“بين حقوق المعلمين واغتيال مستقبل الطلاب”… كابوس الاقساط يتجدد مع بداية العام الدراسي
مع انتهاء فصل الصيف المليئ بالمهرجانات والحفلات، يجد المواطن اللبناني نفسه مجددًا على أعتاب عام دراسي جديد، يحمل في طياته تحديات مالية غير مسبوقة، فقد تحولت الأقساط المدرسية الباهظة في المدارس الخاصة إلى كابوس حقيقي للأهالي، الذين صُدموا بالارتفاع غير المتوقع في تكاليف التعليم.
“فوق الخيال”، هذا هو الوصف الأنسب للأقساط المدرسية هذا العام، ففي ظل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة التي تعصف بلبنان، تجاوزت تكاليف التعليم الحدود المعقولة، لتصبح عبئًا كبيرًا يثقل كاهل الأسر اللبنانية، ولم يعد الأمر مجرد رقم على ورقة؛ بل أصبح تحديًا يوميًا يواجهه الأهالي الذين يسعون جاهدين لتأمين مستقبل أبنائهم التعليمي في ظل ما نعيشه من أزمات.
العديد من العائلات تجد نفسها الآن مضطرة لإعادة النظر في خياراتها التعليمية، فبين البحث عن بدائل تعليمية أقل تكلفة، أو اتخاذ قرارات مؤلمة مثل تقليص النفقات في جوانب أخرى من الحياة، وحتى التفكير في مغادرة البلاد بحثًا عن فرص تعليمية أفضل وأكثر معقولية من حيث التكلفة، يجد الأهالي أنفسهم في وضع لا يُحسدون عليه.
في حديث لـ “vdlnews”، سلط نقيب المعلمين في المدارس الخاصة، نعمة محفوض، الضوء على مجموعة من القضايا الأساسية التي تواجه قطاع التعليم الخاص في لبنان.
وأوضح محفوض أن “هناك مدارس تعتمد على أقساط معقولة، وذلك نتيجة سياسات واعية تتبناها إداراتها بالتعاون مع المعلمين:.
وشدد على أن “النقابة اجتمعت مع المعلمين وقررت منحهم في السنة القادمة راتبًا متوسطًا يتراوح بين 60 إلى 65 بالمئة من راتبهم السابق بالدولار، وقد استجابت بعض المدارس لهذا القرار، حيث اجتمعت مع المعلمين واتفقت معهم على نسبة مئوية محددة بالدولار، وقد تم احتساب الرواتب وفقًا لذلك، مع إضافة 35 بالمئة من حصة المدرسة، بعد ذلك، تم تقسيم المجموع على عدد الطلاب للوصول إلى القسط المدرسي وإبلاغ الأهالي به”.
واعتبر أن “هذا النهج يرضي جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المعلمين والإدارة والأهالي”.
وأشار محفوض إلى أن “بعض المدارس تفرض أقساطًا تصل إلى 3 آلاف دولار دون أي تنسيق مسبق مع المعلمين أو معرفة قيمة الرواتب التي ستُمنح لهم، مشددًا على أنه من “ضرورة تدخل لجان الأهالي في مثل هذه الحالات لضمان حقوق الجميع. وأضاف أن توازن قسط المدرسة مع رواتب المعلمين هو مفتاح لتحقيق توافق وراحة بين الطرفين، مما يساهم في استقرار العملية التعليمية”.
وعند سؤاله عن احتمالية لجوء الأهالي إلى المدارس الحكومية بسبب ارتفاع الأقساط في المدارس الخاصة، أكد محفوض أن “على الحاجة الملحة لوجود مدارس رسمية تقدم تعليمًا جيدًا”.
ورأى أن “وجود مثل هذه المدارس سيساهم في خفض قيمة الأقساط في المدارس الخاصة بشكل تلقائي، حيث أن غياب التعليم الرسمي الجيد يسمح لأصحاب المدارس الخاصة بفرض أقساط مرتفعة بشكل غير معقول”.
ولفت إلى أن “بعض الأهالي يضطرون لبيع ممتلكاتهم لتوفير تعليم جيد لأبنائهم، مشيرًا إلى أنه شخصيًا يعمل على تأمين واسطة لإدخال تلميذ إلى مدرسة خاصة نظرًا لعدم توفر التعليم الرسمي بمستوى جيد”.
وتابع، “المعلمين قد يلجؤون إلى الإضراب في حال عدم حصولهم على حقوقهم كاملة، مما يضعف العملية التعليمية”.
وقال في حديث لموقعنا: “هناك أهمية كبيرة لدور دور لجان الأهالي في التدخل لحماية حقوق المعلمين وضمان حصولهم على رواتب عادلة، الأمر الذي يعزز من استقرار القطاع التعليمي ككل”.
وفيما يتعلق بالمساعدات التي تصل إلى المدارس الخاصة، اعتبر محفوض أن “هذه المساعدات توقفت بعد السنة الأولى من الأزمة، مما زاد من الأعباء على المدارس والمعلمين على حد سواء، وغياب الرقابة من الدولة ووزارة التربية، بالإضافة إلى ضعف دور لجان الأهالي، ساهم في عدم محاسبة إدارات المدارس على كيفية استخدام تلك الأموال، مما سمح لأصحاب المدارس بالتصرف دون أي محاسبة”.
وأردف: ” يجب إعادة هيكلة التعليم في لبنان، سواء في القطاع الخاص أو العام، لضمان حصول جميع الطلاب على تعليم جيد ومستدام، وذلك من خلال تعزيز الرقابة وإعادة النظر في السياسات التعليمية المتبعة”.
وأعرب منسق لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، قحطان ماضي، في حديث ل “vdlnews” عن قلقه العميق إزاء الزيادة الكبيرة في الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة في لبنان”
وأكد أن “هذه الزيادات غير شرعية وغير قانونية، مشيرًا إلى وجود قانون رقم 515 الذي ينظم الأقساط المدرسية ويلزم لجان الأهل وإدارات المدارس برعايته ومراقبته، مع حق وزارة التربية في التدخل لحماية مصلحة التعليم الخاص”.
وأشار إلى أن “القانون ينص على أن يتم دفع الأقساط المدرسية بالليرة اللبنانية فقط، وليس بالدولار الأمريكي. ويصف “صندوق المساعدة” الذي يفرض على الأهالي بالدولار بأنه غير قانوني، حيث لا تمر عملياته عبر لجان الأهل ولا يمكن مراقبته، مما يثير الشكوك حول شرعيته”.
واعتبر أن “هناك أزمة في حل النزاعات التربوية بين إدارات المدارس والأهالي في ظل غياب مجلس تربوي فعال، مشددًا على أن القضاء العجلي غير قادر على إنصاف الأهالي في هذه القضايا”.
وفي هذا السياق، أوضح ماضي أن “اتحاد لجان الأهل تقدم بمقترح لتعديل قانون 515 ليشمل “صندوق الدعم” و”صندوق المساعدات بالدولار” ضمن الميزانية الرسمية للمدارس، مما يتيح للأهالي الاطلاع على هذه الميزانيات وتحديد الأقساط المدرسية بشكل عادل”.
ورأى انه يجب “تحديد القسط المدرسي يجب أن يتم فقط بعد معرفة عدد الطلاب المسجلين في المدرسة، مما يعكس الحاجة إلى تنظيم أكبر وشفافية في تحديد هذه الأقساط”.
وأضاف ماضي في حديث لموقعنا أن “الزيادة في الأقساط لا تعود بالنفع على الأساتذة، مشيرًا إلى أن هذا الوضع يؤدي إلى تهجير جديد للأهالي والطلاب من المدارس الخاصة إلى المدارس الرسمية، التي تواجه ضغوطًا كبيرة نتيجة الأعداد الهائلة من الطلاب الذين تركوا المدارس الخاصة بسبب الأقساط الباهظة”.
وأعرب ماضي عن أسفه لأن لجان الأهل، التي كان يفترض أن تكون صوت الأهالي والمدافعة عن حقوقهم، قد أصبحت في كثير من الأحيان تحت سيطرة إدارات المدارس، مما أدى إلى توقيعها على القرارات دون دراسة كافية للواقع والتداعيات”.
وقال: “لضرورة أن تتخذ لجان الأهل دورها الحقيقي في مواجهة هذا الوضع المأساوي، والعمل على تحقيق تقدم ملموس في معالجة الأزمة التعليمية في لبنان”.
وعبّر عن قلقه العميق إزاء الفساد المستشري في بعض المدارس الخاصة، خاصة فيما يتعلق بالمساعدات المالية التي تصل إليها. وأوضح أنه رغم وجود نصوص قانونية تفرض مراقبة هذه المساعدات، فإن الواقع يشير إلى عدم القدرة على تنفيذ هذه الرقابة بالشكل المطلوب، مما يفتح الباب أمام التلاعب والهدر.
وشدد على أن “النقابة قدمت عدة شكاوى بخصوص هذا الأمر، ولكن للأسف، لا تصل الشكاوى في أغلب الأحيان إلى نتائج ملموسة. وبيّن أن الفساد في بعض المدارس بلغ حداً خطيراً، حيث يتم تخصيص رواتب لأشخاص يشغلون وظائف غير ضرورية أو ليس لها أي علاقة بالمنهاج الدراسي”
ولفت إلى ان ” هذه المناصب تندرج تحت مسميات مثل “منسق” أو وظائف أخرى لا تضيف قيمة حقيقية للعملية التعليمية، ويتم إدراجها ضمن هيئة التدريس بهدف منحهم امتيازات إضافية مثل الرواتب العائلية وزيادات الدرجات، وهو ما يزيد من الأعباء المالية على ميزانية المدرسة دون أي مبرر”.
وأشار إلى أن “هذا التلاعب لا يضر فقط بحقوق المعلمين الحقيقيين الذين يعملون بجد لتأمين تعليم جيد للطلاب، بل ينعكس سلبًا على جودة التعليم ككل. فالمدارس التي تتبنى مثل هذه الممارسات تفتقر إلى الشفافية والمصداقية، مما يؤدي إلى تدهور مستوى الثقة بين الأهالي وإدارات المدارس.
ختاماً، إن هذه الأزمة تلقي بظلالها على كل جانب من جوانب الحياة اليومية في لبنان، وتجعل من الحفاظ على مستوى تعليمي جيد تحديًا حقيقيًا أمام الكثيرين، وفي غياب أي حلول فورية من الدولة أو المؤسسات التعليمية، يبقى السؤال: إلى متى سيستطيع المواطن اللبناني تحمل هذه الأعباء المتزايدة، وما هو المستقبل الذي ينتظر الأجيال القادمة في ظل هذه التحديات؟