مصطفى التنير…الطفل الذي أذهل مدربي الطيران!
صدى وادي التيم – لبنانيات /
“أمل رغم الألم”.. فرغم ما يمر به لبنان تبقى ومضة في معدن شعبه، يجترح الإبداع رغم محاولات السيطرة والتيئيس، وفي عيد الطفل نواكب “الطيّار” مصطفى التنير، الذي أذهل العالم بنباغته في عالم الطيران، منذ نعومة أظافره حتى أنه غلب الكبار في معلوماته وتطبيقاته.
تنص اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة على أن الطفل هو أي شخص يقل عمره عن 18 سنة.
ولكن مهلاً… في حالة الطفل اللبناني مصطفى محمد التنير قد يختلف الأمر…! وقد تتجاوز نباغته التي تسبق عمره حدود هذا الكلام الذي تنص عليه وثائق أكبر هيئة عالمية!
تعرفت منذ سنتين إلى التنير، ووقعت على ظاهرة فيها من النبوغ ما يكفي، وفي شهر آذار/ مارس مع عيد الطفل يبدو مصطفى نموذجاً للطفل الموهوب في مجالاتٍ شتى، فهو إضافةً إلى الطيران، يبتكر مشاريع وأفكاراً كثيرة..
وفي حديثٍ حصري خاص بالميادين نت، يعطينا الفتى الذي تبدو في نبرته روح الشباب الواثق نبذة عن حياته “أبلغ من العمر اليوم 14 عاماً، وأنا أحب الطيران منذ أن كان عمري 4 سنوات، أبي أول من ساعدني، فهو شجعني و ضحى بالكثير من أجلي، أمّا من ناحية الطيران فكان للمهندس محمود عيتاني فضلٌ عليّ، حتى تولى القبطان سليمان مهنا في وقتٍ لاحق، تعليمي وتدريبي على قيادة الطائرة، وكذلك كان للمهندس يحيى جمّول الذي فتح لي مكاتب مؤسسته كي أتمكن من تصنيع طائرات 3D فلولا هؤلاء الأشخاص لم أكن لأصل إلى هنا أبداً”.
والحمد لله “أنا اليوم أطير عبر طائرة من طراز “سيسنا 172″، وهي يمكن أن تحمل مساعد طيار و 2 من الركاب ، ودائماً مع الكابتن سليمان مهنا”، يردف التنير.
الخطوات اللازمة
وحول المراحل التي تدرّب عليها يقول “أنا غير قادر على شرحها هنا حقاً بشكل تفصيلي لطبيعتها التقنية التي لا يعرفها سوى المطّلع على علم الطيران، ولكن ما يمكنني أن أقول لكم أنني مررت بنوعين من الدورات االنظرية والعملية قبيل إشعال المحرك ومرحلة الـ TAKE OFF”
ويسرد لنا “قبل كل شيء يجب الاهتمام والتأكد من تعبئة الطائرة بالوقود، ومن ثم مرحلة الـ OUTSIDE CHECK حيث نهتم بمراقبة كل قطعها من الهيكل والأجنحة والإطارات والتأكد من سلامتها.
بعدها تأتي مرحلة الدخول إلى الطائرة برفقة الكابتن الذي يجلس على اليسار، بينما يكون مكاني (Co Pilot ) عادة إلى يمينه، وهنا نفحص البطارية والأجهزة الداخلية، ونعاين جهاز الاتصال متصلين بالمسؤول عن حركة أرض المطار، ونأخذ الموافقة للـ Clearance أي إدارة محرك الطائرة، ووضعها Checklist على مرحلة 1.
وفي وقتٍ يأمل فيه التنير “أن يستمر في مجال الطيران، باعتباره أكثر من مجرد هواية”، يعبّرعن شعوره وهو يطير فيقول “من الصعب التعبير عن هذا الشعور كل ما يمكن قوله عنه هو أنه لا يصدق على الإطلاق وهو أفضل شعور يمكن أن يشعر به الشخص على الإطلاق.
هوايات متعددة
وفضلاً عن الطيران، لدى التنير الكثير من “فأنا أحب حلّ مكعبات روبيكس لدي 2×2 3×3 4×4 و pyraminx، وأقوم بنمذجة ثلاثية الأبعاد وطباعتها و صناعة الرسوم المتحركة.
كذلك أعرف تحضير المواقع الإلكترونية، وقد تعلمت ما يسمى بالـ coding، بلغة الكمبيوتر، كما أقوم بإعداد ألعاب على الكمبيوتر.
والعام الماضي، وبعد الزلزال المدمر في سوريا وتركيا، وتوالي الهزّات في لبنان والمنطقة، وفّق الطفل في تنفيذ جهاز يتمكّن من خلاله من معرفة الأماكن الأكثر خطراً في المنزل خلال وقوعها، قبيل الزلزال، ونال عليه تكريماً.
وإضافة إلى كل ذلك يلعب التنير الكاراتيه ولديه حزام أسود، وأيضاً هو مميز في لعبتي كرة السلة والشطرنج وغيرها.
مشاهد مخيفة فوق مرفاً بيروت!
التنير الذي صمم على تحقيق حلمه وفعل، وهو لا ينسى لحظات “السعادة” عندما “طار” للمرة الأولى، يعتبر مثلاً للجميع أنه يوجد “أمل رغم الألم”، وهو يقول في جوابٍ على سؤال الميادين نت يقول “لبنان جميل ورائع من فوق… والمناظر الجوية لبلدي كافية لتعبّر عن نفسها، لكنه في الوقت نفسه يمكن أن ترى مشاهد “مخيفة”، خاصة عندما تطير فوق مرفأ بيروت بعد انفجاره“.
وتجدر الإشارة إلى أن رئيس مجلس إدارة شركة طيران “الميدل إيست” اللبنانية الرائدة في عالم الطيران محمد الحوت استقبل التنير مؤخراً، للاطلاع على ظاهرته الفريدة، وقدّم له الأخير لوحة 3d من صنعه يديه تمثّل خريطة لبنان مع مواقع الشركة عليها، كذلك أعد Animation فيديو 3d و sky team لشركة “الميدل ايست”.
مهندس الطيران عيتاني: التنير صندوق يحوي كنزاً
مهندس الطيران العالمي محمود عيتاني يقولللميادين نت إنه لن ينسى اللحظات الأولى للقاء مصطفى عندما أتى به والده كي يتعرف معي إلى عالم الطيران، ففور كلامي معه، فوجئت من كمّ المعلومات “الرهيبة” لديه حول عالم الطيران، والتي لا يمكن لمن هم أكبر منه حيازتها، ما حفزني على الاهتمام بهذه الظاهرة الملفتة حقاً، وما تلا ذلك من لقاءات جعلني أشعر كأنني أفتح صندوقاً يحتوي على كنز!
وخيّر والد مصطفى المحفّز الأساسي لنجله في تفوقه ابنه، بين شراء طائرة كهربائية نموذجية أو أخرى تعمل على البنزين، يضيف المهندس عيتاني، “بعد شرحي لتقنية الأخيرة فوجئت أن بابن الـ 9 أعوام وقدرته على التعامل مع المحركات، رغم صعوبة التعامل مع الوقود وغير ذلك من تعقيدات، وأيقنت أنه يريد أن يتعلّم لأن طائرة الكهرباء شبه مجمّعة، ومن هنا اتفقنا أن يزورني أسبوعياً للتعلّم ولجمع طائرة البنزين الصغيرة”.
ويردف معقّباً ” كان مصطفى الذي يحلو للجميع مناداته بـ “صطيف”، يمطرني بالأسئلة الصحيحة والهادفة والمتناسقة بحسب الإجابات، وهنا تيقّنت من قدرته ومن نسبة الذكاء التي يكتنزها بعد الأسئلة التي طرحها، فهي كانت أسئلة لشابٍ كبير.
إجابات فاجأت مهندسي الطيران
إذّ ذاك، أتيت بكتب الجامعة الخاصة بي ودرّسته فيها، وأخذ معلومات عن المحركات وأمسى يعرف قطعه، بعدها تعمّقت في تعليمه ماهية وتفاصيل القطع التي يدرسها، وكان لا ينسى أبداً، وصولاً إلى تعليمه الـ Air Dynamics، فاستوعب كل ما علمّته أياه، يشرح عيتاني.
ويكشف أنه خلال دورة طيران في المطار، ضمن صف تعليمي لطلاب طيران متدربين، صعق المدرّبون بسبب الإجابات السريعة التي أجابها مصطفى رغم عجز المتدربين والمتدربات الكبار عن الإجابة عليها!
في إثر تلك الزيارة تبنت إدارة الدورة تدريس الفتى مصطفى أصول الـ Private Pilot دون دفع تكاليف، فحضر الصفوف ونجح في الـ Ground School ، قبل أن يشرعوا بتعليمه الطيران، مع المدربين الجويين وأمسى قادراً على الإقلاع والهبوط.
الكابتن مهنا: عقل التنير من عقول الكبار
وبكل ثقة يقول مهندس الطيران المخضرم الذي عمل زهاء عقدين ونصف في شركات طيران عالمية إن “مصطفى شاب وليس طفلاً، ثقته بنفسه كبيرة، ويفكر ملياً قبل جوابه الموزون، وأينما وضعته “يأتي واقفاً على رجليه بالفعل” ولا يمكننا في حالته اعتباره في عداد الأطفال، سوى من ناحية الشكل، فهم مثلاً كانوا يضعون له مخدات على المقعد كي يرى النافذة من داخل الطائرة!
ويتوّقع عيتاني الذي يرى أن مصطفى كحفيده، مستقبلاً باهراً لتلميذه المميز، لكنه لا يعرف إن كان سيلاقي الفرصة المناسبة والاحتضان الصحيح في ظل الأوضاع التي يمرّ بها لبنان.
الكابتن سليمان مهنا كابتن لبناني عالمي معروف وله باعٌ هام في عالم الطيران، هو من الذين آمنوا بقدرات التنير أيضاً، وهو يقول للميادين نت“وصل مصطفى لمرحلة متقدمة جداً، رغم عمره الصغير، وما يعرفه الآن وتدرب عليه يوازي ما تعلمّه المتخرجون من الجامعات بكفاءة عالية.
وإذّ يثني الكابتن مهنا على دعم الأهل، مثمنّاً دور المهندس عيتاني، يكشف أنه عرفه عندما كان عمره 10 سنين، و”كنت أتعامل معه وكانه بعمر لا يقل عن 23 سنة. وهو إذّ واظب على حضور الصف معي، مع ناس عمرها 25 و 30 و 40 سنة كانت تدرس الطيران كهواية. كان عقله يتناغم مع عقول هؤلاء الكبار، والجميع كانوا يتعاملون معه وفق ذلك !
“علامات 100”.. ما العمر القانوني للطيران؟
علامات التنير كانت 100 بالامتحان وهو من الناحية العملية يطير بالطيّارة بشكلٍ متقدم. فعلاً شخصيته بارزة وله حكاية كبيرة”.
ويعقّب ” يجب أن يكون مصطفى بعمر 18 حتى يدخل بشكلٍ قانوني إلى عالم الطيران من أبوابه الواسعة، وشغلته ستكون سهلة المنال فهو بارع.
بكل فخر يضيف ” التنير في عمر الـ 14 سنة يستطيع تصميم ووضع مقاييس الطائرة، فله مستقبلٌ باهر”.
“سيكون مصطفى في المستقبل فخر لبلده لبنان، وهي رسالة لكل العالم أن المقدرة موجودة ولكن يجب تنميتها وهذا الموضوع سيكون رسالة لكثير من الأطفال والعالم للاهتمام بهؤلاء الأشخاص. ويجب أن تصل الرسالة للمسؤولين وكل من يهتم بهذه الأمور أن يصار إلى الاهتمام بالطفل (والشاب) اللبناني الذي يستطيع الوصول إلى العالمية.
ويختم رداً على سؤالنا “يجب أن يبقى الشباب اللبناني في بلده،. لبنان على الدوام سفينة ترسل الطاقات للعالم ولكن نتمنى أن تبقى هذه السفينة ترسل من دون أن تترك البلد بلا طاقاته، فقوته تكمن فيها، وانشالله هذا يزرع أمل ببوادر خير على لبنان”…
و في مضمار الحديث عن الطفل التنير، لا بد من التنويه المقرون بالشكر لمدير نادي الطيران اللبناني الرائد والمخضرم في عالم الطيران ميشال عبود، و مدير نادي Beirut Wings الكابتن عدنان يموت، وهما فسحا المجال له باستخدام طائرات نادييهما منذ البداية.
طفولة لافتة: لا رسوم متحركة!
نهاية المطاف مع الوالد كنف الطفل ومكتشفه الأول الذي أنشأ مع زوجته، أولاده الثلاثة على الإيمان والعلم والثقة بالنفس، يقول محمد التنير كان ابني متميزاً منذ نعومة أظافره، في بيته ومدرسته، رسوماته كانت تعبّر عن عشقه للطائرات بالفطرة، قد ما كان دائماً يخبرني عن عنها.
قبل عمر الخمس سنوات كان يشتري كتباً وموسوعات أجنبية خاصة بها، وبعدها صار يعمل search على الانترنت ويدخل إلى التفاصيل المتعلقة بالطائرات، وفي وقتٍ كان الأطفال فيه يشاهدون أفلام الكرتون، كان “صطيف” يتابع برامج قناة National Geographic حول حوادث الطيران، محاولاً معرفة سببها مسجلاً ومستنتجاً، لدرجة أنه صار يعرفها”!
يضيف ” اصطحبته إلى المهندس عيتاني، وكان عنده كابتن عراقي، هنا بادره ابني فوراً مشيراً إلى صور لطائرتين هناك قائلاً لنا “هذه Cessna Aircraft “، وهذه Mustang “.
وسط ذهول الجميع أجرى له الكابتن العراقي اختباراً شفوياً سريعاً، وعقّب مصطفى أنه يحب قيادة طائرة “الأنطونوف” الروسية عندما يكبر، وهي أكبر طائرة في العالم!
نجح الطفل في الامتحان العفوي بجدارة، خاصة عندما تطرق الحديث إلى حوادث الطائرات وأسبابها،
وبالفعل صار الولد الذكي تلميذاً في مكتب عيتاني، يتعلم طريقة تركيب الطائرات الصغيرة، ويتزود بالمزيد عن عالم الطيران، إلى أن صنع طائرته الخاصة بيديه، وحجمها كان أكبر منه.
دخوله موسوعة “غينيس”
ويردف قائلاً “مرّت الأيام، عند عمر الـ 10 سنوات، تعرّف فيها مصطفى إلى المدربين سليمان مهنا وصلاح عيدو، ضمن محاضرة لتعليم الطيران، فلفت الحضور باجاباته ومشاركته، لدرجة أنه استدعي للمشاركة في جولة ميدانية لمشاهدة الطائرات عن كثب والتعامل معها، مع Beirut Wings وهنا طلب الكابتن المهنا إلباسه قميصاً مع شارتين على كتفيه في دلالة على معلوماته الوافية، قبل أن يتبناه في شركة Premium Aviators ليعلّمه دون مقابل”.
كانت نتائج الطفل 100%، وحتى في طيرانه الأول جوياً لم يشعر بالخوف، وكان يتعامل مع الطائرة برشاقة ودراية لكن كل ذلك لا يخوّله الحصول على شهادة طيران بسبب عمره الذي لم يبلغ الـ 18 عاماً وفق شروط الطيران في لبنان (وقبرص)، حتى أن موسوعة “غينيس” العالمية اهتمت بانجازه، لكنه لم يدخل فيها بسبب عامل العمر.
وهنا لا بد من الإشادة بدور هيئة الطيران المدني في مطار رفيق الحريري الدولي على جهودها للحفاظ على سلامة الطيران ونجاح قطاع النقل الجوي على امتداد السنوات الماضية، ما يعكس، على الدوام، وجه لبنان الحضاري والمُشرق في العالم.
طباعة أول طائرة 3D: في أية جامعة ولدك؟
مع ولوج أزمة كورونا، استفاد الطفل من مكوثه في المنزل، ليصنع طائرة 3D كي يهديها للمهندس عيتاني في عيد ميلاده.
أشهر مرّت قبل انجاز الطائرة، وعندما حان وقت طباعتها وتنفيذها كان لا بد من شركة متخصصة للمهندس يحيى جمول، الذي سأل الوالد عندما رأى المشروع في أي صف جامعي ابنك؟ وسرعان ما فوجىء بالعمر!
كان طلب جمول استدعاء الطفل إلى الشركة ليتأكد، هل نقل الصبيّ رسمة الـ 3D من الانترنت، فكانت شروحاته وأجوبته كافية للاقرار بـ “شطارة” مصطفى، لدرجة أنه رحّب به في شركته لتطوير مهاراته مع المهندسين فيها، وبرز بمعرفته بالكثير من المعلومات التي غابت عمن هم أكبر منه سناً!
يعلّق الوالد “ما يميز مصطفى أنه هو عاشر أناساً تحمل أسماءً كبيرة في هندسة الطيران، والأماكن التي عمل فيها كانت لأشخاص كبار في باع الطيران وفي السن، وهذا ما أفضى إلى إدى صقل ذهنه وطاقته واد معرفته”.
ويستطرد ليقول إن المهندسين الثلاثة (عيتاني – مهنا – جمول) احتضنوا ولدي ودربوه وعلموه دون مقابل، يبدو لأنهم آمنوا أن لديه ما يستحق العمل عليه، في رسالةٍ إلى ضرورة احتضان الطاقات”.
التنير – الظاهرة الفريدة، هو – وفق معرفتي خلال إعداد التقرير الصحافي الأول الذي يتناوله – “جوهرة إبداع” عربية لبنانية، بسبب عقله المميز، وتفكيره الذي يسبق عمر، ودراساته المتفوقة و ابتكاراته العديدة، وهو يستحق المتابعة الحثيثة من شتى المراجع وخاصة الرسمية منها، وهو يؤكد أن في معدن الأطفال العرب – علماء المستقبل ،طاقات هائلة تجعل بلادنا في مصافِ أهم الدول.. لو قدّر لهم ذلك!
عبدلله ذبيان – كواليس