ما هي أسباب “الهدوء الحذر” في الضاحية بعد ظهور هوكشتاين الأخير؟

من المستغرب الظهور الإعلامي “المبرمج” الأخير للمبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، على شاشات التلفزة المحلية، بعد أن كان طوال الأيام الماضية “خارجاً عن السمع”، كما قيل. والأغرب منه الهدوء الحذر السائد في الضاحية الجنوبية لبيروت منذ يوم الخميس الفائت، وبعد كلام هوكشتاين عن “أنّنا نعمل ليلاً نهاراً من أجل مسألة وقف إطلاق النار في لبنان، والوصول اليه في أسرع وقت ممكن”… فهل يعود الى المنطقة قريباً، وفي جعبته مبادرة أو صفقة جديدة؟!

مصادر سياسية مواكبة فسّرت إطلالة الوسيط الأميركي بأنّه يحمل مبادرة جديدة، وقد ألمح هوكشتاين في حديثه الى إمكانية عودته الى المنطقة لمناقشة بنودها. ويأمل أن تتمّ الموافقة عليها هذه المرّة من قبل الطرفين المعنيين: الأول حزب الله، الذي فوّض رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي التفاوض باسمه سياسياً، كما كان دائماً، حتى قبل اغتيال الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله. والثاني، رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو الذي يبدو بأنّه يمرّ في مأزق اليوم يجعله يريد إنهاء عدوانه على لبنان سريعاً، لا سيما بعد الإخفاقات التي يُمنى بها جنوده خلال محاولات التوغّل البرّي في الجنوب اللبناني، والتصعيد الأممي الذي أدخل نفسه فيه من خلال ضرب مقرّ قوّات “اليونيفيل” والطلب منها إخلاء مواقعها، لإحداث تغيير للقرار 1701 على الأرض بالقوّة.

واستبعدت المصادر أن يتمكّن نتنياهو من إلغاء القرار 1701، سيما وأنّ هوكشتاين أكّد على أنّه “هو الأساس الذي يجب أن نعمل عليه من أجل بناء المستقبل، وعلينا أن نقوم بما هو أكثر من تطبيق القرار 1701، والتأكّد من أنّ كلّ بنوده تمّ تطبيقها”. ولكنّها أكّدت في الوقت نفسه، أنّ برّي، وفق المعلومات، لن يقبل بتعديل القرار 1701 بأي طريقة كانت، ولا بالقيام بما هو أكثر منه، إنّما بتنفيذه بكلّ بنوده ومندرجاته، ولا سيما بند الإنسحاب الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية المحتلّة. ولن يُوافق بالتالي على الحديث عن تطبيق القرارين 1559 و1680 اللذين تتحدّث بعض الجهات عن ضرورة تنفيذهما، كون القرار المذكور يستند اليهما.

وعزت الهدوء الذي تعيشه الضاحية منذ إطلالة هوكشتاين الإعلامية، وبدء إتصالاته ومشاوراته مع الداخل اللبناني، بأنّ برّي اشترط عليه، كما على الرئيس الأميركي جو بايدن خلال الإتصال الهاتفي الذي جرى بين الرجلين لمدة 40 دقيقة، ونقل إليه خلاله موقف لبنان من العدوان “الإسرائيلي” عليه، سيما وأنّه يطال المدنيين من أطفال ونساء، وأدّى الى تهجير نحو مليون و500 ألف مواطن لبناني من منازلهم، اشترط “وقف إطلاق النار قبل الخوض في أي تفاوض، أكان للتهدئة عند الحدود الجنوبية، أو للذهاب الى انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل حكومة فاعلة أو غير ذلك”. من هنا، أتت التهدئة “غير المُعلنة”، والتي لا يزال البعض في الداخل حذراً منها، ويعتبرها “هدوء ما قبل العاصفة”. فتوقّف الغارات “الإسرائيلية” على الضاحية الجنوبية لبيروت، تُقلق الكثيرين في الداخل، سيما إذا ما كان يعني، لا سمح الله، التحضير لعمليات كبيرة ما.

وأفادت المعلومات أنّ الولايات المتحدة الأميركية قدّمت مبادرة الى برّي خلال الإتصال الهاتفي الذي حصل أخيراً بينه وبين بايدن، على أن يقوم هوكشتاين بتنفيذ بنودها في لبنان والمنطقة في حال وافق لبنان عبر برّي على مضمونها، كما “الإسرائيلي” الذي يُنسّق مع الأميركي في كلّ خطوة يقوم بها في عدوانه على لبنان. ولهذا فإنّ إيقاف الغارات على الضاحية، يُظهر حسن نيّة الولايات المتحدة من جهة. ومن جهة ثانية، لا تزال “إسرائيل” تدرس ضربتها على إيران، والردّ الإيراني عليها، لتُقرّر ما الذي ستفعله بعدها في لبنان.

أمّا نفي هوكشتاين أنّ بلاده قد أعطت الضوء الأخضر لنتنياهو للقيام بالعملية البريّة في الجنوب، على ما شدّدت المصادر السياسية نفسها، فيسمح “للإسرائيلي” بمواصلة محاولات التوغّل البرّي، كون لا علاقة للولايات المتحدة به، وفق ما جرى الإعلان عنه. وتستخدم الولايات المتحدة وحليفتها في المنطقة مسألة العملية البريّة، كورقة ضغط على برّي وعلى الحكومة اللبنانية للموافقة على بعض “شروط” المبادرة، سيما وأنّها تتعلّق بتهجير سكّان القرى الجنوبية، وإمكانية عدم العودة اليها، في حال تمكّن “الإسرائيليون” من تحقيق بند “المنطقة العازلة” التي ينصّ عليها القرار 1701 عن طريق الدخول نحو 5 كيلومترات الى الداخل اللبناني حيث يدعو السكّان الى مغادرة قراهم، ويُطالب “اليونيفيل” بالتالي بإخلاء مواقعها هناك لكي يحتلّها ويحتمي بها. علماً بأنّ “الإسرائيلي” يُواجه صعوبة كبيرة في محاولات دخوله الأراضي اللبنانية نظراً لصمود المقاومين الذين يدحرون جنوده ويرغمونهم على التراجع الى الوراء، ولهذا يريد الإنتهاء من هذه العملية في أسرع وقت ممكن.

والواضح أنّ ما طالب به برّي، وهو وقف إطلاق النار أولاً قد بدأ يُطبّق بشكل جزئي في الضاحية الجنوبية. والمطلوب أن يُتخذ القرار بوقف إطلاق النار بعد الضربة “الإسرائيلية” على إيران، على ما أشارت، والردّ الإيراني عليها. علماً بأنّ الإيراني أعاد التأكيد على أنّه لا يريد الحرب بل يؤيّد السلم، وإن كان مستعدّاً للحرب التي لا يريدها. ولهذا تسعى الولايات المتحدة لتخفيف هذه الضربة على إيران لكي لا يأتي الردّ كبيراً، لا سيما بعد تلقّي نتنياهو اتصالاً من واشنطن الأحد من أجل المزيد من الضغط عليه لكي تكون الضربة “مدروسة” ولا تتسبّب بإشعال الحرب الشاملة في المنطقة. فضلاً عن الضغط على إيران في الوقت نفسه لاحتواء الضربة، في ظلّ الحديث عن أنّ طهران بدت أقرب الى الموافقة على فصل جبهة لبنان عن جبهة غزّة. فثمة صفقة تحصل اليوم بين الولايات المتحدة وإيران تتعلّق بفكّ الحصار، وبتسييل الأرصدة المجمّدة، والإتفاق النووي وسوى ذلك، ولا بدّ من ترجمتها في لبنان والمنطقة، من خلال وقف إطلاق النار وتحييد بيروت أولاً، والتوصّل الى حلّ ديبلوماسي لاحقاً لتطبيق القرار 1701 من قبل جميع الأطراف المعنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!