اللاجئون في لبنان: عبءٌ وتقاعسٌ وأرقامٌ تقريبيّة!
صدى وادي التيم – لبنانيات /
أصبح 1.5 في المئة من سكّان العالم في عداد النّازحين قسراً، أي 1 من بين كلّ 69 شخصاً، ويقارب ذلك ضعف ما كان عليه عدد النازحين قسراً قبل عقد من الزمن، أي واحد من كلّ 125 شخصًا، وفق المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين.
تخيّلوا ماذا يحصل في لبنان الذي يضمّ أكبر عدد لاجئين من مختلف الجنسيّات نسبةً لعدد سكّانه وحجمه وموارده، حيث أصبح الوضع عبئاً غير مسبوق على كلّ المستويات.
هل من أرقام تقريبيّة عن عدد اللاجئين في لبنان؟
تُجيب جمعيّة “رواد الحقوق”، في حديثٍ لموقع “الأفضل نيوز”، قائلةً: “ليس هناك إحصاء لعدد اللاجئين في لبنان، خصوصاً أنّ ما من جهةٍ مركزيّة مُمسكة بهذا الموضوع، بل ثمّة جهات عدّة معنيّة به اليوم وكلّ منها يملك بعض المُعطيات والأرقام. أمّا الأرقام التقديريّة المُتداولة فتقدّر العدد بزهاء 1.5 مليون لاجئ سوري، 400 ألف لاجئ فلسطيني، حوالي 30 ألف من جنسيّات متعدّدة أخرى عراقيّة وسودانيّة وصوماليّة وغيرها… بين لاجئين مقبولين وطالبي لجوء وملفّات مُغلقة؛ أي أنّ العدد التقريبي هو 2 مليون لاجئ تقريباً”.
كلّ هذه الأرقام وناقوس الخطر الذي دقّته جمعيّات عدّة، ولا يزال صنّاع القرار في بلدنا يتقاعسون عن وضع سياسة للجوء. أمّا السّبب، فيعود إلى أنّ “لبنان بلدٌ مفتوح وحدوده مفتوحة، وبالتالي هناك تخوّف من وضع إطارٍ قانوني يُشجّع على اللجوء إلى لبنان، خصوصاً في ظلّ عدم وجود إمكان لإدارة هذا اللجوء مع فتح الحدود وغياب القدرة الماديّة والبشريّة والبنيويّة لوضع إطارٍ تنفيذي لمثل هذا الإطار القانوني، بما فيه تدريب الموظّفين على قانون اللجوء الدولي والإطار المحلي للجوء”، كما تؤكّد جمعيّة “رواد الحقوق”.
وتُضيف عبر موقعنا: “لبنان كان معروفاً كبلد الحريات والانفتاح في المنطقة تاريخيًّا، حيث يُعرَف أنّه كان يستقبل المُضطهدين في المنطقة استقبالاً مؤقّتاً، لكن كان معظم هؤلاء من السياسيّين والأدباء والمفكّرين المُعارضين للأنظمة في بلدانهم. لذلك في قانون 1962 الخاص بالدخول إلى لبنان والإقامة فيه والخروج منه، أخذ المشرّع بالاعتبار نوعاً واحداً من اللجوء هو اللجوء السياسي، وإن كان بشكلٍ ضيّق جداً وغير مفعّل، لكن يبيّن أنه كان هناك توجّه سياسي معيّن بهذا الشأن خصوصاً أنّ لبنان كان يُسمّى في تلك الفترة ملجأ المضطهدين السياسيين”.
والسّبب الآخر يرجع، برأي الجمعيّة، إلى “التخوّف من وجوب تطبيق الحلول الدوليّة في حال وضع سياسة، ومنها الاندماج المحلي أي منح اللاجئ الجنسيّة اللبنانيّة في نهاية المطاف، وهذا أمرٌ حسّاس خصوصاً مع العوامل الديمغرافيّة والاجتماعيّة التي يتخوّف منها صنّاع القرار في لبنان بشأن إعطاء الجنسيّة اللبنانيّة”.
وتُتابع جمعيّة “رواد الحقوق”: “كما أنه في التاريخ الحديث، اكتسب النزوح شكل نزوحٍ كثيف جماعيّ وليس فرديًّا مع عودة شبه مستحيلة إلى البلد الأمّ في الكثير من الأحيان، فصار العبء أكبر على البلد المُضيف أي على لبنان. مع العلم أنّ حجم لبنان وإمكاناته لا تسمح بقبول عددٍ كبير من اللاجئين، علماً أنّ دولاً كبرى تضع حدًّا أقصى لعدد اللاجئين الذين يمكن استقبالهم”.
والسّبب الأهمّ هو الأزمة المستمرّة في لبنان، إذ تلفت الجمعيّة إلى أنّ “هذه الأزمة التي تضرب البلد على مختلف المستويات لا تُسهّل وضع سياساتٍ من هذا النوع، والصّراعات السياسيّة الداخليّة بين أقطابٍ منها مَن يُريد لاجئين مَن بلدٍ معيّن ومنها مَن يرفضهم، تؤدّي إلى جعل وضع سياسةٍ متّفقٍ عليها أمراً صعباً، وإلى تفضيل عدم وضع سياسة حتّى لا تكون سبباً لانشقاقاتٍ ونزاعاتٍ إضافيّة.
علاوة على كلّ هذا، يبقى أنّ لبنان غير مستعدّ لتحمّل الاحتياجات الاقتصاديّة والاجتماعيّة للاجئ التي قد تُلزمه بها أيّ سياسة كاملة للجوء، خصوصاً في ظلّ العجز عن تغطية حاجات اللبناني الأساسيّة. لكن هذا كلّه لا يشكّل عذراً لعدم وضع سياسة واقعيّة عمليّة، خصوصاً أنّ الأمر الواقع هو أنّ هناك لاجئين في لبنان. ويجب على الأقلّ أن تكون هناك خطّة عمل واضحة وحلول عمليّة وإن كان لإدارة أزمة لجوء معيّنة، من دون أن يتضمّن ذلك بالضّرورة حقوقاً كاملة للاجئ. ويجب أيضاً تضمين هذه السياسة سياسة للتعاطي مع المجتمع الدولي، من حيث وضع ضغط على الدول الأخرى لاستقبال عددٍ أكبر من اللاجئين من لبنان، بمعنى استخدام القانون الدولي في المُفاوضات وإن لم يكن لبنان طرفاً في اتفاقيّة 1951″.
تبعاً لهذا الواقع، ترى الجمعيّة أنّه “ارتباطاً بموضوع وضع سياسة للجوء، يجب أن يكون هناك على الأقل خطة عمل واضحة لإدارة اللجوء.
منها مثلاً وضع حلول عملية بالتعاون مع مفوضيّة الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، أقلّه لتحديد من هو لاجئ من عدمه ومن لديه سبب وجيه يمنعه من العودة إلى بلده. وذلك عن طريق خطة عمل وطنيّة مركزيّة وإدارة الملفّ من قِبل الدولة بدلاً من تركه ممسوكاً من قبل جهات عدّة كل واحدة تعمل بوسيلة. الدولة يجب أن تضع الإطار الشامل لحقوق وواجبات اللاجئ، من حيث أماكن السكن وتنظيم العمل للحدّ من منافسة اليد العاملة اللبنانيّة وتكييف تنظيم العمل لحاجات السوق من اليد العاملة، وتنظيم دفع الضّرائب ووجوب تسجيل اللاجئ في الضمان الاجتماعي”.
هل تُساهم مُساعدات المجتمع الدولي للاجئين في إبقائهم في لبنان؟
تُجيب الجمعيّة: “لا يمكن القول إنّ المساعدات هي التي تُساهم في إبقاء اللاجئين”، مشدّدةً على أنّ “تعاطي الدولة اللبنانية هو الذي يُساهم في ذلك من خلال عدم الرقابة على المساعدات وصرفها ومن خلال عدم وضع برامج تنمويّة. لكن عمليًّا، يبدو أنّ المُساعدات تؤثّر، خصوصاً في ظلّ غياب سياسة واضحة تتعلّق بالحقوق والواجبات بما فيها الحقّ بالعمل وموجب دفع الضرائب. لكن لبنان لا يتمكّن من تحمّل العبء الاقتصادي للجوء فيضطرّ للاعتماد على المُساعدات. غير أنّ هذه المساعدات على ما يبدو ليست كافية لتأمين العيش الكريم لجميع اللاجئين وبالتالي الحؤول دون اضطرار كثيرين لدفع أطفالهم للتسوّل أو للعيش في ظروفٍ غير صحيّة في خيمٍ غير مجهّزةٍ لمواجهة البرد والثلوج أو موجات الحرّ”.
كريستال النوّار – خاصّ الأفضل نيوز