عند تغيير الدول… جنبلاط يَحفظ رأسه
صدى وادي التيم-لبنانيات/
لن يخرج زعيم المختارة وليد جنبلاط من منطقة الوسط التي اتخذ قراراً بالإستقرار فيها وعزّزها منذ 7 تشرين الأول الماضي، وذلك تحت عنوان مهادنة “حزب الله” في هذه المرحلة إلى أقصى الحدود. وهذا الأمر يتطلّب من الزعيم الجنبلاطي اليوم، الإبتعاد قدر الإمكان عن المعارضة عموماً، فنواب الحزب التقدمي و”اللقاء الديمقراطي”، مُحرَجون في هذا الوقت، بحيث أن لا موقف سياسياً واضحاً ومحسوماً يأتي من كتلتهم كما من حزبهم، يتماهى مع أي فريق سياسي وحزبي داخلي، أي لا مع المعارضة ولا مع الممانعة، فالنواب مصطفون في “الوسط” بناء على قرار جنبلاط بالمهادنة أولاً، وثانياً بسبب حرصهم في خلفيتهم وفي عاطفتهم على العلاقة الممتازة مع المسيحيين، لأنه في النهاية، يبقى المسيحي، شريكهم الأوحد في الجبل، إن في السياسة أو في الحياة الإجتماعية وصولاً إلى أي استحقاق إنتخابي.
هم يتموضعون في خانة “الوسطية”، ووضعهم لا يُحسَدون عليه، لأنه في لحظة الفلتان والهيجان، من الأفضل بالنسبة لوليد جنبلاط، مهادنة “الممانعة” لحماية بيئته الحاضنة ومجتمعه ومنطقته، منعاً لأي احتكاك مع أي طرف، لا سيما وأنه لا يطمئن إلى الموقف الأميركي، ولا حتى للموقف الأوروبي، لذا، هو يرفض حصول أي “زحطة” قد تؤدي إلى ما يشبه المعركة التي حصلت في أيار من العام 2008.
لكن هذه القناعة لا تجد أصداءً على مستوى القاعدة الشعبية للحزب التقدمي الإشتراكي، والتي كانت مستاءة في انتخابات نقابة المهندسين مثلاً، الأمر الذي بدا واضحاً على شبكات التواصل الإجتماعي، حيث عبّر بعض المحازبين عن عتب كبير بالنسبة للتحالفات التي حصلت في انتخابات النقابة، إذ كتب أحدهم “لم نعتد ممارسة هذا الدور الذي لا طعم ولا رائحة له”، وبالنسبة لزعيم المختارة، ولو أن “عاطفتنا مع المعارضة، إنما العقلانية تفترض علينا اليوم الوسطية، فالمعارضة خسرت ورقة أساسية في الإنتخابات الماضية، وهي ما يسمى بموجة القوى التغييرية، أما الدروز فعاطفتهم هي في 14 آذار”.
هذه هي قناعات جنبلاط اليوم، والتي تؤدي إلى خسارة المعارضة في بعض المحطات، لكنها في العمق تحفظ البلد، ووفق “منطق ومفهوم البيك” هو يحافظ على الجبل، وهو مقتنع جداً بمهادنة الحزب ومسايرته إلى أقصى الحدود في هذه المنطقة المتفجّرة اليوم من كل الضوابط، والتي يسودها الجنون والهستيريا العسكرية المتفلّتة.
فزعيم المختارة يثبّت قاعدة “عند تغيير الدول إحفظ رأسك”، وهذه هي القاعدة الجوهرية التي يعتمدها اليوم، هو يدفع ثمنها بابتعاده عن المعارضة، رغم أن غالبية القاعدة الإشتراكية وفي الجبل، ركن أساسي في المعارضة، وهي اليوم في موقع المؤيد لمواقف المعارضة، ولكن الغلبة اليوم ليست للعاطفة، إنما هي للعقلانية التي يعتمدها جنبلاط.
وبالنسبة لوليد، هذه مرحلة يمكن تمريرها بانتظار الموقف الأميركي والذي لم يُحسم بعد، وعندما يحسم الأميركي موقفه، فكل الأفرقاء ساعتئذٍ يتخذون الموقف المتماهي مع هذا الموقف. ف”الميوعة الأميركية” الظاهرة اليوم تجعل جنبلاط في هذا التموضع، وعدم اتضاح الصورة والضبابية في الموقف الأميركي، هو التي تثير القلق وتؤدي إلى ضياع المسؤولين اللبنانيين، وعندما يتضح الموقف الأميركي يبني المسؤولين موقفهم على هذا الأساس.
ستة أشهر تفصلنا عن الإنتخابات الأميركية، وضعنا لا نُحسد عليه، والبلد “على كف عفريت”، وظهر ذلك من أداء سفراء “الخماسية” الذين يتابعون مهمةً كانوا قد بدأوها لا أكثر ولا أقلّ، ولا يبدو أنها ستصل إلى خواتيم إيجابية.
المصدر: ليبانون ديبايت – فادي عيد