حالات الفقر الى ارتفاع… وكرامة كبار السن في شوارع بيروت
صدى وادي التيم-لبنانيات/
مصدر مسؤول عن المساعدات الماليّة في “الشؤون” لـ “الديار”: دعم استثنائي إضافي لأهالي الجنوب قريباً…وتموز موعداً للإعلان عن دمج برنامجي “امان” و “الأكثر فقراً”!
مما لا شك فيه ان الفقر هو من أقسى الظروف التي قد تواجه الإنسان، وكبارالسن هم أكثر الفئات تأثراً به، كونه يجبرهم على التسول في كثير من الأحيان، مما يؤدي إلى فقدانهم كرامتهم التي عاشوا حياتهم كلها للحفاظ عليها. ويتفاقم هذا الوضع بسبب الفساد الإداري في المؤسسات الرعائية والإدارات الرسمية المعنية، حيث تُمنح المساعدات المالية لغير الجديرين، بينما يُهمل المعوِزون الحقيقيون.
بالموازاة، كان من المفترض أن يكون برنامج “أمان” المدعوم من البنك الدولي، أداة لتحقيق العدالة الاجتماعية ، وتوفير الدعم المادي لمن هم في أمس الحاجة إليه. لكن في الواقع، تم استغلاله لتوزيع الأموال على مَن لا يستأهلون بسبب سوء جمع البيانات وتنظيمها، بينما تُركت الجماعات الأكثر ضعفاً دون سند. لذا، يعكس هذا التناقض الصارخ بين هدف البرنامج وواقع تطبيقه ، ضرورة الإصلاح الجذري في آليات توزيع الإعانات النقدية، لضمان وصولها إلى اهلها فعلا.
الاملاق ينتزع الهيبة!
وفي هذا المجال، قالت الاختصاصية الاجتماعية الدكتورة ماري شاهين لـ “الديار” ان “البؤس يمكن أن يجرد الإنسان من كرامته بطرق متعددة، لا سيما عندما يعيش الشخص اوضاعا مادية صعبة، ساعتئذ قد يتعرض للإهانة والتمييز، ويضطر الى اتخاذ قرارات صعبة للحفاظ على حياته وحياة أسرته. وهذا قد يدفعه الى القيام بأعمال مهينة مثل التسول، مما يعرضه للنظرة الدونية من المجتمع ويؤثر في احترامه لذاته”.
واكدت”ان عدم القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والسكن والتعليم والرعاية الصحية، يمكن أن يؤدي إلى شعور بالعجز والإحباط، مما يعمق من الإحساس بفقدان الرصانة. لهذا السبب، تعتبر مكافحة الحاجة وتأمين حياة كريمة للجميع أمراً أساسيا، لحماية وقار الفرد وتوطيد العدالة الاجتماعية”.
بعد الكفاح… هزيمة!
في موازاة ذلك، قامت “الديار” بجولة في شوارع بيروت، ووجدت ان الواقع المؤلم الذي يعيشه العجائز والمقعدون في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة مؤلم جدا، بحيث صادفت أشخاصاً تجاوزت أعمارهم السبعين، وهم يتربعون على الارصفة مستجدين بحثاً عن لقمة العيش. واصرت “الديار” على تسليط الضوء على هذه الظاهرة وكشف النقاب عن قصص مؤثرة لهؤلاء الأشخاص، الذين فقدوا رزانتهم نتيجة للضيق واهمال الدولة.
“الأمل المفقود” والله بـ “يعين”!
وفي الإطار، قال الحاج قاسم الحلبي بعيون يغمرها الحزن، وهو رجل في العقد الثامن من عمره، يبرُك على كرسي متحرك في شارع الحمرا لـ “الديار” : “كنت أعمل نجارا طوال حياتي، لكني الآن بلا مأوى بعد أن فقدت منزلي وراتبي. ولم أتصور يوماً أن أجد نفسي متسولاً في شوارع مدينتي، لأنني كنت رجلاً محترماً، لكن الحرمان جعلني أفقد كل شيء، حتى كرامتي”.
أما جانيت وهي في العقد السابع من عمرها، فتقعد على جانب الطريق بالقرب من جسر “الرينغ”، ترفع يدها بطلب المساعدة من المارة، وقالت لـ “الديار” بصوت مهتز: “اعاني من أمراض مزمنة ولا أستطيع العمل، اعيش وحدي بعد وفاة زوجي، وأحاول أن أعيش باعتزاز، لكن الظروف أقوى مني، ولم يعد لدي أحد يساعدني، ومرغمة على الاستجداء كي اشتري الدواء قبل الغذاء”.
“نداء للإنقاذ”… هل من مغيث؟
وفي الإطار، لا بد من الإشارة الى ان هذه القصص ليست إلا نماذج قليلة من مئات الحالات التي رصدتها “الديار” في جولتها، حيث يواجه المسنون في لبنان تحديات هائلة، في ظل غياب الدعم الكافي من قبل المؤسسات الرسمية وبرامج الرعاية الاجتماعية. كما ان برنامج “أمان” الذي كان من المفترض أن يوفر لهم الدعم، لم يصل إلى العديد منهم، بسبب الفساد وسوء التوزيع.
ولا بد من الإشارة الى ان اغلبية العجائز غير ضليعين بالتكنولوجيا، ويواجهون صعوبات في التسجيل على منصات وزارة الشؤون، من اجل الحصول على الخدمات الاجتماعية والنقدية، ولا يملك معظمهم هاتفا نقالا، وهذا يجعلهم عرضة أكثر للإغفال والشقاء.
وبناء على كل ما تقدم، بات مؤكدا ان الفقر يعرّي الإنسان من كرامته، وهذا كان جليا في شوارع بيروت، اذ ان العُجُز الذين أفنوا حياتهم في خدمة المجتمع، أصبحوا اليوم ضحايا للظروف الاقتصادية والسياسات الفاشلة. لذلك يجب على الجهات المعنية التحرك بسرعة لإنقاذ هؤلاء الأشخاص وتوفير الدعم اللازم لهم، لكي يعيشوا ما تبقى من حياتهم بكرامة واحترام.
الجنوب يحترق والمساعدات “بالقطّارة”
في سياق متصل، كشف مصدر مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية ومطّلع على البرامج والمساعدات المالية لـ “الديار” ، عن “ان الوزير هيكتور حجار أعلن عن مساعدة نقدية لشهر واحد فقط ، تستهدف 18,647 اسرة لبنانية من محافظتي الجنوب والنبطية، وقد حُوّلت المساعدات هذا الأسبوع. وقد بلغت قيمة الدفعة الاستثنائية حوال 2.5 مليون دولار، وهي بمبادرة وسعي وزير الشؤون، والتمويل من اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي WFP “.
وأردف المصدر “اما بالنسبة الى المساعدة الطارئة للجنوب، فهناك دعم جديد ونعمل على تأمين النقود”. وأشار الى “ان نحو 93,580 اسرة لبنانية مستفيدة حاليا من برنامج امان، وبعد ان تسجل على المنصة ما يقرب من 580,000 عائلة، فان هناك إمكانية لمؤازرة 150,000 فقط من الاسر الأشد عوزا”، مؤكد ان “عملية تنفيذ البرنامج مستمرة، ولكن التسجيل متوقف حاليا”.
غربلة أسماء!
وشرح المصدر “آلية التدوين على المنصة، حيث تجري هذه العملية وفقا لمعايير محددة، وعلى هذا الأساس يتم انتقاء الأكثر حاجة للاستفادة من برنامج امان. وبعد الاختيار نقوم بزيارة هذه العائلات، وتُعبّأ الاستمارة داخل منازلهم من قبل المسّاح الذي يتولى الكشف. ومن ثم تخضع الاسرة الى “جوجلة” وتقييم، بهدف إعطائها النقطة الصحيحة لتحديد مدى فقرها. وهذه المقاييس موضوعة من قبل البنك الدولي ومتبعة في كل دول العالم، وهذا يطبق على جميع الأشخاص الذين تقدموا وسجلوا على المنصة، وليس هناك استنسابية في هذه المسألة”. واشار الى”ان هذا المسار يجري بشكل ممكنن على الكومبيوتر ولا توجد تدخلات بشرية فيه،لا سيما بالنسبة الى الـ “Scoring” او النتيجة او الرقم من بعد اجراء الزيارة. لذلك كل فرد نال 22% وما دون، يصنّف على انه من الاسر الأكثر فقرا ويحق له الانتفاع”.
“امان” لـ 24 شهرا.. ماذا بعد انتهاء هذه الفترة؟ يجيب المصدر :”يسمح امان لجميع الاسر بالاستفادة لسنتين، أي ما يوازي 24 شهرا بدلا من سنة واحدة. بالتوازي يتم العمل حاليا على دمج برنامجي”امان” و “الأكثر فقرا”، حتى يصبح لدينا برنامج واحد تديره الدولة اللبنانية، التي ستتولى من خلاله منح المساعدات للأسر اللبنانية الأعظم فقرا . ولمكننة هذه العملية، هناك انجاز تقني ضخم من قبل فريق من الخبراء والمهندسين لتجميع “الداتا” في مكان واحد”.
واكد “ان هذا الامر مهم جدا لأنه يجنبنا الوقوع في الكثير من المشكلات والازدواجية، ويمنع تسجيل الناس لأكثر من مرة في البرنامج عينه بغية مضاعفة الفائدة. وبذلك يصبح للحكومة اللبنانية تفاصيل اشمل وأدق حول الاسر الأكثر فقرا ، التي تتلقى المساعدات عبر برامج “الكاش” او ما يعرف بـ “Cash Assistance”.
وكشف المصدر عن معلومات حصرية بشأن “دمج البرنامجين، حيث من المفترض ان يتحدث وزير الشؤون عن هذا الموضوع في شهر تموز المقبل، ويوضح في مؤتمر صحافي تفاصيل ماذا سيحدث مستقبلا، على ان تُبلغ العائلات التي تستمر في الانتفاع بواسطة رسالة نصية”.
المصدر: ندى عبدالرزاق-الديار