الشروال اللبناني يقاوم الزمن فهل بقي مجرد ذكرى؟

صدى وادي التيم-لبنانيات/

غادر “الشروال اللبناني” القديم أهميته ومكانته التي جعلته ينتشر منذ عشرات السنين وإلى عقود قليلة عبرت في معظم المناطق اللبنانية، يرتديه الفلاحون وأبناء المدن والعمال وكبار السن و”الوجهاء”، وكان يعد زياً قروياً أو وطنياً، طبعاً قبل هجمة السراويل الحديثة المصنعة على آلات كهربائية، ومنها سراويل “الجينز” التي انتشرت كالنار في الهشيم.

حالات قليلة تصادفك في القرى والبلدات الجنوبية، وحتى البقاعية والمناطق الشمالية، لمن لم يزل يتخذ من “الشروال” لباساً دائماً له، إذ بدأ عزه يتقهقر منذ النصف الأخير من القرن الـ20 ومطلع القرن الـ21، ولولا اللباس الموحد للملتزمين دينياً من طائفة الموحدين الدروز في منطقة حاصبيا ووادي التيم (جنوب)، وكذلك في مناطق الشوف وجبل لبنان، لكان “الشروال” اليوم حكاية من الذاكرة اللبنانية التراثية التي فقدت عديداً من عاداتها وعناصرها ومنها الطربوش وبعض الثياب التي كانت تميز بين المناطق والفئات الشعبية، والتي لم نعد نشاهدها إلا في بعض المسرحيات الفلكلورية وفرق الرقص الشعبي.

أصل الكلمة

يعود أصل كلمة “شروال” إلى الكلمة الفارسية “شلوار”. ويرى بعض الباحثين في التراث أن أصل لفظة سروال مستمدة من اللغة الآرامية، ويرى جانب آخر منهم أنها من اللغة الكردية. لكن، يجمع أكثر الباحثين على أنه لباس شرقي أصيل عرف وشاع منذ أقدم الأزمنة، إذ يعود ظهوره إلى الحقبة المسيحية، لكنه انتقل إلى العرب عموماً بواسطة الفرس الذين عرف عندهم باسم الـ”شلوار”، إنه مصطلح عرب في ما بعد ليصبح “شروالاً” أو “سروالاً” في بلادنا.

ويتألف “الشروال” من رجلين ضيقتين تكادان تلاصقان الجسم، من الركبة حتى القدم، ويختلف الجزء العلوي منه الممتد من الخصر حتى الركبة، فهو واسع جداً ويتدلى الجزء الخلفي منه بما يعرف بـ”لية الشروال”، ويثبت “الشروال” عند الخصر بـ”دكة الشروال”.

عبر قرون من الزمن ارتدى معظم رجال بلاد الشام هذا اللباس، ولم يكن يرمز لطبقة اجتماعية محددة، بل كان موجوداً في منزل الفقير والغني، وما بينهما، لكن بعض الزخرفات أو التصاميم عليه كانت تشير إلى أن من يرتديه صاحب مال وجاه.

من الأرياف البعيدة إلى المدن المتحضرة، كان من يرتديه يعد أنه لا بديل عنه، باعتباره اللباس المريح الذي يساعد في إنجاز الأعمال، بخاصة ما يتعلق منها بالأرض والفلاحة أو تربية المواشي، كما أنه اللباس المفضل صيفاً وشتاءً.

معركة خاسرة بوجه اللباس المتقدم 

إلى أواخر الخمسينيات ومطلع الستينيات من القرن الماضي كان “الشروال” لا يزال يحتل مكانته المرموقة في المجتمعات الريفية، إلى أن بدأت الهجرة نحو المدينة بحثاً عن العمل والارتزاق وعن العلم والدراسة، في العاصمة التي تراجع فيها ارتداء “الشروال” كثيراً في مقابل موضة البنطال الجديد “المهندم” والمستوردة أفكاره من الغرب. وكان على الوافدين إلى المدينة أن يراعوا التبدل الحاصل لدى أكثرية الناس فيها، فبدأ التخلي عن اللباس التقليدي، أي عن “الشروال” لمصلحة موضة المدينة ورياح العلمانية والقومية التي هبت من كل حدب وصوب، وما حملته السينما من أزياء رجالية وألبسة متطورة بدأ يتأثر بها الناس، وراحت تنتقل شيئاً فشئياً إلى الريف لتحمل التغيير الذي بدأ يطغى في مقابل انحسار ارتداء الشروال. لم يتخل كبار السن عن “شروالهم” القديم الموروث، وحافظوا عليه إلى آخر العمر، لذا بقيت قلة قليلة ترتدي “الشروال” التقليدي إلى أواسط السبعينيات لينتهي تقريباً في بداية الثمانينيات. 

دروز لبنان متمسكون بـ”الشروال”

يحافظ الدروز على “الشروال” ومتمماته من قمصان وقبعات وطرابيش وغيرها، وكذلك في قرى وبلدات تكون غالبية سكانها من طائفة الموحدين الدروز.

فإن توجهت في جولة بسيارتك، في أي فصل كان أو ظروف، نحو مناطق جبل لبنان أو حاصبيا أو غيرها ترى في شوارعها الضيقة رجالاً يرتدون “الشروال” الأسود البسيط، واللافت هنا أنك ستجد من دون شك شباناً يافعين يرتدونه بدورهم، أي من يفترض أنهم “على الموضة” ويرفضون ما هو تقليدي. 

سؤال طرحناه على الباحث والأديب البروفيسور شوقي أبو لطيف، فيقول “إن الزي التوحيدي في وادي التيم تحديداً له خصوصية، تتمثل بالعباءة المقلمة بالأبيض والأحمر والأسود، ويلبسها عادة رجال الدين التقاة تيمناً بهانئ ابن مسعود الشيباني قائد معركة ذي قار بين العرب والعجم، أما موضوع الشروال فهو زي جرى توارثه، وطبعاً أهل التوحيد عندهم نظرة لم تزل إسلامية قديمة، أننا نحن في دار السلام ومن يخرج منها إلى العالم الآخر يجب عند عودته مرة ثانية إلى دار السلام أن يطلب مجدداً الاعتراف به، لذلك يجب أن يحافظ على العفة التي يفرضها هذا اللباس”.

ويضيف أبو لطيف “من المؤكد أن هناك تقاطعاً بين ’الشروال‘ والزي اليوناني، إذ إن اليونانيين والأتراك هم في جغرافيا واحدة تقريباً، وبما أن أهل التوحيد يتبعون فلاسفة اليونان من بيتاغور إلى سقراط وأفلاطون وأرسطو، أعتقد أن هناك نوعاً من التماهي مع اليونان إن كان لجهة العقل الفلسفي أو لجهة الزي، فـ’الشروال‘ يأتي من هذا التماهي”. 

المصدر: كامل جابر-independent عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى