الضهيرة وعرب العرامشة… توأم فرّقته إسرائيل

صدى وادي التيم-لبنانيات/

استحالت الضهيرة أيقونة بين بلدات جنوب لبنان الحدودية التي تعرضت للعدوان الإسرائيلي في الشهرين الماضيين. فقد بدأ تصدّي فصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية لقوات الاحتلال الإسرائيلي من موقع جرداي في خراج الضهيرة. وطوال أيام العدوان، تضرّر خمسون منزلاً محاذياً للحدود تقريباً. حضور الضهيرة في عمليات المقاومة وفي القصف المعادي، أحيا مأساتها التاريخية مع إسرائيل التي فصلت أراضيها بين شطرَي الحدود وشتّت عائلاتها.توقف كثيرون عند موقع «عرب العرامشة» الذي تردّد اسمه في بيانات عمليات المقاومة ضد مواقع العدو الإسرائيلي. والاسم العربي الذي عُرف به الموقع المعادي، يعود إلى البلدة التي كانت تقع مكانه وتمتد شمالاً نحو مزرعة الضهيرة. وكان سكن أهلها، وهم من العشائر العربية، يتركز عند تلّتَي جرداي والعرامشة، فيما الضهيرة مخصّصة لرعي المواشي والزراعة. لكن بدءاً من خمسينيات القرن الماضي، بدأ الاحتلال الإسرائيلي بفصل العرامشة وجرداي عن الضهيرة، وفق رئيس بلدية الأخيرة عبد الله الغريب. تضييق الاحتلال على الأهالي أرغم بعض الشبّان على النزوح باتجاه الجانب الجنوبي المحرّر، حيث شكّلوا على نحو تدريجي بلدة الضهيرة. وفي عام 1967، وضع العدو شريطاً شائكاً فصل بين الجانبين، قبل أن يغرس محيطه بالألغام، لمنع تنقّل الأهالي. وبعد حرب أكتوبر 1973، استحدث شريطاً شائكاً آخر. مع ذلك، بقيت البيوت في كلا الجانبين تتكاثر. ولا يزال كبار السن يتعرّفون إلى منازل أقربائهم التي لا تزال صامدة برغم تحويل بعضها إلى مراكز عسكرية في تلّة جرداي.
تستحضر أديبة فنش (65 عاماً) طفولتها التي أمضتها في حي الضهيرة الفوقا المحاذي للحدود. «كنا نلعب مع أطفال عرب جرداي وعرب العرامشة وننتقل بين حيّنا وحيّهم. وكان أهالينا يلتقون في مناسبات العزاء في المقبرة الواقعة عند تلة جرداي. هناك كان يتلاقى الأهالي بين الجانبين قبل أن تمنع إسرائيل لاحقاً اللقاءات»، تقول. قبل الفصل، استمر الوصل بين الجانبين عبر الزواج. ووفق فنش، انتقلت العشرات من بنات الضهيرة بالزواج إلى العرامشة وجرداي، منهم ابنة شقيق أديبة وشقيقة زوجها. تتطرّق فنش إلى التبعات الاجتماعية والنفسية لفصل الجانبين: «ترى الابنة أمها وأباها من خلف الشريط. خيرية أبو سمرا، علمت بخبر وفاة والدها في عرب العرامشة، فأخذت تركض من دون وعي، محاولة اجتياز الشريط الشائك، لكنها علقت في حقل الألغام وانفجر بها لغم وبُترت رجلها. كما أنّ لديها ابنتين تعيشان في عرب العرامشة بعد زواجهما من أقربائهما، لا تتمكن من رؤيتهما».

تستحضر أديبة فنش طفولتها في حي الضهيرة الفوقا المحاذي للحدود

انخرط أبناء الضهيرة في جيش الإنقاذ العربي الذي حضر عام 1984 لتحرير فلسطين، ثم صاروا فدائيين في صفوف المقاومة الفلسطينية، قبل أن يكملوا في صفوف المقاومة اللبنانية خلال الاحتلال الإسرائيلي. وبعد تحرير الجنوب عام 2000، شهدت الضهيرة لقاءً جماهيرياً بين آلاف اللاجئين الفلسطينيين من مخيمات لبنان والشتات وبين فلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة، لم يكن يفصل بينهم سوى الشريط الشائك. لاحقاً، تجنّب أهالي الضهيرة التحدث مع أقربائهم في الجانب المحتل خوفاً من الملاحقة القانونية في لبنان.
البُعد القومي يحضر في الضهيرة في كل تفصيل، ولا سيّما الأسماء. نصر العرب أبو ساري اختار له والده هذا الاسم عندما ولد في الستينيات، مستلهماً إيّاه من التصدّي الشعبي العربي لإسرائيل. يعتبر أبو ساري أنّ تحرير الضهيرة لم يكتمل عام 2000. عشائر كبيرة فرقتها إسرائيل بين الجانبين، ولا يزال أبناؤها يحتفظون بسندات ملكية لأراض واسعة يملكونها في العرامشة وجرداي وحدب المصاطب. حتى إنّ المقبرة ضمّها الصهاينة للجانب المحتل، ما أجبر أهالي الضهيرة على استحداث مقبرة جديدة. في عام 2018، وصل إلى حدود الضهيرة جدار الخوف الإسمنتي الذي شيّده العدو على طول الحدود الجنوبية لمنع تسلّل المقاومين. وأدّت الأشغال إلى جرف المزيد من الحقول التي زرعها آل فنش وأبو سمرا وأبو حمد قبل عقود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى