ميس الجبل: أرض الرخام والبيوت العتيقة تحتضنها تلال فلسطين
صدى وادي التيم-لبنانيات/
يتغنى الميسيون بتعدد ميزات بلدتهم “ميس الجبل”، وتصدُّر أبنائها مواقع أدبية وفكرية وسياسية وتجارية واقتصادية مرموقة، وذائعة الصيت على مستوى لبنان والعالم العريي.
الحجر والبركة
تحمل ميس الجبل، إحدى أكبر بلدات قضاء مرجعيون، في محافظة النبطية، اسمها من شجر الميس، الذي كان يغرس فيها، جنباً إلى جنب مع بيوتها العتيقة، المبنية بحجارة صخرية رخامية، يطلق عليها الحجر “الميسي”، تيمناً، الذي يحضر في كثير من أدراج وبلاط البيوت وقوائم الأبواب والنوافذ، ويصدَّر منه إلى الخارج.
تحافظ ميس الجبل، التي تحتضنها تلال المنارة الفلسطينية، ويفصلها عنها شريط شائك، على أحد أهم معالم البلدات الجنوبية، وهي بركة المياه الكبيرة، المتربعة في وسطها، رابطة الماضي بالحاضر والمستقبل. فتتغذى من مياهها المطرية، شتول التبغ، التي غاب نبتها هذا الموسم، بعدما نزح أهل الأرض عن حقولهم، التي يحتلها العشب، وتنتظر أبناءها لإعادة دب الروح فيها من جديد.
قافلة شهداء وخراب
لم يكن يوم أمس الأحد في ميس الجبل، يوماً عادياً. فقد أكمل العدوان الإسرائيلي الإمعان بالقتل، وشطب عائلة كاملة من سجل النفوس، مؤلفة من أربعة أفراد، هم الوالد فادي حنيكة وزوجته مي عمار وولديهما محمد وأحمد، الذين انضموا إلى ثمانية شهداء آخرين، من أبناء البلدة، على مدى أشهر حرب الإشغال والإسناد السبعة.
أصبح اسم ميس الجبل، حيث على أرضها أسواق السجاد والمفروشات والأدوات المنزلية، التي تشكل مقصداً لكل الجنوب وما بعد الجنوب، يتردد صباحاً ومساءً مصحوباً بأخبار الغارات الإسرائيلية على أحيائها (الطراش، المحافر، البركة وسواها)، وكذلك مستشفاها الحكومي وسائر مؤسساتها، التي دُمِّر وتضرر المئات منها وأتلفت واحترقت محتوياتها.
من الصعب جداً تحديد حجم الخسائر بشكل دقيق في بلدة ميس الجبل، سواء منازلها أو محالها التجارية ومزروعاتها. ففي كل يوم إضافي للعدوان الإسرائيلي، يرتفع عدد المباني المدمرة والمتضررة، الواقعة على مرمى حجر، من موقعي الاحتلال في المنارة والعاصي وسواهما، تساندهما الطائرات الحربية والمسيّرة، التي تمعن في عملية التدمير الممنهج للأحياء السكنية وحتى المراكز الإسعافية وكل ما ينبض بالحياة.
ينتظر أهالي ميس الجبل، كغيرهم من أبناء جاراتها، بليدا وحولا ومحيبيب ومركبا وسواها من قرى المنطقة، على أحر من الجمر، للعودة إلى بلدتهم، بعد توقف العدوان الإسرائيلي وإعادة الروح إلى جدران منازلهم، بعدما ضجرت جدران النزوح من وجودهم، وضجروا هم من الإبتعاد الطويل عن دفء بيوتهم.
سجل الخسائر
يتابع عبد المنعم شقير، رئيس بلدية ميس الجبل، التي يتألف مجلسها من 18 عضواً، يوميات العدوان الإسرائيلي على بلدته، التي تحولت بعد التحرير في العام 2000، إلى شبه مدينة، ومرجعاً حيوياً لاقتصاد المنطقة. فاحتضنت سجلاً للنفوس، الذي نقل إلى النبطية لتسيير معاملات المواطنين، ومستشفى حكومياً ومدارس متعددة ومحلات على مد النظر.
ويلفت شقير لـ”المدن”، إلى أن أكثر من سبعة آلاف كانوا من المقيمين في ميس الجبل، قد توزعوا على أرجاء لبنان، ومنها البلدات القريبة، مثل بلدة شقرا، المجاورة. مضيفاً أن البلدة “التي تمتد على مساحة جغرافية واسعة، تقصف بعدوانية وبشكل ممنهج، من قوات الاحتلال الإسرائيلي، الذي لا يوفر مسعفين ومدنيين، كان آخرهم أربعة شهداء سقطوا أمس (الأحد) من عائلة واحدة، سبقهم 8 شهداء وعدد كبير من الجرحى.
ويضيف شقير، “تعتبر ميس الجبل، بلدة منكوبة. فالدمار حل في كل أحيائها، ولم يسلم المستشفى الحكومي، الذي يؤمن الخدمات الصحية، ومبنى البلدية ومركز الإنعاش الاجتماعي وخزان المياه والمدرسة والمهنية ودور العبادة، من آثار القصف الإسرائيلي”.
وأعلن شقير أن المباني السكنية المدنية، التي دمرت بفعل الغارات الإسرائيلية، بلغ إلى الساعة 49 مبنى، يضم حوالى 125 وحدة سكنية، وتضرر 1160 منزلاً، وإصابة وتضرر 110 مؤسسات ومحال تجارية بشكل مباشر، و65 بشكل غير مباشر، وتضرر 150 آلية، تشمل سيارات مدنية وسيارات إسعاف لكشافة الرسالة الإسلامية والهيئة الصحية الإسلامية.
وقال شقير: “أحصي منذ بدء العدوان ما يصيب بلدتنا. شن طائرات العدو الإسرائيلي 84 غارة بالصواريخ على منازل ومؤسسات البلدة المختلفة، و1150 قذيفة، من بينها مئات القذائف الفوسفورية المحرمة دولياً، التي ستترك آثاراً صحية وبيئية وفي المياه السطحية والجوفية”. مشدداً على ضرورة إيلاء الدولة والمجتمع الدولي الاهتمام ومعالجة آثار القذائف الفوسفورية.
طائرات الحقد
دمرت طائرات العدو الإسرائيلي، عدداً كبيراً من المنازل والمؤسسات والمحال التجارية، في محيطة بركة ميس، ومن هذه البيوت والمحال، منازل ومؤسسات تعود لعائلة خشفة.
ويؤكد صاحب أحد هذه المنازل محمد خشفة، أن الطائرات الإسرائيلية، صبت جام حقدها على المنازل الآمنة في المنطقة، وكان نصيبي من هذا العدوان المتواصل، تدمير منزلي وأربعة محلات تجارية، تقع تحت المنزل، تحتوي على مواد غذائية (سوبر ماركت) تحولت جميعها إلى ركام.
وأضاف خشفة، “إضافة إلى منزلي، دُمِّرت أيضاً منازل أهلي وشقيقتي وعمتي، وهي بنيت جميعها من تعب عشرات السنين”. مؤكداً بأن العدو من خلال ذلك “يريد قتل الروح المعنوية فينا، لكننا سنبقى إلى جانب المقاومة، وبيوتنا ليست أغلى من عرق المجاهدين ودماء الشهداء”.
وقال إن البيوت والأرزاق تعوض، وبإذن الله سنعيد هذه البيوت أفضل مما كانت.
الأرض والزراعة
يعتمد قسم كبير من المقيمين في ميس، المعروفة بخصوبة أرضها، على النشاط الزراعي والإنتاج الحيواني. وقد حُرم أكثر من 150 عائلة في البلدة من زراعة وتسليم موسم التبغ للسنة الحالية، الذي يؤمن سبل العيش لهذه العائلات.
ويشير رئيس الجمعية التعاونية للانماء الزراعي والحيواني في ميس الجبل، عباس زهر الدين، إلى أن الخسائر الزراعية كبيرة جداً، إبتداء من خسارة موسم الزيتون كلياً، و”تسميم” حقولها بالفوسفور الأبيض، فلم تعد تصلح للزراعة لخمس سنوات مقبلة، والقضاء على قطاع الدواجن، حيث نفقت آلاف طيور الدجاج في المزارع التي تضررت مبانيها بشكل كبير، وأيضاً خسارة أكثر من مئتي مربي دجاج موردهم، وتضرر ما لا يقل عن 15 جرار زراعي، وإتلاف 25 خيمة زراعية ومئات قفران النحل، وإلحاق خسائر بالثروة الحيوانية، لا سيما المواشي، من أبقار وماعز وأغنام.