لبنان في “عنق البركان”: الحرب الكبرى كأنها غدًا وقد لا تقع أبدًا

صدى وادي التيم – أمن وقضاء /

جاء في “الراي الكويتية”:

كأنها ستقع غداً و… قد لا تقع أبدا. فالحربُ الواسعة على جبهة جنوب لبنان بدا أنها انطلقتْ مع «كواتم للصوت» حتى الساعة، من دون أن يَسْقطَ من الحساب إمكان أن تكون «طبولُها» التي ارتفع صوتُها لأعلى مستوى منذ 260 يوماً هي في سياق إكمال عناصر «تَوازن رعبٍ»، في الدائرة الصغرى المعنية مباشرة بـ «المعركة»، أي إسرائيل و”حزب الله»، كما في الحلقة الأوسع إقليمياً ودولياً، وذلك بهدف تَفادي«صِدام مروّع» لا يريده أحد ولكن يمكن أن يجد الجميعُ أنفسهم في«فوهته» بخطأ جسيم أو… قرارٍ كبير.

فللمرة الأولى منذ فتْح «حزب الله» جبهة الجنوب في 8 أكتوبر يسود مناخٌ «حربيّ» بهذا المستوى من الخطورة، ليس في الميدان المتفجّر والمتحفّز لكل الاحتمالات والسيناريوهات، ولكن على الصعيد الديبلوماسي والسياسي حيث لاحتْ مؤشراتٌ مقلقةٌ إلى أن نافذة المَخارج السلمية تقترب من أن تُقفَل وأن «الرياحَ الحارقة» باتت قاب قوسيْن، وربما يكون هبوبُها ما أن يبدأ إخماد «محرقة» غزة بإعلان تل أبيب هزيمة «كتائب القسام» بعد انتهاء معركة رفح، ومن دون أن يكون ممكناً الجزمُ هل صارت الحربُ واقعةً «مع وقْف التنفيذ» حتى الآن أم أن وَقْعها «السبّاق» المدمّر مازال كفيلاً بكبْح إسرائيل عن الضغط على الزناد.

وبين دعوة الكويت المواطنين للعدول عن التوجّه إلى لبنان في الوقت الحالي نظراً للتطورات الأمنية المتعاقبة التي تمرّ بها المنطقة مطالبة الموجودين منهم فيه حالياً «دون حاجة مُلحة بضرورة المغادرة بأسرع وقت»، وحضّ كندا رعاياها على المغادرة بالرحلات التجارية التي لاتزال متاحة، وبين تَعالي التحذيرات الدولية من تحوّل لبنان غزة ثانية وشِبه الاستنفارِ الديبلوماسي عبر «الخط الساخن» مع بيروت وعواصم أخرى، ارتسمتْ مشهديةٌ مُخيفةٌ غير مسبوقة فاقمتْها إشاعاتٌ عن سحب سفراء أوروبيين من«بلاد الأرز» سواء ربْطاً بأن العدّ التنازلي للمواجهة الكبرى بدأ أو بالتهديد الذي وجّهه الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله لقبرص بجعْلها جزءاً من المعركة بحال سمحت لإسرائيل باستخدام مطارات وقواعد فيها في أي حربٍ شاملة.

وترافق ذلك مع بلبلةٍ حيال طلب كندا مغادرة مواطنيها وبدئها عملية إجلاء لهم، وهو ما أطلقه تقرير في صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن اتصال جرى بين وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس ونظيرته الكندية ميلاني جولي كشفت خلاله أن بلادها «سترسلُ قوات عسكرية إلى لبنان لإجلاء 45 ألف مواطن كندي وهي أكبر عملية إنقاذ على الإطلاق تشهدها البلاد»، وأنه تم إرسال «بالفعل قوات عسكرية إلى المنطقة للمساعدة في هذه العملية»، خصوصاً في حال اندلاع حربٍ بين «حزب الله» وإسرائيل.

وفي حين كانت وسائل إعلام لبنانية تنقل عن مصادر السفارة الكندية نفيها خبر إجلاء مواطنيها وأن الدعوة لمغادرة لبنان قائمة منذ 7 أكتوبر ومنشورة على موقعها من ذاك التاريخ، برز أن دائرة «الهجرة واللاجئين والمواطنة الكندية» (IRCC) أوعزتْ أمس عبر صفحتها على منصة «أكس» بوجوب أن يغادر الكنديون لبنان بالرحلات التجارية التي لاتزال متاحة «في ظل الواقع المضطرب وغير القابل للتنبؤ» والاستحصال على الوثائق الخاصة بالسفر من السفارة في بيروت ما دام ذلك متاحاً، وموضحة أنه بحال تَزايُد التوتر من الممكن ألّا تتمكن السفارة من تأمين الخدمات القنصلية للمواطنين الكنديين.

«قمرة القيادة»

في موازاة ذلك، وعلى وقع الغياب المدوّي للبنان الرسمي – الذي جرى التسليم بأن لا مكان له في «قمرة القيادة» في كل ما يتعلق بقرارات الحرب والسلم – عن مواكبة «الأجواء الحربية» ولو بإجراءات احترازية أو خطط طوارئ تُلاقي ما يتكرر في الكواليس عن تلقيه تحذيرات جدية من أن الاصطدام الكبير ربما لا يكون هناك مفرّ منه ما لم يوقف «حزب الله» الجبهة قبل فوات الأوان، انبرى وزير الإعلام زياد المكاري لنفي مَزاعم«لا أساس لها عن أن دولاً أوروبية وغربية منها ألمانيا والنمسا وبلجيكا وهولندا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا تسحب سفراءها من لبنان»، معتبراً «أن هذا النمط من الأخبار الكاذبة يندرج في إطار الحرب النفسية التي غالباً ما يلجأ اليها العدو الإسرائيلي ويغذّيها بمختلف الوسائل».

وما عزّز الخشيةَ من أن «الصفيح الساخن» في جنوب لبنان قد يتحوّل «زلزالاً» بارتداداتٍ واسعة النطاق، مجموعة مواقف أبرزها:

– ما نقلتْه هيئة البث الإسرائيلية عن أن الحكومة تستعدّ للإعلان قريباً عن هزيمة «حماس» وأن هذا «يأتي وسط احتمالات توسيع المواجهة العسكرية مع حزب الله في جنوب لبنان».

– ما نقلتْه شبكة «سي ان ان» عن تأكيداتٍ تلقّتها إسرائيل بأن الولايات المتحدة «مستعدة لتقديم الدعم الكامل في حال اندلاع حرب شاملة مع حزب الله»، وأن إدارة الرئيس جو بايدن ستقدّم لإسرائيل المساعدة الأمنية التي تحتاجها.

– وترافق ذلك مع إبلاغ مصادر أميركية إلى «سكاي نيوز عربية» أن حاملة الطائرات «يو إس إس دوايت دي أيزنهاور» في طريقها إلى شرق المتوسط «في مهمة تقضي بدعم أي عمليات عسكرية قد تفرضها التطورات بين لبنان وإسرائيل»، فيما أعلن البنتاغون أن «أيزنهاور» غادرت البحر الأحمر وتتجه إلى المتوسط.

– تحذير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من «أن شعوب العالم لا تتحمّل أن يصبح لبنان غزة أخرى»، مندّداً بما وصفه بـ«الخطاب العدائي» لإسرائيل و«حزب الله» الذي يثير مخاوف من كارثة لا يمكن تصوّرها، ومعرباً عن «قلق بالغ إزاء تصاعد التوتر بين إسرائيل وحزب الله»، ومضيفاً أن قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة «تعمل على تهدئة الوضع ومنع التقديرات الخاطئة».

– اتصال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون برئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ليعرب بحسب البيان البريطاني، عن «قلقه في شأن تصعيد التوترات مع إسرائيل وزيادة احتمالات الخطأ بالحساب»، مؤكداً «بوضوح أن اتساع رقعة الصراع ليس في مصلحة أحد»، ومشدداً على أن «بريطانيا تريد أن تشهد حلاً سلمياً عن طريق التفاوض على تسوية».

وجاء هذا البيان بمثابة «ردّ ناعم» على ما أوردته رئاسة الحكومة اللبنانية عن أن كاميرون «أبدى استعداد بلاده للقيام بأي اتصالات ومساع لتخفيف حدة التوتر جنوب لبنان وتثبيت الهدوء والامن والاستقرار».

– تأكيد بعثة إيران لدى الأمم المتحدة أن «حزب الله» لديه القدرة على الدفاع عن نفسه ولبنان في مواجهة إسرائيل، معتبرة «أن أي قرار غير حكيم يتخذه النظام الإسرائيلي المحتل لإنقاذ نفسه يمكن أن يغرق المنطقة في حرب جديدة، ستكون نتيجتها تدمير البنية التحتية في لبنان وكذلك تلك الموجودة في الأراضي المحتلة عام 1948».

وأضافت: «لا شك في أن هذه الحرب سيكون فيها خاسر وحيد هو النظام الصهيوني، وان حركة المقاومة اللبنانية،(حزب الله)، لديها القدرة على الدفاع عن نفسها وعن لبنان، وربما حان الوقت لإبادة هذا النظام غير الشرعي».

وعلى وقع هذا الصخب الديبلوماسي، اعتبرتْ أوساطٌ مطلعة أنه رغم «أن الحرب أوّلها كلام»، فإنّ رفع السقوف في الساعات الماضية ربما يكون في سياق آخِر محاولاتِ ردع الحرب الكبرى، خصوصاً عبر تلويح واشنطن بأنه رغم التوترات مع نتنياهو فإن دَعْمه في أي حرب مع «حزب الله» محسوم، وفي ذلك إشارة برسم الحزب ومن خلفه طهران لعدم إساءة التقدير، وفي الوقت نفسه دعوة لالتقاط مبادرة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين التي مازالت على الطاولة وستضع الحزب خصوصاً أمام الاختبار الأخير ما أن تعلن إسرائيل هزيمة «حماس»، فإما تقديمُ شيء ما لتهدئة «الثور الهائج» (نتنياهو) وإطلاق مسار الحل الديبلوماسي المُمَرْحَل لجبهة الجنوب وإما تحمُّل نتائج «الحل بالقوة».

وتوقفت هذه الأوساط في هذا الإطار عند كلام الناطق باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميللر وتأكيده أنّ إدارته أوضحت للحكومة الإسرائيلية أنّها لا ترغب في تصعيد على جبهة الشمال، وأنّ الحلّ الديبلوماسي هو ما تفضّله إسرائيل أيضاً.

وفي السياق نفسه، رأت الأوساط عيْنها أن الموقف الإيراني وإيحائه بأن الحرب على لبنان و«حزب الله» توازي الضغط على زرّ «إبادة» إسرائيل، يدخل في خانة ترسيم توازن الردع الأعلى وتوسيع رقعته وفق ما كان عبّر عنه أيضاً تهديد نصر الله لقبرص، الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي والتي تجرّعت هذا التوعّد علناً كما وفق ما عبّرت عنه لقاءات وفد من المخابرات القبرصية في بيروت (وأحدها مع المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري) حيث أكد (كما أورد تلفزيون LBCI) أن نيقوسيا «ليست ضد أي جهة ولا تقبل باستخدام أراضيها من أي جهة للاعتداء على أي دولة، والأراضي التي حصلت عليها المناورات العسكرية (التي تحدّث عنها نصر الله على أنها في إطار محاكاةٍ لحرب على لبنان) ذات سيادة بريطانية».

اغتيال قيادي

وفيما كانت الحماوة تلفّ الجبهات الديبلوماسية، استعاد الميدان جنوباً التهابه، ولا سيما مع تنفيذ إسرائيل عملية اغتيال للقيادي في «الجماعة الإسلامية» أيمن غطمة بغارة استهدفت سيارته في البقاع الغربي (عند مفرق بلدة الخيارة) وكان معه شخص آخر قضى أيضاً.

ووصف الجيش الإسرائيلي غطمة بأنه «كان مسؤولاً في مجال إمداد السلاح لحركة حماس»، وعن «الترويج لعملية إرهابية على مدى الوشيك ضد إسرائيل، ونظراً لتورطه في الترويج لأنشطة إرهابية ضد الجبهة الداخلية الإسرائيلية».

وفيما ترافق الاغتيال مع قصف لبلدات جنوبية على الحافة الأمامية، نفّذ «حزب الله» عمليات بينها ضد«مبنى يستخدمه جنود العدو في مستعمرة المنارة»، قبل أن يقصف مستوطنة المطلة حيث اندلع حريق كبير فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!