الماري والوزاني: عذوبة النهر وخصوبة الأرض.. والعنف الإسرائيلي

صدى وادي التيم-لبنانيات/

تهدر مياه النهر” الوزاني”، تسمع عذوبتها في بيوت البلدة التي تحمل إسمه، وتروي ناس وزرع جارتها “الماري” التي تمتد حقولها المسلوبة نحو بلدة الغجر السورية المحتلة.

فالماري والوزاني، قريتان جنوبيتان في قضائي حاصبيا ومرجعيون، تتناسبان في حدودهما الشرقية مع الجولان، وتمتدان إلى سهل الخيام، لتجتمعا في تآلف جغرافي وسكاني متعدد، شبيه بالفسيفساء اللبنانية.

عائلة واحدة تركت بلدة الماري، منذ الثامن من تشرين الأول 2023، من أصل حوالى 450 عائلة. فيما سُجل في الوزاني، التي سقط فيها عدد من الشهداء والجرحى وقُصفت محطة توليد المياه فيها، التي أنشئت في العام 2002 في أكبر تحد لإسرائيل، نزوح عدد كبير من أهلها، ومن ثم بدأوا يعودون إليها.

وجه الشبه بين البلدتين كبير جداّ لناحية إنبساط أرضهما المشهورة بخصوبتها، فيغطي إنتاجهما من البطيخ والخضار والفواكه والصبار جانباّ من الأسواق اللبنانية.

سادات وأحبار الماري
حسب معجم أسماء البلدات والقرى اللبنانية فإن الماري، إسم سرياني “mari”، ويعني أحبار ومقدمين وسادات. وقد وجدت في أرضها بقايا آثار قديمة متعدّدة العهود، أما المجيديّة التي تقع ضمن نطاقها الإداري، فكان اسمها الخروجيّة نسبة إلى شجر معروف، وبعدما تمّلكها الأمير مجيد إرسلان نسبت إليه فعرفت بالمجيديّة.

لبلدة الماري، التي يجتمع على أرضها في حالة نادرة في الجنوب المسجد والخلوة والكنيسة، مساحات واسعة من العقارات، تتجاوز 800 دونم، أقيمت على جزء منها منازل لسوريين من بلدة الغجر التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، وعمدت إلى تسييجها وضمها إلى القسم السوري المحتل، ولم تطبق قرار مجلس الأمن الدولي 1701 وقبله القرار 425 لناحية الانسحاب منها، حيث تشكل أبرز التحديات في مفاوضات إظهار الحدود اللبنانية السورية الواقعة تحت احتلال إسرائيل.

تضم ناحية الماري ست مناطق عقارية كبيرة، وهي المجيدية، العباسية، الدحيرجات، صليٌب، وريحانة بري. وتشكل مجتمعة نطاقاً جغرافياً واحداً، على رأسها شمال الغجر، وقد طُلب أثناء التجديد لليونيفيل قبل عامين، تعديل تسمية “الجزء اللبناني من قرية الغجر المحتلة” إلى “الأراضي المحتلة في خراج بلدة الماري، التي تشمل في جزء منها التمدد العمراني في قرية الغجر. لكن لبنان تبلَّغ من مجلس الأمن الدولي بأن الأمر يتطلب تعديل التسمية في كل وثائق الأمم المتحدة.

فياض : الماري خزان زراعي
يشير رئيس بلدية الماري يوسف فياض، إلى أن أهالي الماري صامدون في أرضهم، يمارسون أعمالهم الزراعية على اختلافها، رغم الاعتداءات الإسرائيلية على نواحي البلدة وخصوصاّ في المجيدية والعباسية، ولم يسجل في البلدة أي عملية نزوح، لافتاّ إلى وجود عشرات مزارع الدواجن في البلدة، وتنتج كل أربعين يوماّ 500 ألف فروج، فتعاني من مشاكل التصدير بسبب أوضاع الطرقات وعمليات القصف، والامر نفسه بالنسبة لموسم الصبار، الذي بلغت خسائره أكثر من خمسين بالمئة، لافتاّ إلى أن البلدة تعاني من شح المياه، بسبب الحاجة إلى مادة المازوت، المشغلة لمولدات الكهرباء.

ويقول فياض لـ”المدن”، إن العيش المشترك في بلدة الماري فريد من نوعه، حيث تتجاور الخلوة مع المسجد والكنيسة، وأن مجلسها البلدي المؤلف من تسعة أعضاء يرأسه حالياّ أحد أعضاء المجلس من طائفة الموحدين الدروز، ونائبه من الطائفة المسيحية الكريمة، وعضوان من الطائفة الإسلامية “السنية”، مؤكداً بأن رئاسة البلدية غير محصورة بجهة واحدة، لافتاّ إلى أن أبناء الماري، وكل بلدات وقرى العرقوب، عروبيون، وهم جزء من هذه المنطقة ومصيرها.

إسم النهر
يفصل نهر الوزاني، وأحد روافده نهر الحاصباني، الحدود الجغرافية بين بلدة الوزاني ومنطقة الجولان السوري المحتل المبتدئة في قرية “الغجر”، ويبلغ طوله 20 كلم. يجري خمسة كيلومترات منها في الأراضي اللبنانية قبل أن يتابع مجراه في فلسطين ليصب في بحيرة طبريا، وأقيم على هذا النهر مشروع لسحب المياه منه إلى قرى الجنوب اللبناني، الذي يسمح بضخ حوالى 9 ملايين متر مكعب من مياه النهر لتغطي جزءاً من الاحتياجات المائية لقرى الجنوب اللبناني. وهذه الكمية تشكل 10% من حصة لبنان في مياه هذا النهر، الذي يوفر في السنة 100 مليون متر مكعب من المياه.

بعد التحرير في العام الفين، تحولت بلدة الوزاني، إلى مقصد لعشرات ألوف المواطنين للتمتع بماء نهرها وجلسات الأنس في الاستراحات والمطاعم على ضفتيه، لتشكل نشاطاّ سياحياّ متكاملاّ قل نظيره في المنطقة.

وإلى جانب هذا النشاط والحيوية السياحية، قبل بدء العدوان الإسرائيلي، تعتمد بلدة الوزاني على القطاع الزراعي، ويشكل سهلها الخصب موطناّ لزراعة البطيخ والعنب والدراق والخوخ.

يؤكد رئيس بلدية الوزاني أحمد ذياب المحمد أن غالبية الأهالي المقيمين في البلدة، ويناهز عددهم 500 شخص، يعملون في مجال الزراعة وتربية المواشي، وهم يفضلون البقاء في بيوتهم على النزوح والتشتت، رغم كل المخاطر المترتبة عن صمودهم.

ويضيف لـ”المدن”، إن بلدتنا قدمت شهيدين، هما أمجد المحمد وربيع الأحمد، اللذين استشهدا برصاص جيش الاحتلال، عندما كان يرعيان الماشية. كما أصيب أربعة مواطنين آخرين، بينهم رئيس البلدية السابق، مؤكداّ بأن الوضع الأمني دفع بالكثير من أصحاب المواشي إلى التخفيف من ماشيتهم، جراء عدم تمكنهم من الرعي في جوار البلدة. والحال نفسه بالنسبة للمزارعين، الذين لم يتمكنوا من جني محاصيلهم من بساتينهم، إلى جانب غياب فرص العمل.

وقال المحمد إنه تم إصلاح الأعطال في خزانات الوزاني و”دفاشات” المياه، عند نبع الوزاني، التي كانت تعرضت للقصف الإسرائيلي، وتغذي عشرات القرى في المنطقة وصولاّ إلى بنت جبيل.

المصدر : حسين سعد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!