضاع واستمرار القصف الإسرائيليّ المكثّف، ولا تستطيع الفرق التحرّك إلّا بمواكبة الجيش”.
وأكّد القرم “أن الوزارة تبذل جهودًا يوميّة بالتنسيق الكامل مع جميع الجهات المعنيّة، بما في ذلك شركات “ألفا” و”تاتش” و”أوجيرو”، لضمان إصلاح الأعطال واستمراريّة الخدمة”.
القصف يمنع الصيانة
عن الصعوبات التي تواجهها فرق الصيانة في عمليّة إصلاح الأعطال، يقول علي ياسين، عضو مجلس الإدارة في شركة “تاتش” ومدير هيئة تنفيذ العمليّات، “إنّها تكمن في صعوبة تعبئة المازوت لمحطّات الإرسال، إذ إنّ الطريق خطرة جدًّا أمام الفِرق، ولا يمكن الوصول بسهولة إلى تلك المناطق، وهذا ينطبق على الصيانة الوقائيّة للمحطّات التي تُجرى عادة، وهي أصبحت صعبة للغاية بسبب مخاطر الطريق أيضًا”.
يتابع ياسين حديثه لـ “مناطق نت”: “عند وقوع أعطال تقنيّة أكبر من مجرّد نقص الوقود، مثل مشاكل في المحرّكات أو المحطّات نفسها، تصبح الأمور أكثر تعقيدًا، إذ لا يمكن لفرقنا الوصول لإجراء الإصلاحات اللازمة. ومع ذلك، نحن على تواصل مع الجهات المحلّيّة في المنطقة، حيث نسعى بالتنسيق مع البلديّات وأهالي القرى، لتكليف أشخاص من داخل تلك القرى، يمكنهم الوصول إلى المحطّات ومساعدتنا في بعض المهام”. ويوضح ياسين أنّ “هذا يحدث خصوصًا في مناطق مثل حاصبيّا وجديدة مرجعيون ورميش، لكن تلك المناطق ترتبط أيضًا بمحطّات خارجيّة، ممّا يزيد من صعوبة إصلاح الأعطال فيها”.
يضيف ياسين: “نحاول قدر الإمكان اجتراح الحلول، ونجحنا في إصلاح بعض المحطّات التي عاودت عملها، وأخرى بانتظار إعادة تزويدها بالوقود”. ويشرح ياسين عن خطّة بديلة: “نحن نعمل على تجهيز محطّة إرسال متنقّلة، سيتمّ نقلها فور انتهاء الحرب إلى المناطق التي تعرّضت محطّاتها للتدمير، وذلك لتوفير الخدمة بشكل سريع حتّى نتمكّن من بناء محطّات جديدة. لكن من الصعب تشغيل هذه المحطّات المتنقّلة حاليًّا بسبب الحاجة إلى ربطها بمحطّات خارجيّة، وحاولنا إعداد إحداها في الماري لكنّها تحتاج إلى الاتّصال بمرجعيون، والوصول إلى هناك يشكّل خطرًا كبيرًا”.
“نحن في خليّة أزمة مكوّنة من شركات تاتش وألفا وأوجيرو ونعمل معًا على توفير حلول موقّتة، لكن من الصعب إعادة تشغيل خدمات أوجيرو بسبب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية تحت أرضيّة”. يختم ياسين
غياب خدمات أوجيرو
يركّز المسؤولون في محاولاتهم حلّ المشكلة على تعزيز التعاون بين “تاتش” و”ألفا” لتفعيل خدمة التجوال الوطني (National Roaming) حيثما أمكن، كما يحدث في مناطق مثل رميش والماري، ممّا يتيح للمستخدمين الاستفادة من خدمات الشركات المختلفة.
يؤكّد النائب حمدان ضرورة أن تمتلك أوجيرو خططًا بديلة وطارئة، مشدّدًا على أنّ مسؤوليتها تكمن في تأمين الإنترنت للمناطق التي لا يزال المواطنون صامدين فيها، وذلك في ظلّ الظروف الصعبة التي تعيشها المنطقة.
عن الجهود المبذولة
“الوزارة تعطي الأولويّة لملف الاتّصالات والإنترنت في الجنوب”، يقول الوزير القرم ويتابع: “بصفتي وزيرًا، لم أكتفِ بالإدلاء بتصريحات، بل أصدرت توجيهات واضحة بأنّ من أولوياتنا دعم المواطنين الصامدين في الجنوب. نحن نرى أنّ من واجبنا الإنسانيّ والوطنيّ الوقوف إلى جانبهم، وبالإضافة إلى ذلك، لدينا مصلحة حقيقيّة في أن يبقى هؤلاء الأشخاص في أرضهم وألّا ينزحوا، وأولويتنا أن يستمرّ الناس في صمودهم وأن نقدّم لهم الدعم اللازم”.
من جهته يؤكّد النّائب حمدان أنّه “بصفتي نائبًا عن المنطقة، نتواصل مع الجيش اللبنانيّ واليونيفيل للحصول على الأذونات اللازمة للدخول إلى المناطق الحدوديّة وإصلاح الأعطال”. ويضيف حمدان “أنّ الوزير القرم كان قد خطّط لتنفيذ خطّة طوارئ تشمل وسائل اتّصال عبر الأقمار الصناعيّة مثل “ستارلينك”، لكنّ غياب الموارد حال دون تحقيق هذه الخطّة”.
في خضم المعاناة
تروي دينا أبو ابراهيم، طالبة جامعيّة من بلدة الخلوات- حاصبيّا، لـ “مناطق نت” تجربتها الصعبة في ظلّ انقطاع الإنترنت الذي توفّره “أوجيرو”، وتقول إنّ جامعتها تعتمد بشكل كامل على التعليم عن بُعد، ممّا جعل انقطاع الخدمة يؤثّر بشكل كبير في دراستها.
توضح دينا “أنّ الحصول على بطاقات شحن الإنترنت أصبح مكلفًا للغاية، خصوصًا عندما أحتاج إلى تعبئتها بشكل كافٍ لحضور المحاضرات والجلسات الدراسيّة خلال النهار، بالإضافة إلى إتمام الأبحاث والمهام المطلوبة، ومن جهة أخرى، حتّى إذا اعتمدت على انترنت “ألفا وتاتش”، فإنّني أيضًا خارج الخدمة في معظم الأوقات”.
وتضيف دينا: “عندما أواجه صعوبة في الوصول إلى الإنترنت، أضطرّ إلى الاعتماد على زملائي الذين يمتلكون اتّصالًا للحصول على المعلومات الضروريّة، فهناك كثير من المهام الدراسيّة تتطلّب تحضيرًا مستمرًّا عبر الإنترنت، ممّا يزيد من تعقيد الوضع”.
دور الدولة في تأمين الإنترنت
يشير عبد قطايا، مدير الإعلام في منظّمة “سميكس”، لـ “مناطق نت” إلى أنَّ “قطاع الإنترنت حاجة ماسّة كالكهرباء والماء، ولا يمكن لأيّ شركة أن توقف هذه الخدمة مهما كانت الأسباب”. لافتًا إلى “أنَّ “أوجيرو”، و”تاتش”، و”ألفا” هي جزء من القطاع العام، وتقدّم خدمات أساسيّة ليست مجرّد رفاهيّة. ومن الناحية القانونيّة والسياسيّة، يعّد الإنترنت حقًّا أساسيًّا للناس؛ فحرّيّة التواصل والتعبير تعتمد عليه، واستمراريّة هذا المرفق العام واجبة لخدمة المجتمع. وبالتالي، فإنّ الإنترنت والاتّصالات ليست مجرد خدمات، بل هي حاجات ضروريّة لا غنى عنها.”
الإنترنت، بحسب عطايا، يعتمد عليه كثيرون لمتابعة الأخبار، خصوصًا في المناطق التي تفتقر إلى الكهرباء والتلفزيون. في القرى المعرّضة للقصف، يصبح الإنترنت الوسيلة الوحيدة لمعرفة مواقع القصف واتّخاذ احتياطات السلامة، مثل متابعة إعلانات الإخلاء.
بالإضافة إلى ذلك، يلعب الإنترنت دورًا حيويًّا في التواصل مع فرق الإسعاف والهيئات الإغاثيّة، فيُستخدم لتحديد مواقع القصف والإبلاغ عن احتياجات المنكوبين. ووفقًا لقطايا، يعتمد العاملون في الإغاثة على الإنترنت لإنقاذ الأرواح وتقديم الدعم الضروريّ. “لذا، يصبح الإنترنت أداة حيويّة لإنقاذ الأرواح وتيسير التواصل بين الأفراد والهيئات المعنيّة في أوقات الأزمات، متجاوزًا كونه مجرّد حقّ في حرّيّة التعبير”.
وفي خطوة إيجابيّة، ولكنّها غير كافية، تمّ تطبيق نظام “National Roaming” الذي يمكّن مستخدمي “ألفا” من الاستفادة من شبكة “تاتش” والعكس. ويضيف عيد قطايا: “طالبنا كمنظمة سميكس بهذا الحلّ قبل تفاقم الحرب”. وينتقد “منح المواطنين أسبوعًا مجّانيًّا من الخدمة فإنّه لا يفي بالحاجة، وما زال القطاع يُعتبر موردًا للخزينة، في الوقت الذي تستدعي فيه الظروف دعم المواطنين في ظلّ الحرب والنزوح”.
“يُنشر هذا التقرير/التحقيق/ التحقيق المصوّر بالتعاون مع المنظمة الدولية للتقرير عن الديمقراطية DRI، ضمن مشروع الأصوات المستقلّة: دعم صناعة المحتوى المبتكر والمتمحور حول المواطنين والمواطنات في الإعلام اللبناني“.
بلال غازية – مناطق نت