جو خوري: الرقص الشرقيّ للرجل خروج من عباءة المحرّمات الخانقة

صدى وادي التيم – لبنانيات /

لم يكن الرقص الشرقيّ بالنسبة لابن بلدة مغدوشة المطلّة على صيدا “جو خوري” مجرّد نوع من أنواع الفنون التي كان يؤدّيها أمام التلفاز في طفولته وهو يقلّد حركات أهمّ وأشهر الراقصات العربيّات أمثال: أماني، تحيّة كاريوكّا، فيفي عبدو وغيرهنّ، بل كان وسيلة للتصالح مع نفسه وجسده وكسر حاجز الخجل، خصوصًا إذا كان رجل من يمارس الرقص الشرقيّ، وهذا من المحرّمات في بيئة تفرض على الرجال “كاتالوغًا” صارمًا يجب ألّا يخالف تعاليمه كي تعترف به اجتماعيًّا.

و”للخروج من عباءة المحرّمات الخانقة”، توجّب على جو “عدم الاكتفاء بالرقص أمام شاشة التلفزيون فحسب، بل كان يجب الخروج من خلف جدران غرفتي إلى العالم الخارجيّ، غير عابئ بما ومن سيكون لي بالمرصاد” على حدّ تعبيره.

 عكس التيّار

لم يكن الأمر سهلًا أبدًا في مجتمع قد يتهاون مع أيّ شيء إلّا مع اهتزاز القوالب الذكوريّة والقوانين الأبويّة. كان التحدي كبيرًا، ولكنّه لم يكن كسائر الراقصين، لأنّ خوري قرّر دمج الرقص الشرقيّ بمجال دراسته وهو المسرح، التي تابعها في كلّيّة الفنون الجميلة في الجامعة اللبنانيّة، كعنصر أساس في عروضاته الفنّيّة، وجزء مهمّ منها هو الرقص الشرقيّ.

جو خوري

يقول خوري في حديث لـ”مناطق نت”: “أنا أمشي عكس التيّار، لذلك أتعرّض لكثير من الانتقادات التي تلاحقني بكلّ تفاصيل حياتي، خصوصًا بعدما قرّرت أن أشتغل في المسرح، وأنا ابن ضيعة في الجنوب، وقد تفاقمت هذه الانتقادات لا سيّما عندما بدأت أمارس الرقص الشرقيّ”. ويضيف: “في البداية اعتبرت الأمر تحدّيًا كبيرًا، والدليل أنّني بقيت لسنين أرقص في الغرفة سرًّا، وذلك خوفًا من ردّة فعل المجتمع، لكنّني عندما اقتنعت بأنّ المجتمع سوف يهاجمني بكلّ الأحوال، شعرت بأنّه ليس عليّ أن أخفي هذه الموهبة”.

ولأنّ التطرّف ليس حلًّا، لم يكن هدف جو استفزاز الجمهور “بقدر ما كنت أريد أن أكون راقصًا وفنّانًا”، يقول ويردف: “لذا كنت حريصًا على اختيار ملابس تناسبني ولا تتعارض في الوقت عينه مع فكرة الرقص الشرقيّ بشكل عام، الأمر الذي لم أعتبره خضوعًا للقوالب النمطيّة الذكوريّة، بقدر ما كان توجّهًا نحو الحفاظ على هويّتي وتعبيري الفنّيّ، كي يصبح الرقص مساحة للتحرّر وليس مساحة للصراع مع الآخرين. هذا المبدأ جعل من غالبيّة جمهوري الداعم لي من الذكور”.

ليعنّفوا سارقي أموالنا

و”لكن يبقى التحدّي الأكبر في زماننا هذا، مواجهة الصيّادين في الماء العكر الإلكترونيّين، الذين يعتقدون بأنّ لهم الحقّ بإطلاق الشتائم والتهديدات والوصف بأبشع الكلمات في كلّ مرة أنشر فيها مقطعًا مصوّرًا وأنا أرقص بحرّيّة على منصّاتي، على مواقع التواصل الاجتماعيّ. إنّ كمّيّة التنمّر والترهيب ضدّ رجل يرقص ويهزّ خصره لا تصدّق ولا توصف، لأنّها تهزّ ركائز مجتمع مبنيّ على المعايير المزدوجة والنفاق” بحسب خوري.

ويتابع:” يجب عليهم انتقاد الرجال الذين يرتكبون جرائم شرف والذين يقتلون ويعنّفون زوجاتهم، وأولئك الرجال الذين سرقوا أموالنا وهجّرونا. معنى الرجولة بالنسبة لي بعيد كلّ البعد عن المهنة أو اللباس أو التصرّفات، ومرتبط بالمبادئ والمواقف فقط”.

رُهاب من نوع آخر

على الرغم من أنّ خوري يحظى بدعم غالبيّة جمهوره ومؤيّديه من الرجال، إلّا أنّ مسيرته واجهت عقبات لم تكن سهلة كما تصوّر، و”لم تكن الحياة ورديّة” في مسقط رأسه “مغدوشة”. فالقرية التي نشأ وترعرع فيها، قطعت الدرب أمامه، “حيث وصل الأمر إلى اعتراض الأهالي ورفضهم أن أقوم بدورات تدريبيّة في التمثيل والمسرح والرقص، بحجّة أنّ هذا الأمر غير مناسب ويُفسد الشباب” يقول.

إنّ فكرة تنظيم دورات تدريبيّة في التمثيل والمسرح والرقص كانت فكرة أغضبت بعض أفراد المجتمع. وبالرغم من جهوده في الإعلان عن هذه الدورات وبعد فتح باب التسجيل، توقّف كلّ شيء فجأة من دون سابق إنذار، ليكتشف خوري هذا الأمر عن طريق الصدفة.

يشرح خوري: “فوجئت أنّه وعلى رغم أنّ بعض أبناء ضيعتي هاجموني بشكل مبالغ فيه. ولكن، بالمقابل هناك من كان يدعمني منهم وفيهم. وبالنهاية أنا ترعرعت وكبرت هناك، ولكنّني اكتشفت أنّ الغريب يقدّم الدعم أكثر من القريب”.

مطرقة

تغيّرت في هذه الأيام ديناميّات المجتمعات كلّيًّا، وأصبح لوسائل التواصل الاجتماعيّ دور كبير في تشكيل وجهات النظر ونقل الرسائل بسهولة وسلاسة لا مثيل لها. وعلى الرغم من أنّ بعض الأفراد قد يستغلون هذه الوسائل للتجريح والانتقاد، إلّا أنّها في الوقت عينه توفّر فرصة للأفراد ممّن يحملون مواهب ومهارات للتعبير عن أنفسهم ونشر مواهبهم.

هذا الأمر يُفرح جو خوري “ويساعدني على نشر فنّيّ وموهبتي، “فبدلًا من الاستسلام للانتقادات والتحدّيات، اخترت أن أستفيد من هذه الفرصة لأظهر موهبتي وأشاركها مع الجمهور، وهذا ما تُرجم من خلال مقطع مصوّر لي، أعيد من خلاله أداء جميع الرقصات الشهيرة للفنّانة اللبنانيّة ميريام فارس، فانتشر هذا الفيديو كانتشار النار في الهشيم على مواقع التواصل لبنانيًّا وعربيًّا”.

إنّ تفاعل الجمهور مع مقطع الفيديو الذي قام بتقديمه “يعكس التغيّرات التي طرأت على المجتمعات، حيث أصبح بإمكان الأفراد التعبير عن أنفسهم ومواهبهم بطرق جديدة ومبتكرة. وبهذا الشكل، يساهم كل فرد في كسر النمطيّة وفتح المجال لتنوّع الفنّ والثقافة”.

في هذا الصدد يقول جو: “أفاجأ من كمّ المواهب الجميلة للشباب الراقصين على مواقع التواصل، هناك شباب يعطون صفوف رقص، وهناك من يقيم حفلات، وهذا دليل على أنّنا رويدًا رويدًا نستطيع كسر القوالب والتابوهات”.

طريق النحل

ووفق قاعدة إنّ طريق النجاح وتحقيق الأهداف غالبًا ما يكون مليئًا بالتحدّيات والصعوبات، انتهج خوري ذلك الطريق وهو يشبه طريق النحل الذي ينتهي بالعسل، والذي لا بدّ من أن يتخلّله عديد من اللسعات. في الحياة، لا يمكن تجنّب المواجهة مع الصعاب، ولكنّ الأهمّ هو كيفيّة التعامل معها والنهوض مجدّدًا.

خوري، ومن خلال تجربته في مجال الرقص والفنّ، تعلّم “أنّه لا يمكن للإنسان أن يُرضي الجميع، وأنّ الاهتمام الزائد بآراء الآخرين قد يكون مضرًّا للغاية. يشبه الاهتمام بالحديث عمّا يقوله الناس عنك بإعلان تدريجيّ للموت، إذ إنّه قد يسلبك الثقة بالنفس ويحجب عنك رؤية أهدافك الحقيقيّة” والكلام لخوري.

لذلك، يحثّ خوري على استخدام الانتقادات والهجمات التي يتعرّض لها كوسيلة للتحسّن والنجاح، وعلى استغلالها لصالحه. “فالنجاح الحقيقيّ يأتي من خلال التعلّم والتطوّر، والثبات على الأهداف على رغم العوائق التي قد تواجهنا.”

ويختم قائلًا: “سيهاجمك المجتمع مهما فعلت! لذا قم بواجبك اتّجاه نفسك وافعل وما تحبّ، وكنّ الشخص الذي ترغب في أن تكونه”.

علي الحمود – مناطق نت 

جو خلال تأديته عرضًا فنيًا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى