التزييف العميق يثير مخاوف النساء.. إنتهاك للخصوصية وتزوير للصور

صدى وادي التيم-امن وقضاء/

نشرت شبكة “بي بي سي” البريطانية تحقيقا استقصائيا يرصد أوقات عصيبة عاشتها فتاة عقب استهدافها بتقنية “التزييف العميق” أو ما يعرف بـ”الديب فيك” باللغة الإنجليزية، ونشر صور مزيفة تحمل وجهها على مواقع للأفلام الإباحية.

ولفت التحقيق إلى وجود عشرات الآلاف من مقاطع الفيديو المزيفة باستخدام “التزييف العميق” على الإنترنت، توصلت الأبحاث الحديثة أن 98 في المئة منها مواد إباحية.

وتشير أبحاث سابقة إلى أن عدد مقاطع الفيديو من هذا النوع يتضاعف على الإنترنت بسرعة، حيث أصبح إنتاج مثل هذه المقاطع عبر التقنية المثيرة للقلق عملا مربحا.

وعلى الرغم من تركيز حالة القلق على استخدام هذه التقنية من أجل أغراض سياسية، إلا أن الأدلة والأبحاث تثبت أن “التزييف العميق” يُستخدم في معظم الأحيان بهدف إنتاج المواد الإباحية.

تاليا تقرير “بي بي سي” كاملا:

عثرت جودي على صور لها تُستخدم في الأفلام الإباحية، ,فوجئت بما حدث، وأصابتها صدمة رهيبة، حيث أخبرت سلسلة الوثائقيات الاستقصائية “بي بي سي فايل أون 4” الذي يُبث عبر راديو بي بي سي 4، عن اللحظة التي أدركت فيها أن المسؤول عن ذلك، كانت إحدى أفضل صديقاتها.

في ربيع عام 2021، استلمت جودي (وهو اسم مستعار) رابطاً لموقع إباحي من حساب بريد إلكتروني مجهول.

وبالنقر عليه، عثرت على صور فاضحة ومقطع فيديو لما بدا أنها تمارس الجنس مع رجال مختلفين. والحقيقة أن وجه جودي أضيف رقمياً إلى جسد امرأة أخرى، وهو ما يُعرف بتقنية “التزييف العميق” أو “الديب فيك”.

وقام أحدهم بنشر صور لوجه جودي على موقع إباحي، قائلاً إنها جعلتهم يشعرون “بالإثارة الشديدة”، وسأل عما إذا كان بإمكان أحد المستخدمين على الموقع صُنع مواد إباحية مزيفة لها. وفي مقابل التزييف، عرض المستخدم نشر المزيد من صور جودي وتفاصيل عنها.

في حديثها لأول مرة عن تجربتها، تقول جودي، التي تبلغ منتصف العشرينات من عمرها: “كنت أصرخ وأبكي وأتصفح هاتفي بعنف لأستوعب ما كنت أقرأه وما كنت أنظر إليه”.
وتضيف: “كنت أعلم أن هذا قد أن يدمر حياتي تدميرا”.

أجبرت جودي نفسها على تصفح الموقع الإباحي، وهي تشعر بأن “عالمها كله ينهار”، قبل أن تعثر على صورة معينة جعلتها تتوصل إلى استنتاج فظيع.

سلسلة من الأحداث المثيرة للقلق

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تُستهدف فيها جودي.

في الواقع، كان ذلك تتويجاً لسنوات من الإساءة مجهولة المصدر عبر الإنترنت.

عندما كانت جودي في سن المراهقة، اكتشفت أن اسمها وصورها تُستخدم في تطبيقات المواعدة من غير موافقتها.
واستمر هذا لسنوات، حتى أنها تلقت في عام 2019، رسالة على فيسبوك من شخص غريب قال إنه على موعد غرامي معها وفق الاتفاق في محطة ليفربول ستريت في لندن.

أخبرت الرجل أنها ليست من كان يتحدث إليها، وتقول إنها شعرت “بالتوتر” لأنه كان يعرف كل شيء عنها وتمكّن من العثور عليها عبر الإنترنت. فقد وجدها على فيسبوك بعد أن توقفت من كانت تدعي أنها “جودي” عن الرد عليه على تطبيق المواعدة.

وفي أيار 2020، أثناء فترة الإغلاق في المملكة المتحدة مع انتشار فيرس كورونا، نبهها أحد الأصدقاء إلى وجود عدد من حسابات تويتر التي كانت تنشر صوراً لها، مع تعليقات تشير إلى أنها بائعة هوى.

“ماذا تريد أن تفعل مع جودي المراهقة الصغيرة؟”، كان هذا أحد التعليقات التي أُرفِقت مع صورةٍ لجودي وهي ترتدي ملابس السباحة، وأخِذت من حسابها الخاص على وسائل التواصل الاجتماعي.

كانت حسابات تويتر التي تنشر هذه الصور تحمل أسماء مهينة مثل “العاهرة” و”زعيمة الانحراف”.

وجميع الصور المستخدمة كانت صوراً شاركتها على وسائل التواصل الاجتماعي مع الأصدقاء المقربين والعائلة، وليس مع أي أحد آخر.

ثم وجدت أن هذه الحسابات تنشر أيضاً صوراً لنساء أخريات تعرفهنّ من الجامعة، وكذلك من مسقط رأسها في كامبريدج.

وقالت: “في تلك اللحظة، شعرت بإحساس قوي للغاية بأنني في محور الاهتمام وأن هذا الشخص يتطلع إلى إيذائي”.

بدأت جودي في الاتصال بالنساء الأخريات اللائي ظهرن في الصور لتحذيرهن، ومن بينهن صديقة مقربة أطلقنا عليها اسم “ديزي”.

قالت ديزي: “لقد شعرت بالغثيان”.

اكتشفت الصديقتان العديد من حسابات تويتر الأخرى التي تنشر صورهما.

وقالت ديزي: “كلما بحثنا أكثر، ازداد الأمر سوءا”.

راسلت جودي مستخدمي تويتر، وسألتهم من أين حصلوا على تلك الصور، وكان الرد أنها كانت “مُرسَلة” من مجهولين أرادوا مشاركتها.

وأجاب أحد المستخدمين: “إما أن يكون حبيبك السابق أو أن أحداً يهاجمك”.

قامت ديزي وجودي بإعداد قائمة بجميع الرجال الذين تابعوهما على وسائل التواصل الاجتماعي، والذين يمكنهم الوصول إلى صورهما الخاصة.

وخلُصت الصديقتان إلى أنه لا بد أن يكون حبيب جودي السابق، فواجهته جودي وقامت بحظره

لعدة أشهر، توقف نشر الصور، قبل أن يتواصل معها مرسل بريد إلكتروني مجهول.

وجاء في البريد الإلكتروني: “آسف لعدم الكشف عن هويتي، لكنني رأيت هذا الرجل كان ينشر صوراً لك على مواقع مخيفة. أعلم أن هذا لا بد وأن يثير خوفك”.

فتحت جودي الرابط الذي نقلها إلى منتدى “ريديت” على الإنترنت، فوجدت أن أحد المستخدمين نشر صوراً لها ولاثنتين من أصدقائها، مع ترقيم لهن 1 و2 و3.

كانت هناك دعوة للآخرين عبر الإنترنت للمشاركة في لعبة، مفادها أن أي من هؤلاء النساء ستمارس الجنس معها أو تتزوجها أو تقتلها.

وأسفل المنشور، علق 55 شخصاً بالفعل.

كانت الصور المستخدمة على الموقع حديثة، ونُشرت بعد أن قامت ديزي بحظر حبيبها السابق. حينها أدركت الصديقتان أنهن ألقين باللوم على الشخص الخطأ.

وبعد ستة أسابيع، تواصل نفس المرسل مرة أخرى، هذه المرة بشأن استخدام تقنية “التزييف العميق” أو “الديب فيك”.

عند إعداد قائمتهما، استبعدت جودي وديزي مجموعة من الرجال الذين يثقون بهم تماماً، كالعائلة، وأفضل صديق لجودي، أليكس وولف.

جودي وأليكس تربطهما صداقة قوية عندما كانا مراهقين، حيث جمع بينهما حبهما المشترك للموسيقى الكلاسيكية.

كانت جودي قد استنجدت سابقاً بوولف عندما اكتشفت أن اسمها وصورها على تطبيقات المواعدة من دون موافقتها.

وولف شاب حصل على المركز الأول في الموسيقى من جامعة كامبريدج، وفاز بجائزة بي بي سي للملحن الشاب عام 2012، بالإضافة إلى ظهوره في برنامج “ماسترمايند” في عام 2021.

تقول جودي: “كان [وولف] مدركاً تماماً للقضايا التي تواجه النساء، خاصة على الإنترنت”.

ومع ذلك، عندما شاهدت الصور الإباحية المزيفة باستخدام تقنية “التزييف العميق”، كانت هناك صورة لها في الملف الشخصي وفي الخلفية جامعة “كينغز كوليدج” في كامبريدج.

تذكرت جودي أن وولف كان موجوداً في الصورة أيضاً، وكان هو الوحيد الذي شاركت هذه الصورة معه.

كان وولف هو من عرض مشاركة المزيد من صور جودي الأصلية مقابل تحويلها إلى صور مزيفة بتقنية الـ “الديب فيك”.

تقول جودي: “لقد كان يعرف تأثير ذلك على حياتي بعمق، ومع ذلك فهو لا يزال يفعل ذلك”.
“أشعر بالخزي”

في آب 2021، أُدِين وولف (26 عاماً) بالتقاط صور لـ15 امرأة، من بينهن جودي، من وسائل التواصل الاجتماعي ورفعها على مواقع إباحية.

وحُكم عليه بالسجن لمدة 20 أسبوعاً، مع وقف التنفيذ لمدة عامين، وأُمِر بدفع تعويض قدره 100 جنيه إسترليني لكل من ضحاياه.

وقال وولف لبي بي سي إنه “يشعر بالخزي الكبير” من السلوك الذي أدى إلى إدانته، وأنه “يأسف بشدة” على أفعاله.

وأضاف: “أفكر في المعاناة التي سببتها كل يوم، وليس لدي أدنى شك في أنني سأستمر في الشعور بذلك بقية حياتي”.

وتابع: “ليس هناك أي عذر لما فعلته، ولا أستطيع أن أشرح بشكل وافٍ لماذا تصرفت بهذه الدوافع بشكل حقير في ذلك الوقت”.

وينفي وولف أن يكون له أي علاقة بالمضايقات التي تعرضت لها جودي قبل الأحداث التي اتُهِم بها.
ومع ذلك، ترى جودي أن اكتشاف ما فعله صديقها كان بمثابة “خيانة عظمى وعار”.

وتقول: “لقد عشت كل محادثة دارت بيننا، حيث كان يواسيني ويدعمني وكان لطيفاً معي. وكان كل ذلك كذباً”.

تواصلت بي بي سي مع منصة إكس “تويتر سابقاً” وريديت، بشأن المنشورات. ولم نتلق رداً من إكس، في حين قال متحدث باسم “ريديت”: “الوسائط الإباحية غير المتوافقة ليس لها مكان على منصة ريديت. لقد تم حظر الشخص المعني”. كما تمت إزالة الموقع الإباحي.

في تشرين الأول 2023، أصبحت مشاركة المواد الإباحية بتقنية “الديب فيك” جريمة جنائية كجزء من مشروع قانون السلامة عبر الإنترنت.

والحقيقة أن هناك عشرات الآلاف من مقاطع الفيديو المزيفة باستخدام “التزييف العميق” على الإنترنت، وتوصلت الأبحاث الحديثة أن 98 في المئة منها مواد إباحية.

ومع ذلك، تشعر جودي بالغضب الشديد، لأن القانون الجديد لا يجرّم من يطلب من الآخرين إنشاء مقاطع مزيفة بتقنية “الديب فيك”، وهو ما فعله أليكس وولف، كما أن إنشاء محتوى في المُطلق بتقنية “التزييف العميق” لا يعد غير قانوني.

وتقول جودي: “هذا يؤثر على آلاف النساء، ونحن بحاجة إلى القوانين والأدوات المناسبة لمنع الناس من القيام بذلك”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!