سهول وبلدات الجنوب اللبناني… غادرها سكانها فدخلها السارقون

صدى وادي التيم-لبنانيات/

كأن لم يكفِ مزارعو مناطق جنوب لبنان، الواقع معظمها في دائرة الحرب المستمرة منذ ستة أشهر متتالية، ما تعرضت له المواسم الزراعية على اختلافها، من حرائق واسعة ناجمة عن القصف الإسرائيلي، لا سيما بقذائف الفوسفور الحارقة، أتت على مساحات كبيرة من بساتين الزيتون وأحراج السنديان وغيرها من أشجار الفاكهة، إلى الزراعات الموسمية التي داهمها الوقت ولم تزرع، أو النضج ولم تقطف، أو أصابها التلف بعيداً من الرعاية والعناية والري، حتى بدأت تتكاثر في الآونة الأخيرة عمليات السطو على البساتين والمشاريع الزراعية وسرقة ثمارها.

مصائب قوم عند قوم فوائد؟

فقد وقعت منذ نحو أسبوع أكبر عملية سطو على بساتين الأفوكادو في منطقة الزهراني التي تعرضت منذ مطلع السنة الجارية إلى عديد من الغارات الإسرائيلية، سبقتها غارة كانت الأولى على منطقة الزهراني عندما استهدفت الطائرات الإسرائيلية شاحنة في داخل أحد بساتين الموز قرب الساحل اللبناني في 11 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي ما أدى إلى تدميرها واحتراقها وتلف مئات الأشجار. وبحسب المزارعين فإن كمية الأفوكادو المسروقة بلغت عشرات الأطنان، أي بما يوازي مئات الآلاف من الدولارات.

وفي مختلف مناطق الجنوب، لا سيما في قرى المواجهة والبلدات الواقعة على خط نار الحرب، وقعت أكثر من عملية سطو شملت مواسم الزيتون والأشجار المثمرة، وطاولت بعض عمليات السرقة أثاث بيوت مهجورة من أصحابها بسبب القصف، وبعض الممتلكات الخاصة.

ويشير أحد كبار مزارعي الأفوكادو في منطقة الزهراني محمد حجازي إلى “أن سرقات عدة باتت ملحوظة في الآونة الأخيرة، ومتصاعدة، خصوصاً بسبب الوضع الأمني المتدهور منذ نحو ستة أشهر. لكن اللافت في الأمر، وكأن السلطات اللبنانية لا تريد توقيف هؤلاء السارقين أو اعتقالهم، أو لديها أولويات أخرى”.

وأعلنت مديرية التوجيه في الجيش اللبناني بتاريخ 12 آذار (مارس) الجاري في بيان، “أن دورية من مديرية المخابرات أوقفت في بلدة عيتا الشعب (بنت جبيل)، اللبناني (ح. ز.) لقيامه بأعمال السرقة. وبحسب البيان، فإنه بالتحقيق معه اعترف أنه بتواريخ مختلفة وبعد نزوح أهالي البلدة أقدم على الدخول إلى عدد من المنازل غير المأهولة منذ بداية الحرب وسرقة محتوياتها وإضرام النيران فيها. وقد ضبطت بحوزته كمية من المسروقات إضافة إلى دراجتَين ناريتَين”. مع الإشارة إلى أن عيتا الشعب تتعرض بشكل يومي للقصف على أنواعه ولغارات الطيران الحربي الذي دمر فيها عشرات المنازل والمواسم الزراعية.

وفي مطلع شباط (فبراير) الماضي أقدم مجهولون على سرقة كمية من المجوهرات ومحتويات خزنة حديدية من أحد منازل بلدة الطيبة (مرجعيون) التي نزح معظم سكانها بسبب الحرب المشتعلة على الحدود.

يشكو العديد من مزارعي البلدات الجنوبية من اعتداءات نهب وقعت على مواسمهم الزراعية، إذ استغل مجهولون نزوح الأهالي من بلداتهم وغياب الحراسة عن البساتين الكبيرة بسبب الوضع الأمني القائم، وقاموا بسرقة ثمار الموز والأفوكادو والزيتون والحبوب المعلقة وغيرها من الثمار.

ووصفت بعض أعمال السطو “بالقليلة إذ لم تتعدَ صناديق محدودة قد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة” بحسب المزارع أحمد زهران من كفرشوبا الذي أشار إلى “أن البعض قطف كميات قليلة جداً، عدة أقفاص، لا يمكن وصفها بالسرقة، فلربما كان يريد إطعام أولاده وسد جوعهم في ظل هذا الوضع الأمني الذي نعاني منه منذ ستة أشهر متتالية، إن صناديق قليلة وغير متكررة لا تصنف سرقة”.

مغامرة زراعات جديدة

ويشير إلى “أن لا مواسم زراعية قائمة في أيامنا هذه” ويردف: “المواسم الزراعية المفترضة في الأشهر الثلاثة الأخيرة من العام الماضي، وخلال شهرين من العام الحالي انتهت، وخسارتنا فيها كبيرة جداً. لذلك زرعنا مواسم جديدة، منذ شهر ونصف الشهر، من بطيخ وشمام وفول وبازلاء ولوبياء، يفترض أن تعطي نتائجها ثماراً إلى الأسواق والبيوت في منتصف مايو (أيار) المقبل، ويحتاج جلها إلى ري كونها مزروعة على شكل أنفاق ومغطاة بمادة النايلون”.

يؤكد زهران “أن المشاريع التي كانت قائمة بين كفرشوبا والحقول المحيطة، زرعت حقولها بالكامل لهذا الموسم، لكن نأمل بأن تتوافر الظروف المناسبة كي نتابع ونقطف في موسم القطاف وموعده، فنحن نقوم بكل هذا تحت الخطر المتواصل منذ عدة أشهر”.

يأسف زهران لما وصل إليه وضع سهل الوزاني القريب من منطقة كفرشوبا “وكان يغطي السوق المحلية وسوق التصدير بمحاصيل زراعية متنوعة وبكميات كبيرة، لكنه بقي هذا الموسم الأخير من دون زراعة، بسبب ما يتعرض له المزارعون كلما تحركوا في حقول السهل لوابل من الرشاشات الثقيلة من المواقع الإسرائيلية المطلة على الوزاني وجوارها”.

الحرب هجرت مواسم الوزاني

تشكل الزراعة عصب الحياة في الوزاني وسهلها، إذ تتجاوز المساحات الزراعية فيها ثمانية آلاف دونم (الدونم ألف متر مربع) تتنوع محاصيلها الزراعية وتغطي السوق المحلية في المناطق اللبنانية القريبة والبعيدة والعاصمة بيروت وبكميات تساهم في توازن السوق وفي انخفاض أسعار الخضار والفواكه، وتأتي زراعة البطيخ في الطليعة. “لكن منذ اندلاع المواجهات في المنطقة الحدودية في الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والزراعة شبه متوقفة، بسبب ما تتعرض له هذه البلدة وحقولها من قصف مدفعي ورمايات رشاشة من المواقع الإسرائيلية القريبة جداً من قريتنا، في الغجر والجوار”، هذا ما يؤكده رئيس بلدية الوزاني أحمد المحمد الذي أصيب جراء هذا القصف.

ثمة عامل آخر برأي المحمد ساهم في توقف الزراعة في السهل يعود إلى “أن المستثمرين الزراعيين فيه ليسوا من بلدتنا أو أبناء الجوار، بل أتوا من البقاع بعد تحرير المنطقة في عام 2000، وحولوا هذه الأرض التي كانت بوراً إلى أرض خضراء عامرة بالمواسم، وتعتمد الزراعة فيها على اليد العاملة السورية بشكل رئيس”. 

ويضيف المحمد: “لكن الحرب دفعت بكل العمال الزراعيين من لبنانيين وسوريين في منطقة الوزاني إلى مغادرتها، ما أدى إلى نقص حاد في اليد العاملة، وهذا أدى بدوره إلى عدم زراعة عديد من المواسم، لا سيما مواسم الحشائش والخضار، ما يعني أن السوق اللبنانية التي كانت تعتمد على إنتاج هذه المنطقة بعد فصل الشتاء مباشرة، ستشكو من النقص الحاد وغلاء الأسعار في الفترة المقبلة”.

خسائر لا تحصى

ألزمت الزراعة في حقول كفرشوبا عديداً من المزارعين ألا يغادروا قريتهم الواقعة في أعلى المنطقة التي تطلق عليها تسمية “العرقوب”، القريبة من مزارع شبعا وجبل الشيخ، وكانت منذ أواخر الستينيات وطوال فترة السبعينيات والثمانينيات منطقة مواجهة بين الفصائل الفلسطينية وعديد من الأحزاب اليسارية اللبنانية التي كانت تنتشر في العرقوب وبين الإسرائيليين. وكانت كفرشوبا وجوارها دائمة التعرض للقصف المدفعي وغارات الطيران الحربي، لكن ذلك لم يمنع أبناءها، وجلهم من المزارعين من الاستثمار الزراعي في بساتين الزيتون الشاسعة التي تعتبر الأوسع مساحة في الجنوب وتتجاوز أشجارها 80 ألف زيتونة، منها زيتونات معمرة، وبساتين الكرز والخوخ والدراق وعديد من أشجار الفاكهة التي تحتاج إلى طقس بارد شتاء وربيعاً، على ارتفاع يتراوح بين 1200 و1500 متر عن سطح البحر، فضلاً عن تربية الماشية.

يقول المزارع خيرالله عبد العال: “خسائر الناس في كفرشوبا لا تعد أو تحصى، لقد ترك أصحاب البساتين موسم الزيتون على أمه وما جنوه لم يتجاوز 30 في المئة، من البساتين والأشجار القريبة فقط من البيوت ووسط الضيعة، لكن البساتين التي تشكل موسم الإنتاج للأهالي خربت على أمها، ومعها طار موسم الزيت، إذ لا يقل إنتاج كل بيت في كفرشوبا عن 30 أو 40 تنكة زيت، وتصل بعض العائلات في إنتاج الزيت إلى أكثر من 200 تنكة”.

الكرز في دائرة الخطر

ويؤكد عبد العال “أن ما حصل على مدى ستة أشهر من الحرب حرمنا من زراعة الحنطة (القمح) والبصل والثوم والفول والعديد من المواسم التي كان يفترض أن نقطف محصولها في مايو المقبل”. وتمنى أن تتوقف الحرب “كي نحصل موسم الكرز، يكفي أننا لم نشذبه أو نرشه بالمبيدات الحشرية، وإن لم تتوقف هذه الحرب، يعني أن موسم الكرز هو الآخر في مهب الريح”.

في عام 2000 وبعد عودة معظم الجنوبيين إلى بلداتهم وقراهم، تحولت المنطقة الحدودية المعروفة بالقطاع الشرقي، إلى منطقة زراعية بامتياز، ومنها سهول وحقول الوزاني، سهول الماري والمجيدية وسرده والعمرة إضافة إلى سهل الخيام – مرجعيون وسهل “الوطى”، إذ تُقدر المساحات المزروعة بأكثر من 30 ألف متر مربع، فازدهرت، وباتت تشكل حيزاً أساساً من أمن لبنان الغذائي، إذ ترفد هذه السهول الأسواق اللبنانية كافة بأكثر من 30 في المئة من حاجته إلى الخضار والفاكهة حتى قبل شهرين من نضوج زراعات سهل البقاع وغيرها من زراعات منطقتي الهرمل وعكار.

وكان برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قد أشار في تقرير سابق مطلع السنة الحالية، إلى أن “أكبر الخسائر لحقت بالقطاع الزراعي، الذي يشكل 80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي”. وأفاد التقرير الأممي بأن جنوب لبنان “يساهم بنحو 21.5 في المئة من إجمالي المزروعات، ويشكل القطاع فيه مصدر دخل رئيسياً للعديد من الأسر”.

المصدر: كامل جابر-independent عربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!