الحرب تخلط الأوراق الداخليّة: تقارب مذهبيّ وتباعد طائفيّ!

صدى وادي التيم-لبنانيات/

ليس خافيًا أن تحصين الجبهة الداخلية من شأنه أن يعزز عناصر القوة في مواجهة العدو الإسرائيلي، في حين أن استفحال الانقسامات يسمح له باللعب على أوتارها لخدمة مصالحه ومشاريعه كما يفعل حاليًّا، حيث يستفيد من بعض الأصوات اللبنانية التي تعادي المقاومة للإمعان في عدوانه وارتكاباته وفي تأليب الرأي العام على المقاومة. 

لكن هناك في المقابل نموذجًا آخر ومضادًّا صنعه اختلاط دماء الشهداء في الهبارية الواقعة ضمن العرقوب بدماء الشهداء في البلدات الجنوبية الأخرى، بكل ما يحمله هذا “الانصهار” من رمزيات ودلالات. 

هكذا، وبعد سنوات طويلة من محاولات افتعال الفتنة المذهبية واستدراج المكونين السّني والشّيعي إلى مواجهة لا تبقي ولا تذر، أتت تحديات العدوان الإسرائيلي لتعيد التقارب بينهما على قاعدة أن العدو واحد والتضحيات مشتركة. 

وإذا كان الكيان الإسرائيليّ هو صاحب المصلحة الأكبر، وأيضًا صاحب الدور الأقذر، في تحريض هذا على ذاك والدفع نحو الفتنة لتفتيت المنطقة وإضعاف أعدائه خصوصًا في الساحة اللبنانية، إلّا أنّ حربه الهمجية التي لا تميز بين ضحاياها جمعت تلقائيًّا المستهدفين بها في خندق واحد، وحفّزتهم على تجاوز أو أقله تجميد  تناقضاتهم وخلافاتهم الجانبية، انطلاقًا من أن الأولوية الآن هي لمواجهة الخطر الوجودي والداهم المتمثل في الهجمة الإسرائيلية الهوجاء التي تكاد تكون غير مسبوقة.

وبدا واضحًا أن مزاجي البيئتين السنية والشيعية في لبنان يتفاعلان بقوة مع ما يحصل في غزة والجنوب ويتعاطفان مع المقاومتين الفلسطينية واللبنانية في مواجهة العدو الإسرائيليّ بمعزل عن أيّ ملاحظات كانت موجودة لدى البعض قبل أن “يفيض” طوفان الأقصى في 7 أوكتوبر. 

وقد ساهم دخول الجماعة الإسلامية على خط المواجهة، ضمن حدود قدراتها وإمكانياتها، في مقدار من التنويع لهوية المقاومة المسلحة، بحيث لم تعد تقتصر على البعد الشيعي المحض بل صار لها امتداد عسكري في الوسط السني، إلى جانب الحضانة السياسية من شخصيات وازنة في هذا الوسط. 

ويبدو أن العدو الإسرائيليّ وضع “الجماعة” ضمن بنك أهدافه، كما تبيّن من محاولة الاغتيال الفاشلة لأحد كوادرها عبر الغارة على الصويري في البقاع الغربي وقصف مركز للإسعاف في الهبارية حيث استشهد سبعة من المسعفين فيما روّج الاحتلال أنه قصف هدفًا ل”الجماعة”.

 وسبق ذلك مشهد معبّر عكسه تشييع عدد من الشهداء في الطريق الجديدة التي كان يراد لها في الماضي أن تكون وقودًا ومسرحًا للفتنة، فإذا بها تستعيد حضورها في الموقع الصح والأصلي على طريق القدس. 

هذا التلاقي الميداني العابر للحساسيات الضيقة، نقل المواجهة من الزواريب إلى الحدود وكسر حدة الاصطفاف المذهبي الذي كان سائدًا في المراحل السابقة، ما أثبت مجدّدًا أن المعركة ضد العدو قادرة على أن تجمع ما فرقه هو، وأن كلفتها مهما ارتفعت تبقى أقل بكثير من فاتورة أي اشتباك داخلي. 

لكن المفارقة، أن مظهر الشراكة الوطنية في الهبارية كاد يضيع برمشة عين في رميش، بحيث أن انخفاض التوتر السني – الشيعي قابله ارتفاع في منسوب الاحتقان الطائفي، وتحديدًا المسيحي _ الشيعي نتيجة إصرار البعض على الاصطياد في الماء العكر، وتعمد الاستثمار  السياسي لأي سوء تفاهم محتمل بدافع من سوء النيات.

وليس خافيًا أنّ الانقسام الطائفي المستعر في هذه الأيام يشكل أفضل بيئة للكيان من أجل مواصلة اعتداءاته على لبنان، مطمئنًا إلى أن هناك من سيعمد إلى تحميل المسؤولية عنها إلى غيره بفعل النكد أو الحقد، فهل يمكن لمانحي “الهدايا المجانية” أن يتّعظوا قليلًا؟

المصدر: عماد مرمل – الأفضل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!