اليونيفيل الفرنسيون يبحثون عن “تطمينات وضمانات”

 

صدى وادي التيم – أخبار اليونيفيل /

جدّد المبعوث الأميركي عاموس هوكشتين تحرّكه خلال الساعات الماضية، وأجرى اتصالات شملت القنوات الرسمية وغير الرسمية المعتادة، وذلك بعد انقطاع دام منذ تنفيذ العدو الإسرائيلي غارةً استهدفت الضاحية الجنوبية لبيروت وأدت لاستشهاد القيادي البارز في “حزب الله” الحاج فؤاد شكر المعروف بالسيد محسن. وفُهم أن هوكشتين يسعى إلى توفير “ضمانات وتحذيرات” في الوقت عينه. فهو يريد نيل ضمانات بأن لا تؤدي الضربات المحتملة من جانب محور المقاومة إلى “توسيع الحرب”، وفي المقابل يعبّر عن “حذر الإدارة الأميركية” من حصول ضربات تتجاوز ما أسماها “الخطوط” ما يشكل دافعاً لرئيس حكومة العدو في توسيع الحرب، وهو يحذر من ذلك، رغم أن بنيامين نتنياهو سبق له أن تجاوز سلفاً الخطوط تلك بضوء أخضر من الإدارة الأميركية، في وقتٍ كان هوكشتين حينذاك يروج لأفكار “تطمينية” بأن الضربات الاسرائيلية ستكون “مضبوطة”، لنكتشف بعد حين أنها حصلت في عمق بيروت، فيما لاذ هوكشتين يومها بالفرار من الساحة، وقد تكفل “معاونوه” من بعض اللبنانيين بتبرير أن الوسيط الأميركي لم يقم بمنح ضمانات لأحد!

على أي حال وتبعاً للمعلومات، فإن أحداً ليس في وارد الإجابة عن أسئلة هوكشتين أو يمنحه ما يريده، لسبب بسيط، أن الجهة المخوّلة المنح هي “حزب الله”، فيما الحزب أقفل خطوطه منذ حصول استهداف الضاحية وأخرج موضوع الرد من أي نقاش.

تجديد هوكشتين لاتصالاته يتزامن وحركة أمنية وسياسية أميركية لافتة في المنطقة. فقائد القيادة الوسطى الأميركية الجنراك مايكل كوريلا، يزور تل أبيب للمرة الثانية في غضون أسبوع تقريباً ويجري لقاءات يغلب عليها الطابع العسكري، أي منذ دخول التهديدات الإيرانية وتهديدات “حزب الله” بالرد على هجومي طهران والضاحية الجنوبية، كما أن اتصالات هوكشتين تتزامن واتصالات أخرى تجري على المستوى الإقليمي ومع الجانب الإيراني في محاولة أخيرة لـ”ضبط ردود الفعل”.

وفي المجال نفسه لا يمكن فصل تحريك القطع الأميركية في البحر. ونُقل عن مراجع رسمية في بيروت، قولها –بناءً على اتصالات أجرتها- أن تلك القطع –كما جرى إبلاغها- “مهمتها دفاعية وليس هجومية”، وإن جانباً من هذه القطع يرتبط في “تأمين عمليات إجلاء محتملة لدبلوماسيين أو رعايا أميركيين من الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط”، أي أن المقصود عمليات إجلاء في كل من لبنان و”إسرائيل”.

مع الدخول الأميركي لوحظ انكفاء واضح في مستوى الدخول الغربي الأوروبي تحديداً على الساحة اللبنانية. فالجانب الفرنسي وبعد تسريب معلومات حول احتمال قيام وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال الفرنسية ستيفان سيغورنيه في زيارة إلى بيروت (قيل أيضاً أن الرئيس إيمانول ماكرون يفكر في زيارة بيروت)، عملت مصادر مقابلة على نفي الفكرة مع إشاعة أنها كانت قيد البحث، في حين أن أوساطاً أكدت أن الأجواء في بيروت كانت توحي بزيارة يقوم بها الوزير الفرنسي، وقد جرى وضع بعض المقرات في صورتها، مع الإشارة إلى أن الزيارة بدت غير مفهومة من حيث توقيتها ونظراً للوضع الراهن. فالولايات المتحدة دخلت في شكل مباشر في مجال الإتصالات وأوحت بنيتها القيام بإجراءات.

وبدا واضحاً من خلال زيارة الوفد البريطاني إلى بيروت قبل حوالي أسبوع (ضم وزيرا الخارجية والدفاع)، أن واشنطن تنسّق إجراءاتها مع لندن وليس مع باريس، بدليل ما طرحه الوفد وغلب عليه الطابع الأمني العسكري. ومع تسعير الخطاب الإسرائيلي ضد لبنان وتهديد هذا البلد بأن أي ردود فعل تأتي من جانب الحزب، سوف تتحمل مسؤوليتها الحكومة اللبنانية وسوف تطال كل لبنان، بات من المنطقي تصنيف الزيارة الفرنسية تلك على أنها تأتي بمثابة دعم للبنان في مواجهة التهديدات الإسرائيلية. فهل تحتمل باريس هذا التصنيف في هذا التوقيت؟

عملياً، تبدو باريس حريصة على الوضع في لبنان بدليل حركة دبلوماسيتها في بيروت، حيث أبقت خطوطها مفتوحة مع كل الأطراف بما في ذلك “حزب الله”. وعُلم أن باريس تبدي حرصاً شديداً على وضع قوات “اليونيفيل” العاملة في الجنوب بشكل عام والكتيبة الفرنسية من ضمنها بشكلٍ خاص. وكان استفهام فرنسي واضح حول مدى استعداد الدولة والمقاومة لتوفير الأمن لمصلحة تلك القوات وتجنيبها أي استهدافات في حال تطوّر الوضع. وفُهم أن ما طلب من الفرنسيين كان التزام تلك القوات مراكزها وقواعدها في حال توسّع الحرب، وإن من يجب أن يؤمن ضمانات لمصلحة هذه القوات هو الإحتلال الإسرائيلي وليس الحكومة اللبنانية، مما يعني أن لا أحد مسؤول عن تلك القوات في حال قرّرت تجاوز البروتوكول المعمول به.

وفي هذا الإطار علم أن القوات الدولية فعّلت “الإجراءات الإحترازية” من ضمن الخانة الرابعة، بما في ذلك إبلاغ الموظفين بخطورة الوضع الراهن واحتمال إجلائهم في حال تطوّر القتال إلى حرب واسعة. وقد وضعت القوات الدولية نفسها في حالة تأهب، وطلبت من موظفيها اللبنانيين تأمين مساكن آمنة لعائلاتهم في جوار المناطق التي يعملون فيها، والبقاء على اتصال دائم وإبلاغ المسؤولين عنهم بأي تحرّك لهم خارج نطاق أو حدود عملهم. لكن هذه الإجراءات لم تشمل دوريات القوات الدولية شمال الليطاني التي بقيت على الوتيرة نفسها في الوقت الحالي بالتنسيق مع الجيش اللبناني. لكن وضعت القوات في صورة تطبيق إجراء إحترازي إستثنائي سبق وتمّ التدريب عليه، ويرتبط بالإحتماء داخل القواعد العسكرية واتخاذ إجراءات حماية وعدم الخروج منها في حال توسّع الحرب إلاّ بالتنسيق مع الأطراف المتحاربة لضمان حرية تنقل العناصر أو إجلائهم إن اقتضت الضرورة.

وفي السياق نفسه بدا لافتاً قيام إحدى وحدات “اليونيفيل” (يرجح أنها الكتيبة الفرنسية) بإدخال أجهزة إتصالات وهواتف نقالة بكمية معينة عبر مطار بيروت الدولي خلال الأسابيع الماضية. وفهم أن هذه الأجهزة تدخل بشكل اعتيادي عبر التنسيق مع أحد الأجهزة الأمنية الذي يوضع في صورة ما يتم إدخاله لكن من دون تفتيشه أو فحصه. وتتذرع القوات الدولية بأن الملحقات المتصلة بالقرار 1701 تمنحها حصانة. وفهم أن هذه الأجهزة قد تكون بديلة عن الشبكة العادية ويمكن استخدامها في حالات الطوارئ في ظل احتمال استهداف شبكة الإتصالات اللبنانية أو القيام باتصالات آمنة.

هذا النشاط المستجد للقوات الدولية لا يمكن عزله عن نشاط العديد من الوحدات الذي بدأ يأخذ شكلاً متدرجاً أخيراً. فثمة أدوار “غير مفهومة أمنياً” تتولى القيام بها الكتيبة الإسبانية المسؤولة عن العمليات ضمن القطاع الشرقي من جنوب لبنان، فيما لا يمكن عزل الوحدة الألمانية العاملة من ضمن القوة البحرية في اليونيفيل عن الأدوار المشار إليها، خاصة في ظل تقارير كشفت عن توليها جانباً من عمليات الرصد لمسيرات حلّقت قبالة حقل “كاريش” الغازي وتوفيرها معلومات للإحتلال الإسرائيلي ساهمت في إسقاطها.

“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!