نازحو حرب جنوب لبنان بين الانتظار والتكيف مع بدائل معيشية

صدى وادي التيم-لبنانيات/

يوم اندلعت المواجهات على تخوم لبنان الجنوبية ظنها كثر من أبناء القرى والبلدات المنتشرة على طول الحدود حرباً سريعة وتنتهي على غرار حروب سبقت على لبنان وجنوبه في الأعوام 1978 و1982 و1993 و1996 و2006، مما شكل عامل تردد لدى كثر من أصحاب المصالح والمتاجر والمؤسسات في البلدات التي بدأت تتعرض للقصف منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في إخراج ما تسنى لهم من بضائع ومحتويات قبل اشتداد الحرب، كي تكون خارج الاستهداف وتساعدهم في تأمين ما يحتاجون إليه من أموال ومصاريف في غربتهم القسرية التي بلغت اليوم 11 شهراً.

طرحت قافلة الشاحنات التي قامت في الـ29 من أغسطس (آب) الماضي بإخراج كميات من البضائع من المؤسسات والمعارض والمخازن من بلدة ميس الجبل (جنوب)، أكبر الأسواق التجارية في جنوب لبنان مجموعة من أسئلة حول أمد الحرب وإمكانية استمرارها أشهراً عديدة أخرى، وتفريغ المناطق الحدودية من مؤسساتها ومصادر الاقتصاد فيها بعدما فرغت من سكانها، والاستثمار خارجها بعدما تمت هذه العملية بالتنسيق مع الجيش اللبناني وقوات “يونيفيل” العاملة ضمن قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان، وكانت هذه البضائع مهددة منذ اندلاع الحرب بأن يطاولها التدمير والحرائق التي اشتعلت في عديد من المنازل والمؤسسات.

ماذا يشتغل النازحون؟

ويبقى السؤال المطروح بين أوساط النازحين من الجنوب، وقد فاقت أعدادهم 105 آلاف نازح من مختلف الأعمار: ماذا يشتغل أرباب هذه العائلات التي غدت بين ليلة وضحاها من دون مصادر دخل، وجلها عائلات تعمل في زراعة الحقول وتربية المواشي والدواجن، أو في قطاعات مهنية وحرفية ومتاجر للبضائع المختلفة أسست لها منذ سنوات طوال، خصوصاً مع تجاوز فترة النزوح 11 شهراً متواصلة؟ وماذا كان يمكن لهؤلاء أن يفعلوا ومصادر إنتاجهم ثابتة في الحقول والأمكنة والساحات غير متاحة لنقلها السريع من مكان إلى آخر؟

تتعدد الأجوبة حول أعمال الجنوبيين بعد هذه المدة من النزوح التي تقترب من عام كامل، فمنهم من اكتفى بمساعدات مادية وغذائية وعينية تقدمها مؤسسات الدولة اللبنانية على نحو “مجلس الجنوب”، و”الهيئة العليات للإغاثة و”وحدة إدارة الكوارث” في اتحاد بلديات صور، واللجان الخدماتية في “حزب الله” وبعض المؤسسات الاجتماعية والإنسانية، وآخرون بحثوا عن عمل هنا وهناك وارتضوا بما يدر عليهم من مصروف يومي.

وفي مبادرة توفير فرص عمل لبعض النازحين في مراكز الإيواء، لا سيما في مدينة صور، دعمت مؤسسة الـUNDP (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، إقامة مشروع مخصص للراغبين في العمل في حقول بيئية أو زراعية قريبة من مراكز الإيواء، لتوفير فرص عمل استثنائية تتمثل بأن يعمل كل راغب مدة 40 يوماً مقابل 12 دولاراً في اليوم الواحد. كذلك نظم اتحاد بلديات صور بتمويل من الـUN Women، مشاريع زراعية صغيرة في حقول قريبة من المدينة لمساعدة النساء النازحات ممن فقدن حقولهن في القرى والبلدات التي نزحن عنها، في التدريب على الإنتاج الزراعي وتصنيع المؤونة البيتية والاستفادة من الزراعات والمنتجات الغذائية في تلبية حاجات عائلاتهن.

1.5 مليار دولار إعادة بناء

ويؤكد المحلل الاقتصادي كمال حمدان أنه “لا توجد دراسات إحصائية لخسائر الحرب على لبنان، لكن في الجنوب ثمة أكثر من 100 ألف نازح، منهم نحو ثلث العدد من القوى العاملة من المقيمين من جميع الأعمار، هذا الثلث ليس كله تحت الخسارة، لأنهم ليسوا جميعهم أجراء، إذ منهم موظفون يقبضون الرواتب كل آخر شهر، من أساتذة مدارس وجامعات وفي القوى الأمنية اللبنانية، وفي القطاعات الصحية، وموظفي الدولة والعاملين في القطاع العام، وفي القطاع الخاص، وهؤلاء يشكلون جزءاً من الثلث يراوح ما بين ثمانية و10 في المئة، والبقية لديهم مصالح حرة، وهؤلاء هم من وقع عليهم الضرر، إذ أقفلوا متاجرهم ومعاملهم الصغيرة ومزارعهم وورش البناء والنجارة والميكانيكا، وتقدر خسائرهم بين 60 و70 في المئة، وكي ينتقلوا إلى مكان آخر ويؤسسوا لمصالح جديدة، صعب الأمر عليهم”.

ويشير حمدان إلى أن اقتصاد الجنوب نسبته صغيرة من حجم الناتج المحلي اللبناني، وهناك خسائر زراعية طبعاً، من عدم قطف المحاصيل أو تحضيرها إلى مساحات كبيرة قضت عليها الحرائق، “هذا عدا عن البيوت، وأكثر بند خسائر هو البيوت والدمار الكلي والجزئي، والحديث عن رقم مليار ونصف مليار دولار ليس بعيداً من المنطق عندما نأخذ بالاعتبار كلفة إعادة إعمار البيوت ومرافق البنى التحتية”.

الحرب ضربت مصالح اللبنانيين

وحول تأثير الحرب في أعمال اللبنانيين يضيف المحلل حمدان “تأثر لبنان في عدم مجيء المغتربين، اللبنانيين غير المقيمين، مع العلم أن عدداً لا بأس به حضر على رغم الحرب، يضاف إليهم غير اللبنانيين ممن يحضرون عادة إلى لبنان، ولبنان مضروب أصلاً منذ 2011 بسبب العقوبات على لبنان والموقف الخليجي المعلن والمضمر، لكن في الفترة الأخيرة رأينا قادمين من العراق والأردن وسوريا، في مقابل انخفاض نسبة الخليجيين أو عدم قدومهم بالمطلق، فخسرنا مئات آلاف الدولارات أيام إيواء في الفنادق، استطراداً في المطاعم والقطاعات السياحية وفي النقل والقطاعات المرتبطة”.

وبحسب البنك الدولي يشير حمدان إلى أن “النمو كان متوقعاً أن يزيد بين 0.4 و0.5 في المئة عام 2023 للبلد ككل، لكن بعد حرب غزة ثم حرب الجنوب تقول تقديرات البنك الدولي إن الناتج المحلي انخفض 0.3 في المئة على المستوى الوطني، وكنا منذ عام 2019 لم نسجل معدلات نمو إيجابية، فكانت ناقصة 30 إلى 40 في المئة عام 2020، ثم ناقصة 15 إلى 20 في المئة سنة 2021، وأصبحت ناقصة سبعة إلى ثمانية في المئة 2022، وتوقعنا عام 2023 أن تستقر الأوضاع بنمو قليل إضافي بين 0.3 إلى 0.5 في المئة، وفي آخر تصحيح تبين أنه بعد اندلاع حرب غزة تراجعنا 0.2 في المئة، وطبعاً ستكون مضاعفة منذ مطلع العام الحالي وحتى اليوم”.

وفي عودة إلى ماذا يشتغل الجنوبيون النازحون حالياً يلاحظ حمدان “أن قسماً منهم بدأ يتكيف مع الواقع المستجد وذهب إلى أعمال غير أعماله التي كانت قبل الحرب، على نحو سائق سيارة أجرة، موزع (ديليفري) أو أي عمل آخر، أو في أراضٍ زراعية توافرت له في أماكن النزوح. ومن ملطفات الأزمة على الناس أن بعضهم حاول أن يتكيف في مصالح أخرى أو بمصلحته خارج نطاقه الجغرافي الأساس”.

تعويض مزارعي التبغ

وبحسب الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين أنه تم أخيراً إحصاء 105 آلاف نازح من الجنوب وقراه الحدودية وغيرها “قسم منهم من المتقاعدين، ممن يمضون أوقاتهم في قراهم، وعدد كبير منهم لا يشتغل في أي عمل أو وظيفة، أما البقية فهم من أصحاب المتاجر والدكاكين والمهن الحرة ومحطات الوقود وميكانيكا السيارات وبائعو الخضراوات وغيرهم، هؤلاء عملياً لم يجدوا أشغالاً خارج قراهم، خصوصاً أن معظمهم أمضى طوال الفترة الماضية على أمل العودة القريبة، غداً أو بعد غد ولم تحصل، وهؤلاء توزعوا بين النبطية وصور وضاحية بيروت الجنوبية وفي مناطق أخرى، اشتغل بعضهم عند أقارب أو أصدقاء من أصحاب المتاجر والمؤسسات كمساعدين ليس أكثر”.

وأضاف شمس الدين أن ما نسبته 20 في المئة من النازحين “لم يفتتحوا مصالح جديدة لأنهم لا يملكون رؤوس أموال، خصوصاً بعدما تركوا كل شيء خلفهم، ونزحوا خاليي الوفاض. أما بقية النازحين فيعتمدون على الـ100 دولار التي تدفعها اللجان الاجتماعية في (حزب الله) كمساعدة في المصروف أو على مساعدات مجلس الجنوب، تضاف إليهم نسبة جيدة من المتقاعدين ممن لا يعملون ويعيشون على المساعدات التي يتلقونها”.

وفي موضوع مزارعي التبغ أشار شمس الدين إلى “حل قريب ستقوم به إدارة الريجي (إدارة حصر التبغ والتنباك اللبنانية) تجاه مزارعي التبغ ممن لم يتمكنوا من زراعة أراضيهم الموسم الحالي بسبب النزوح والتهجير والقصف، ويقضي باحتساب الريجي لمن لم يزرع الكمية عينها التي سلمها الموسم الماضي، على أن تسعر ثمن الكيلوغرام الواحد 2.5 دولار وتعتبره كأنه سلم محصوله بكمية العام الماضي، وهو نوع من التعويض على المزارعين هؤلاء خسارتهم، لكن المزارعين الذي تمكنوا من زراعة وقطاف موسم التبغ ستشتري منهم الريجي الكيلوغرام الواحد بين سبعة وثمانية دولارات، وسوف تتسلم الموسم باكراً وتدفع المبالغ المقررة قريباً”.

سوق ميس الجبل

وتعد ميس الجبل عاصمة اقتصادية لقرى وبلدات الجنوب الحدودية، وهي بلدة كبيرة يقدر تعداد أهلها بنحو 35 ألف نسمة يعمل معظمهم في التجارة ويملكون مؤسسات تجارية كبيرة ومعروفة على مختلف الأراضي اللبنانية، وهم عملوا طوال ربع قرن على تعزيز التجارة في بلدتهم فأنشأوا سوقاً تجارية ضخمة تضم أكثر من 165 مؤسسة تجارية، إلى جانب المتاجر المتوسطة والصغيرة فيصبح عددها 350، منها 30 معرضاً للمفروشات وصالات عرض للسجاد والأدوات المنزلية، فضلاً عن وجود مصانع وشركات ومؤسسات كبيرة ومتوسطة تؤمن عيشة عائلات كثيرة في المنطقة، وليس في البلدة وحدها.

ويحصي رئيس بلدية ميس الجبل عبدالمنعم شقير نزوح 7000 من أبناء ميس الجبل “كانوا يقيمون فيها صيفاً وشتاءً، ومن يعمل منهم أخرج جزءاً يسيراً من بضائعه المخزنة في البلدة، مما يعني أن محالهم ومؤسساتهم لم تزل مكدسة بالبضائع، وتأثيرات الحرب كبيرة عليهم، ومن عنده مخزون 100 شاحنة أخرج بمقدار سبع أو ثماني سيارات (بيك أب). ما قمنا به أخيراً لم يكن الهدف منه الاستغناء عن أملاك التجار في ميس الجبل والجنوب بقدر البحث عمن يعولهم ويؤمن لهم مصاريف عيالهم من دون الحاجة إلى أحد بعد هذا الوقت الطويل من النزوح وتوقف الأعمال والتجارة”.

بضائع بـ100 مليون دولار

يضيف شقير، “من أسف شديد أن بضائعهم التي نقلوها يبيعونها اليوم بنصف القيمة أو الثلث، فالسجادة الحرير التي يبلغ سعرها 1500 دولار يبيعونها بـ500 دولار بعد تخزين طويل ونقل غير سليم. ولا ننسى أن البضائع التي أخرجت تحتاج إلى صالات عرض، والعرض يحتاج إلى واجهات ورفوف ومحال ومستودعات واسعة، وهم اليوم لم يفتحوا صالات عرض جديدة ومتاجر تشبه ما كانت عليه في ميس الجبل قبل الحرب”. ويشير إلى أن ميس الجبل كانت تشكل سوقاً تجارية في الجنوب وفي منطقة بنت جبيل، لكنها كانت سوقاً على مستوى لبنان، والزبائن يحضرون إليها من مختلف المناطق، تجاراً وأفراداً، ومن الطبيعي أن تفوق قيمة الموجودات والبضائع فيها 100 مليون دولار أميركي، معظمها لم تزل داخل البلدة التي لم تكن فيها صالات عرض وبيع فحسب، بل كانت فيها مصانع للسجاد والمفروشات المنزلية ومؤسسات ضخمة.

وفي تقديره للأضرار الناتجة من القصف المستمر منذ 11 شهراً يؤكد شقير أن بعض المؤسسات التجارية نالها التدمير، وثمة مؤسسات أخرى تضررت في واجهاتها وأبوابها وشبابيكها وزجاجها وبضائعها، ناهيك بالخسائر الزراعية والبنى التحتية والأبنية، فنحن لدينا 260 وحدة سكنية مدمرة كلياً من أصل 4800 وحدة، ونحو 300 وحدة متضررة جزئياً إلى أضرار مختلفة في أكثر من 1500 وحدة ومبنى، ومع ذلك الناس لم تستسلم على رغم المعاناة والآلام والجراح، التي نعيشها في ميس الجبل ليس منذ 11 شهراً، بل منذ 76 عاماً، أي منذ احتلال فلسطين عام 1948″.

ويطمئن شقير إلى أن “هؤلاء الذين أخرجوا بضائعهم من ميس الجبل سيعودون إليها فوراً، ليس في اليوم الأول لوقف إطلاق النار، بل في الساعات الأولى، سيعودون إلى ديارهم وبيوتهم ومؤسساتهم، وسنعيد إعمار بلدتنا من جديد ونحييها أكثر مما كانت عليه، نحن جميعنا حياتنا معلقة في الجنوب وفي بلدتنا، التي كنا نقيم فيها الأعراس والأفراح والمناسبات، وبتنا اليوم نبحث عن كيفية تسجيل أبنائنا في الجامعات والمدارس”.

نكبة عائلة

في الخامس من مايو (أيار) الماضي حاولت عائلة فادي محمد خضر حنيكة ومايا علي عمار إخراج بضائع مؤسستهم التجارية المتواضعة التي تشكل المصدر الوحيد لعيشهم، من وسط الاستهداف والغارات، لكنها دفعت ثمناً غالياً جداً، إذ أدت غارة جوية إسرائيلية مفاجئة على وسط بلدة ميس الجبل، إلى سقوطهما مع ولديهما محمد (20 سنة) وأحمد (12 سنة) حنيكة ودمار المؤسسة فوق رؤوسهم.

وكانت العائلة الصغيرة وبعد ستة أشهر من النزوح إلى بيروت والبقاء من دون مصدر دخل مادي تحاول إخراج ما يمكن من بضائع “سوبرماركت” تعود للعائلة وإنقاذها من الدمار، وحضرت من بيروت إلى ميس الجبل، ولكن وما إن بدأت العائلة بنقل بعض المخزون إلى الشاحنة حتى استهدف الطيران الإسرائيلي المبنى الذي تقع فيه المؤسسة التجارية فدمرته فوق رؤوسهم، مما أدى إلى سقوط العائلة بكاملها وإصابة عدد من المواطنين كانوا في الجوار.

من مقاول لبائع خضراوات

حسني موسى الذي نزح من بلدته كفركلا في قضاء مرجعيون (جنوب) إلى بلدة كفررمان جارة مدينة النبطية عاصمة المحافظة والقضاء، يقول، “كنت أعمل مقاولاً في ترميم البيوت والمؤسسات وفي إنهاء أعمال الديكور وكل ما يلزم أعمال البناء، إضافة إلى أنني كنت أمتلك باصين لنقل التلاميذ إلى مدارسهم، ولدينا من الملك الزراعي ما يدر علينا سنوياً نحو 300 تنكة (20 ليتراً) من زيت الزيتون، اليوم أبيع الخضراوات أمام مركز بلدية كفررمان، أقصد حسبة صيدا، أشتري بضائع من هناك وأبيعها في كفررمان، أربح يوماً وأخسر في آخر”.

ويصف موسى بيته في كفركلا بـ”المتصدع، وربما يتهاوى في أي وقت، إذ لم يعد قائماً إلا على الأعمدة. أتلقى بعض المساعدات من مجلس الجنوب كل ثلاثة أشهر، إضافة إلى أجرة البيت 250 دولاراً التي تدفع منه اللجان الاجتماعية لـ(حزب الله) 200 دولار”.

بائع الموسيقى

نزح حسين حويلي “أبو أنيس” من بلدته خربة سلم (قضاء بنت جبيل) إلى النبطية، كان يعمل سائق أجرة، أما اليوم فيبيع “قصبات موسيقية في محلة كفرجوز في المدينة، أصنعها بنفسي من قصب أحضره من هنا وهناك، على رغم تدني وجوده بسبب غزو العمارات والأبنية، فأصنع منها منجيرة وناياً”. ويضيف، “أبيع أحياناً قطعة أو قطعتين في اليوم، وأحياناً لا شيء أبداً، أقف أمام سيارتي، أعرض بضاعتي عليها وأعزف في الشارع على الكمنجة كي ألفت اهتمام الناس نحوي، وإن لم يهتموا فهم في الأقل سيسمعون بعض الموسيقى. أنا أقدر وضع الناس المنصرفين اليوم إلى تأمين قوتهم اليومي”. ويقدر أبو أنيس أن الناس لا يعرفون كثيراً عن الآلات الموسيقية النافخة “وخصوصاً الناي والمنجيرة، وهم تخلوا أخيراً عن الرفاهية بسبب صعوبة الحياة والتهجير وما لحق بقرى الجنوب من قصف وتدمير”.

من رجل أعمال إلى عامل

نزح سهاد علي قطيش من حولا (جنوب) إلى منطقة جبيل، يقول، “كنت أمتلك مركزاً تجارياً من 14 محلاً أبيع فيها مواد البناء والقرميد، أشتغل اليوم على ونش أنا وولداي، وننقل بواسطته حجارة بناء إلى ورشة في المنطقة. كان أولادي يتعلمون في مدرسة سيدة البشارة في رميش (جنوب)، قصدت مدرسة رسمية هنا في جبيل كي أسجل ابني فيها، يخبرونني بأنه سيداوم في فترة ما بعد الظهر، أي في فترة تعليم اللاجئين السوريين”. ويحزن قطيش إلى مآل أيامه، “مصلحتي فيها بضائع بقيمة مليون ونصف المليون دولار، وبت اليوم أعمل باليومية على ونش، ويريدونني اليوم أن أعلم أبنائي مع اللاجئين”. ويؤكد قطيش أنه تلقى عرضاً بإخراج بضاعته من حولا، “لكنني رفضت وقلت لهم إن البضاعة ليست أغلى من الملك والبناء، ولن أخرج قطعة واحدة”.

المصدر: كامل جابر – اندبندنت عربية 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى