مشروع كبير لضرب الحزب عسكرياً وسياسياً

صدى وادي التيم-لبنانيات/

المُخطّط الجاري تنفيذه حالياً بأيادٍ إسرائيلية وأدوات أميركية وغطاء أوروبي، بريطاني ألماني وربما فرنسي، يمكن اختصاره بالآتي: تقويض قوة حزب الله عبر ضربه عسكرياً وتشتيت قواه وناسه بما يؤدي إلى إضعاف نفوذه عسكرياً وفي ما بعد سياسياً.

لذلك من المقدر أن الحرب الحالية ستطول نسبياً حتى تُحقّق أهدافها، وربما تتوسّع أو قد تأخذ أبعاداً عدة ومن المرجّح أيضاً أن وتيرة عمليات الإغتيال سترتفع. هذا لا يعني أن الحرب سوف تستمر لسنوات لكنها ستطول، بطرق شتى، ربطاً بسلسلة الأهداف الموضوعة لها، وستستخدم من أجل تحقيق غايتها شتى الأساليب ومختلف أنواع الوسائل والرسائل.
ما طُرح على الحزب خلال الساعات الماضية (بشكل غير رسمي) من أفكار ومقترحات تتعلق بمشروع أميركي – فرنسي لوقف مؤقت لإطلاق النار في الجنوب يمتد لغاية 21 يوماً ويشمل بنوداً تنفيذية، يمكن إدراجه ضمن الخانة نفسها، أي ضرب الحزب عسكرياً تمهيداً لضربه سياسياً.

هذه الدول تقول للمقاومة في لبنان عليك بالآتي: قبول مقترح محدد تغلب عليه الشروط الإسرائيلية لوقف إطلاق النار تحت القصف وليس عليك أن تُدخلي أي تعديل عليه. فقط عليك الموافقة، وإلاّ سوف تُستأنف الحرب وتتوسع آلة التدمير ويزداد القتل، وإن المسؤولية في هذا كله سوف تلقى على عاتقك. ولقد قال الإسرائيليون صراحة قبل أن يتنصّل زعيمهم بنيامين نتنياهو من المقترح: إن هذا المقترح هو مقترح الفرصة الأخيرة!

في هذه المسألة ليس هناك من علاقة لرئيس مجلس النواب نبيه بري باختراع مسودة المقترح، بل هي نتاج جولات وأفكار سابقة حملها المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين، وانحصر فيها دور رئيس المجلس بتنقيح هذه الجملة أو هندسة تلك، فيما دوره الحالي أتى من زاوية إظهار تعاون لبنان وقطعاً للطريق على أي تلاعب إسرائيلي.

عند هذه النقطة تعامل “حزب الله” وفق أسلوبه الخاص. أوصل رسائل بأن لا مشكلة لديه في التوصل إلى وقفٍ لإطلاق النار متى شمل ملف غزة وذهبنا باتجاه تسوية هناك تشمل إطلاق سراح الأسرى ووقف آلة القتل وما إلى ذلك. وفي اعتقاده أنه يكون قد أجهز على خطط نتنياهو في استمرار الحرب وإجباره على إيقافها، وثبت موقع التداخل والإرتباط بين ملفي غزة وجنوب لبنان، لكنه ليس في وارد تقديم أوراق أو ضمانات أو ما يسمّى “حُسن نية”، مع علمه أن المشروع العسكري الإسرائيلي يقوم على سحقه، وبالتالي إن كل ما يُطرح من أفكار مجرّد ترّهات لإضاعة الوقت وتحميل المقاومة المسؤولية.

جُنَّ جنون نتنياهو!
بنتيجة أداء الحزب، عاد نتنياهو الذي كان يسوّق لنظريات استعداده للمفاوضات والقبول بوقف لإطلاق النار ومن جهة أخرى كان يقوم بالنفي على جري عادته ويعود إلى اتّباع لغته السابقة. قرر ليل الأربعاء – الخميس العودة إلى انتهاج السلوك نفسه في تنفيذ المجازر. هذه المرة قصدت آلة حربه البقاع، لترتكب جرائم مروعة في حق المدنيين. صباحاً إستأنف قصفه لقرى الجنوب، ثم ظهراً تمدد صوب البقاع مجدداً وشنّ حملة قصفٍ طاولت الجسور وبعض المعابر الحدودية مع سوريا. أمّا بعد الظهر فوصل إلى الضاحية وجدد تنفيذ عمليات الإغتيال بأمرٍ منه وتحت إشرافه، وليلاً عاد إلى الجنوب ليمارس بطشه مرة أخرى. أمام هذه الحالة كيف يعقل أن يقبل “حزب الله” الدخول في مفاوضات “تحت النار” القصد منها تصويره أمام خصومه وبيئته أنه في وارد الذهاب إلى هذا الخيار مكسوراً وبعد 4 أيام من الضربات العنيفة في الجنوب والبقاع وأنه فعلاً خسر وقد حقّق نتنياهو النتائج؟
فلندع العاصفة تمر..

في الواقع إن خيار الحزب الحالي ليس الإنتظار أو قبول ما يفرض عليه إنما ترك العاصفة تمر، العاصفة العسكرية طبعاً.

ببساطة، تقوم استراتيجة الحزب على ترك العدو يبلغ أعلى نقطة عسكرية لديه، أي أن يستنفد كل قدراته العسكرية وجميع تفاصيل بنك أهدافه من خلال القصف. مع بلوغ هذه النقطة وانتفاء قدرته على تحقيق الأهداف، تصبح المبادرة للمقاومة.

هذه استراتيجية مدروسة. من يراقب أداء المقاومة فعلاً، يظهر لديه أنها ما زالت تضبط عناصرها، وتمارس نوعاً من القتال مشابه إلى حدٍ ما للذي تنفذه منذ الثامن من تشرين الأول الماضي، أي قصف المواقع العسكرية واستخدام أنواع محددة من الصواريخ المستخدمة سابقاً (قبل تطويرها) مع إضافة “بهارات” عُبّرَ عنها من خلال رسائل فادي 1 و2 و3 وأيضاً قادر 1. أي أن ما تريد المقاومة قوله إن قدراتها الصاروخية في أحسن أحوالها وما تزال تحفظ القدرة على السيطرة والتحكم والتواصل بين القيادة والقاعدة وبين الأفراد في ما بينهم، وخياره العسكري في الوقت الراهن، التدرّج وعدم حرق المراحل والأوراق. لكن الأمر لن يبقى على هذا النحو عندما تتوسع المعارك، وإن المقاومة التي تقوم بأداء عسكري معين لن تبقى في موقعة قصف صفد بـ 200 صاروخ يومياً.

سحر أسود “إسرائيلي”
هناك نقطة يجب الدلالة إليها بقصد قراءة أفكار العدو. هذا الأخير راهن ويُراهن على تحقيق قفزة في مواجهة الحزب، تؤدي إلى ضغط عسكري كبير عليه ما قد يتسبّب بإرباكه وإفقاده القدرة على السيطرة. يقوم بعدها العدو بشنّ أعلى موجة من القصف المركز. وربطاً بالنتائج التي سوف تتحقق من جرائه وبموازاة الضغط الذي سينتج عن انفلاش النازحين من بيئته نحو البيئات الأخرى، سوف ينصاع الحزب أو يقبل الذهاب إلى وقف لإطلاق النار ضمن ترتيبات جزء منها يتصل بإعادة النازحين إلى المستعمرات.

هناك من يقول إن نتنياهو استنسب مواقيت معينة لتحقيق غايته:
1. يستفيد من انعدام الوزن في الإدارة الأميركية بفعل دخول البلاد مدار الإنتخابات.
2. يستفيد من تحرّره من ضغوطات الكنيست الإسرائيلي الذي اقترب من انتهاء عطلته الصيفية.
3. يعتقد أن لديه قرابة الشهرين لتحقيق أهداف عسكرية على جبهة الشمال.
4. الأهم، إستنسب لحظة انعقاد الدورة السنوية للأمم المتحدة لينفذ قراره توسيع الضربات. قد يكون اعتقد أن ملوكاً ورؤساء ودول، سوف تنحو باتجاه الضغط على الدولة اللبنانية لتضغط هذه الأخيرة على “حزب الله” لتحقيق إلتزامات “إسرائيلية” عند الحدود.
5. في طرح موضوع “مقترح وقف إطلاق النار”، من المؤكد أنه نوقش مع نتنياهو الذي كلّف أحد وزرائه متابعته مع واشنطن، إستنسبَ رئيس حكومة العدو إنعقاد مجلس الأمن لمناقشة ملف الجنوب لفرض مزيد من الضغوطات.

قد يظهر أن كل هذه التقديرات تبدو خاطئة، أو أن الحزب كمقاومة لم يتأثر بها. على العكس تماماً، تبدي المقاومة إستعداداً للإستمرار.

صحيح أن مسألة النزوح تضغط عليها وثمة آلة حرب، لبنانية الصنع، تعمل على جرّ هذه البيئة إلى اشتباكٍ معين أو قد تُستغلّ من أجل إرباك الحزب، لكن تقدير المقاومة يبقى في أن تحقيق هذه الغاية صعب ولن يحصل، وإن الفرق المولجة متابعة هذه الملف تختلف من حيث الأداء.

ليس سراً أن ثمة رهان على خلق “نعرة شعبية” ربطاً بملف النزوح، وبكل صراحة هناك من يستقرئ في أن إطالة أمد الحرب وسط وجود مجاميع كبيرة من النازحين قد يستخدم في سياق ممارسة ضغوطات داخلية على الحزب ويحتمل أن يستخدم هذا الملف ضده.

المصدر: ليبانون ديبايت- عبدالله قمح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى