زعتر الجنوب ينافس التبغ ويواجه التهريب والحرب والإهمال

صدى وادي التيم – لبنانيات /

لم يكن الجنوبيّون يحتسبون يومًا، أنّ مؤونتهم من الصعتر البرّي الذي يعتبر من أولويات التموين البيتيّ، ستتكئ على زراعات “بستانيّة” محلّيّة بديلة تنمو وتزهر وتُربّى في حقول المزارعين، بعدما كان مداهم في قطافه وجمعه، التلال والسهول والحقول البرّيّة المترامية بين مشارف القرى وأحضانها.

منذ ربع قرن، بدأت “بستنة” الصعتر تنتشر في العديد من المناطق الجنوبيّة كزراعة بديلة، ساهم بذلك تراجع زراعة التبغ من جهة، وسعي المزارعين نحو زراعات دائمة وبجهد أقلّ، تدرّ عليهم استحقاق تعبهم، وتساعدهم في معيشتهم بعد معاناة طويلة مع زراعة التبغ التي لم يتذوّقوا من تعبها إلّا كلّ طعم مرّ.

ومن جهة ثانية تعرّض التلال والحقول التي كان ينمو فيها الصعتر البرّيّ وينتشر للقصف الإسرائيليّ المستمرّ أكثر من ربع قرن ما حرمهم من الوصول إليها، ناهيك عن الدعم بالإرشاد والبذور والشتول المقدّم بعد التحرير سنة 2000 من جمعيّات وهيئات دوليّة، شجّعت تدجين الصعتر.

نبتة الزعتر
تدجين الصعتر لانحسار البرّيّ

ثمّة عوامل عديدة أخرى لعبت دورًا سيّئًا في انحسار انتشار الصعتر البرّيّ على طبيعته السابقة، أهمها فوضى القصّ والقطع والهجمة التجاريّة الغوغائيّة واقتلاع النباتات من جذورها، بينما كان الأهالي يقدّرون سابقًا الوقت المتاح لجمعه وقطف أوراقه وتجفيفها، ثم نفضها ودقّها لتتحول مع مجروش السمّاق وحبيبات السمسم والملح الخشن، سيّدة الفطور ونكهة “مناقيش الزعتر” و”عرايس” (سندويشات) تلامذة المدارس إذ تمدّهم بالنشاط ووافر الذاكرة، لا سيّما قبل الذهاب إلى الامتحانات.

صعتر و”سعتر”، والمتداولة بين العامّة من الناس “زعتر”، لذا سنعتمد التسميّة الشعبيّة كيّ يبقى النصّ في السياق المحلّيّ والمتعارف عليه، ولا ضير من استخدام الكلمة الفصحى في أماكن الضرورة.

يعرف الزعتر العاديّ بالزعتر البستانيّ إذ إنّه يُزرع في حدائق المنازل والحقول القريبة، ويُعتنى به وقد يُسقى بالماء، وتكون أوراقه عريضة ورائحته زكيّة. أمّا الزعتر البرّي، فينبت في الطبيعة وحده، خصوصًا في المناطق الوعرة والجبليّة، وتكون رائحته أقوى من رائحة الزعتر البستانيّ، وهو ذو فائدة أكبر من العاديّ لأنّه (العادي) يُروى ويُسمَّد وتُضاف إليه المواد الكيماويّة، فضلًا عن أنّ أوراق البرّيّ “إبريّة” بعض الشيء، ولونه يميل إلى الأخضر الفاتح بينما يكون البستانيّ أخضر غامقًا.

زعتر زوطر

“بدأنا في سنة 2000 زراعة الزعتر في زوطر، ولمّا نزلْ نستثمر في هذه النبتة وشغلها وتطويرها” يقول رئيس “الجمعيّة التعاونيّة الزراعيّة لتصنيع النباتات العطريّة والطبّيّة في زوطر الشرقيّة وجوارها” المزارع محمد حنجول “أبو قاسم” ويعزّز تعريف التعاونيّة بماركتها المسجّلة “زعتر زوطر”.

ويضيف في حديث طويل إلى “مناطق نت”: “أضحى لنا من خلال زعتر زوطر زبائن وأصدقاء ليس على مستوى الجنوب فحسب، بل على مستوى لبنان. وزعتر زوطر ماركة مسجّلة ولا أحد يستطيع أن يتلاعب بها، حتّى إن كلّ شتلة قد تسمع عنها في لبنان أساسها من زوطر، من البذر إلى الشتلة فالغرسة، أو بمعيّة خبرتنا كإستشاريّين وأصحاب تجربة ومعلومات”.

ويشير حنجول إلى أنّ مزراعي الزعتر “يصنعون اليوم أجيالًا من الاستثمار بالزعتر، نربّي عيالًا ونجحنا في تعميمها بنسبة 80 بالمئة، ولدينا اليوم في لبنان أكثر من عشرة آلاف دونم مزروعة زعترًا، من أقصى عكّار إلى القاع وصولًا إلى الناقورة”.

تتفاوت في زوطر الشرقية وكذلك في زوطر الغربيّة الملاصقة، الكمّيّة المنتجة بين عام وآخر، بفعل الطقس والمطر. ففي الزوطرين هناك ما بين عشرين إلى خمسة وعشرين ألف متر مربّعة مزروعة بنبتة الزعتر، ويعطي الدونم الواحد بحسب إجماع المزارعين أكثر من 200 كيلوغرام في الموسم الواحد، ما يعني إنتاجهما (الزوطرين) نحو خمسين طنًّا سنويًّا من الزعتر الجاهز للاستخدام والطعام.

الزعتر بأدنى كلفة وجهد

إنّ ما ينتجه لبنان من هذه الزراعة البديلة لا يكفي الطلب عليه في السوق المحلّيّة، ثمّة نقص كبير في الإنتاج، “ونعرف ذلك من الكمّيّات الهائلة المهرّبة من سوريّا إلى لبنان عبر المعابر غير الشرعيّة، إذ تحمل كلّ شاحنة أو قاطرة ما لا يقلّ عن 25 طنًّا من الزعتر، ويدخل نحو أربعة “كونتنرات” أسبوعيًّا قادمة من سورّيا وتركيّا والأردنّ” يقول حنجول.

المزارع محمد حنجول

ويعتبر حنجول زراعة الزعتر “من الزراعات الفضلى، فهو غير محكوم لأيّ شركة أجنبيّة أو مرجعيّة محدّدة، كإدارة حصر التبغ والتنباك مثلًا، ولو صُرفت التكلفة التي يتكبّدها مزارعو التبغ على زراعة الزعتر، من المؤكّد أنّ أرباحهم ستفوق سبعة أضعاف، وربّما عشرة أضعاف، ونحكي هنا عن تكلفة الحراثة وزراعة الشتول ثمّ الغرس والريّ والمتابعة والقطاف اليدويّ والشكّ والنشر وغيرها الكثير من احتياجات موسم التبغ طوال 14 شهرًا، إذ يدخل الموسم في الموسم. أمّا الزعتر فلا يحتاج إلى كلّ هذا الجهد والتعب اليوميّ، وموسمه في تصرّف صاحبه، يبيعه متى يشاء”.

يشار إلى أنّ سعر كيلوغرام التبغ المسلّم للريجي لا يتجاوز خمسة دولارات أميركيّة، للجيّد منه، والمزارع مُلزم بتسليم كمّيّة محدّدة مسموح له بها ولا يمكن تجاوزها؛ بينما “أقل كيلوغرام جودة من الزعتر ثمنه أربعة دولارات، والجيّد منه يصل إلى عشرة دولارات. لكن ثمة مزارعين مصرّون على عدم مغادرة زراعة التبغ نحو الأفضل” بحسب حنجول.

ويلفت إلى “كمّيّة جيدة من الزعتر بدأ ينتجها مزارعو بلدة عدشيت (النبطية) المشهورة بزراعة التبغ منذ أمد طويل وتضاهي بها جميع بلدات وقرى منطقة النبطية. في عدشيت اليوم أكثر من ستّين دونمًا باتت تنتج الزعتر ما بين 200 كيلوغرام و300 كيلوغرام للدونم الواحد، وكلّما كان الاهتمام أكثر سيكون الإنتاج أكثر، والاهتمام هنا وفق حنجول: “يتعلّق باختيار الأرض الصالحة للزراعة وبإزالة الأعشاب من الحقل بعد مواسم المطر، وبعض الريّ والتشذيب، والأهمّ من كّل ذلك القطاف في مواسم القطاف، أيّ قطع الزعتر وقصّه بعد يباس زهره”.

ديمومة وإنتاجيّة من ربع قرن

تصحّ التربة البيضاء أكثر من التربة الحمراء لزراعة الزعتر، والبيضاء أفضل لأنّها برأي المزارعين شبه كلسيّة وتحتفظ بالرطوبة وتختزن المياه، بينما التربة الحمراء تتشقّق في مواسم الجفاف وتتفتّح إذا امتنع الريّ عنها أو قَصُر، ما يعرّض جذور النبتة للهواء والحرارة فتجفّ ثم تيبس.

يقول حنجول: “بإمكان حقل مساحته دونمًا واحدًا استعياب زراعة ثمانية آلاف نبتة زعتر، وفي الزوطرين ثمّة مائتي ألف نبتة صالحة للإنتاج، وهذا يعني أنّ نحو 80 مليون نبتة زعتر مغروسة باليد العاملة موزّعة على الأراضي الزراعيّة المعتمدة في لبنان. ويمكن للتوجيه الزراعيّ لو التزمته الدولة اللبنانيّة ووزارة الزراعة وشجّعتا زراعة الزعتر، رفع نسبة الإنتاج، وثمّة إمكانيّة لاستيعاب الكمّيّات المنتجة في الاستهلاك المحلّيّ والأسواق الداخليّة وكذلك في التصدير إلى الخارج”.

حقول زعتر في زوطر

يُجمع المزارعون أنّ الزعتر نبتة دائمة الحياة إذا ما نالت الحماية والعناية اللازمتين، “فنحن زرعنا أوّل حقل زعتر في زوطر منذ ربع قرن تقريبًا، ولمّا يزل ينتج في سياقه الطبيعيّ، طالما أنّ الاهتمام والتنظيف والقطاف تجري في أوقاتها الطبيعيّة. الزعتر لا يشيخ أو يعجز طالما تتجدّد حياته بالقصّ والقطاف، فيموت الغصن ليولد آخر جديد، وهكذا تغدو النبتة من موسم إلى موسم وكأنّها تولد من جديد” والكلام لحنجول.

بحسب تجربته ومزارعي زوطر لم يجد حنجول ورفاقه ضرورة لتبديل نبتات الصعتر كلّ خمس سنوات أو ستّ عملًا برأي المهندسين الزراعيّين، وبرأيه “إذا حافظ المزارع على حقله ونبتاته بالعناية والقطف، ليس بحاجة إلى أن يزرع شتول جديدة في كلّ موسم، فقط في حالة رغبته في زيادة الأغراس والإنتاج”. ويؤكّد أنّه منذ سنة 2000 لم يجدّد نباتات الحقل “ولم التزم بآراء المهندسين الزراعيّين؛ ولو تراجع الموسم أو ازداد إنتاجه، فهذا منوط بعوامل المطر الطبيعيّ والكمّيّات الهاطلة والمناخ، مع العلم أنّه يمكن معالجة الجفاف بالريّ”.

الزعتر بمواجهة الخطر الإسرائيلي

يمكننا الجزم أنّ الحروب التي مارستها إسرائيل على جنوب لبنان منذ سنوات طويلة أثّرت في مختلف المواسم الزراعيّة وإنتاجيّة الحقول، لا سيّما تلك التي تعرّضت للقصف بالفوسفور الأبيض وسببت تسمّم تربتها إلى سنوات عديدة.

لقد تركت الحروب الإسرائيليّة هذه آثارها السيئة الواضحة على الزراعة ككلّ، والزعتر واحدة منها. وأسوأ ما يحصل هو الاستخدام المفرط من العدو للقذائف الفوسفوريّة التي يطلقها باتّجاه حقولنا وسهولنا، وهذه الآثار لا يمكن تلمّسها بالمعاينة واليد، “بل نكتشفها في المختبرات، إذ إنّنا عندما نذهب لفحص منتوجنا بغية تصديره إلى الخارج، وبعد كلّ هذا التعب والجهد والكلفة، نكتشف أنّ موادّنا غير صالحة للأكل والاستهلاك بسبب الفوسفور الأبيض، المتغلغل في التربة، وليس بالضرورة أن يكون من أشهر قليلة مرّت، ربّما من سنوات” يقول حنجول.

ويأسف لعدم قيام الدولة اللبنانيّة، ممثّلة بوزارة الزراعة، بعمليّة تقييم الحقول الزراعيّة قبل غرسها، “لا بل نجدها تسارع إلى تلف محصولنا وحرقه لو تبيّن الضرر فيه، في فحص المختبرات”. ويعتب إذ إنّها لا تشتكي على العدو الذي سمّمها وجعلها في دائرة الخطر، “كما لا تقوم بأيّ تعويض على المزارع تلَفَ منتوجه. دولتنا تدمّرنا أكثر ممّا ترعانا، دمرتنا في المصارف وأكلت وإياها مدّخرات العمر واليوم تدمّرنا بتجاهلها لصحّتنا”.

والأخطر من ذلك، “أنّ هذا المنتوج قد يُستهلك محلّيًّا، في بيوتنا ومطاعمنا، ونحن لا ندرك أنّ موادّ سامّة تغلغت إليه، كونه لم يعرض على المختبرات قبل توزيعه محليًّا، لذلك حالات الإصابة بالسرطان طاغية ومنتشرة في بلداتنا وقرانا، ولا أعني هنا منتوجًا بحدّ ذاته، إنّما في سياق التخوّف والقلق من قذائف الفوسفور الأبيض الذي لم ينفك عدوّنا يقصفنا بها ويزرعها في حقولنا”.

الجنوب الحدوديّ بلا زراعة

تهّدد الحرب موسم الزعتر لهذه السنة في القرى الحدوديّة الجنوبيّة فيما لو استمرّت إلى أبعد من شهرين قادمين، ويغدو معرّضًا إلى التلف. وقد سبق للمزارعين الجنوبيّين في المناطق المتاخمة لحدود فلسطين المحتلّة، أن خسروا مواسمهم الزراعيّة، من الزيتون إلى الزراعة الموسميّة التي تبدأ في الخريف ومطلع السنة، والحنطة والتبغ وغيرها، وكذلك خسروا مواشيهم ودواجنهم بعدما باعوا ما سلم منها بأبخس الأثمان لعدم توافر مزارع الإيواء والاستغلال التجاريّ.

يكاد الجنوب الحدوديّ اليوم أن يكون بلا زراعة. ويعتبر حنجول هذا الأمر “أخطر من خسائره بالأرواح التي مني بها جرّاء هذا العدوان والبيوت التي دمرها القصف، إذ إنّ الزراعة هي الروح الدائمة التي يحتاجها كلّ جنوبيّ كي يواصل الحياة”.

قضت الاعتداءات على معظم المواسم، من الخريف مرورًا بالشتاء وصولّا إلى الربيع وقد بات على الأبواب. ومن يعد إلى بيته عندما تهدأ الحرب، فلن يجد نبتة أو ماشية أو بقرة أو طيرًا وغيرها، ما يعني أنّ غذاءه ومصادر معيشته كلّها في مهبّ الريح ويحتاج إلى وقت طويل للتعويض إذا ما استطاع إليه سبيلّا، و”لن ننسى أنّ هذا المجتمع هو مجتمع زراعيّ، ومعظم أبناء الجنوب يعتمدون عليه كوسيلة للحياة والإنتاج” يقول رئيس ومؤسّس الجمعيّة التعاونيّة الزراعيّة لزراعة الأعشاب الطبّيّة والعطريّة في منطقة بنت جبيل وعيترون حسين سلامي.

وبحسب سلامي في اتّصال مع “مناطق نت”: “إذا تأخّرت الحرب إلى شهر أيّار/ مايو، أو حزيران/ يونيو، سيعاني الموسم كثيرًا من أضرار الأعشاب، فيما لو لم يتسنَّ للمزارعين إزالتها قبل نضوج الموسم، إذ إنّ الأعشاب لو تُركت فهي تنافس نبتات الصعتر على الغذاء والماء، وتحرمه من النموّ السليم، وهذا ما يجعل إنتاجيّته رديئة”.

وثمّة مشكلة أخرى، في زعتر عيترون والجوار تقلّل من صموده، يعزوها سلامي إلى “أنّ التربة حمراء في عيترون، وهي من دون ريّ لا تنتج ثلاثة مواسم، إذ تحتاج هذه التربة إلى ريّ دائم، وإذا ما لجأنا إلى شراء الماء فتصبح هذه الزراعة من دون جدوى اقتصاديّة، لذلك نحن نتّكل على قطع واحد في السنة، وهذا ما يهدّد موسمه لهذه السنة لو أُهمل أكثر، ولن يعطي الدونم الواحد أكثر من مئة كيلوغرام، وربّما أقلّ”.

الزعتر صيدليّة وغذاء كلّ بيت

“من يقتنِ الزعتر في بيته لن يحتاج إلى صيدلية ودواء” عبارة يردّدها محمد حنجول باستمرار ويضيف: “هي زراعة متينة وصلبة ولا يوجد بيت في جنوب لبنان إلّا ومؤونته من الزعتر لا تقلّ عن أربعة أو خمسة كيلوغرامات. نحن توارثنا فكرة أنّ التلميذ الذي يذهب إلى المدرسة يحتاج إلى سندويش من الزعتر تساعده على استحضار الذاكرة في الامتحانات. ومنقوشة الزعتر اللبنانيّة تتمتّع بشهرة عالميّة. والزعتر بذاته مادّة طبّيّة، وأوراقه المغليّة بالماء تساعد على تدارك العديد من الأمراض والأوجاع الطارئة والسعال وغيرها”.

لا يغطّي إنتاج الزعتر في لبنان نسبة ثلاثين بالمئة من حاجة السوق إليه، وتستهلك منقوشة الزعتر أكثر من عشرين بالمئة منها، لذلك يعوّض التهريب النقص الحاصل. “وعندما تصبح المواد المهرّبة من الزعتر السوريّ والتركيّ والأردنيّ في الأسواق اللبنانيّة وفي غياب الدولة، يتمّ التعامل معها كمنتوج محلّيّ لبنانيّ يتاح بيعه وتصديره إلى الخارج، خصوصًا بعد دخوله إلى المطبخ الأوروبّي، والخوف هنا من جودة الخليط التي لن يكتشفها إلّا أصحاب الخبرة، ومعظم بيوتنا اللبنانيّة تتمتّع بهذه الخبرة المتوارثة منذ الصغر” والكلام لحنجول.

تعاونية زوطر والجوار

أسّس مزارعو زوطر والجوار “الجمعيّة التعاونيّة الزراعيّة لتصنيع النباتات العطريّة والطبّيّة في زوطر الشرقيّة وجوارها وعلامتها التجارية “زعتر زوطر” سنة 2013. هي التعاونيّة الأنشط في الجنوب ومادّتها الأساس فيها هي تصنيع الزعتر والتي تحمل الرقم واحد.

تحدّد التعاونيّة وحدها سعر الكيلوغرام الواحد من الزعتر في منطقة النبطية، للمنضوين في إطارها. يقول رئيسها “أبو قاسم” حنجول: “لو عاد الأمر إليّ كفرد واحد لن أبيع الكيلوغرام أقلّ من عشرة دولارات، لكنّ التعاونيّة حدّدت سعر الكيلو في الموسم الحالي 2023- 2024 بستّة دولارات ونصف الدولار للجملة والمفرّق، إذ من غايات جمعيّتنا دعم المجتمع المستهلك”.

ويلفت إلى أنّ العمل بهذا السعر “ينتهي مع نهاية حزيران/ يونيو 2024، إذ ينطلق الموسم الجديد، ربّما نعود إلى السعر عينه، قد نرفع أو نخفّض، إذ إنّنا نحتسب الكلفة والخدمة واليد العاملة ونضيف إليها أرباحًا قليلة”.

لمنع التهريب

لا تريد التعاونيّة ومزارعوها من الدولة اللبنانيّة سوى ضبط الحدود من التهريب العشوائيّ، وإجراء إحصائيّة وطنيّة حول انتشار الزعتر وإنتاجيّته، وأن تخلق التوازن في السوق اللبنانيّة.

يختم حنجول: “يجب عدم دخول الكمّيّات المهرّبة الكبيرة لكي لا تحرق السوق، فالبضاعة السوريّة تدخل اليوم إلى لبنان بأقلّ من دولارين اثنين للكيلوغرام الواحد، بينما تبلغ الكلفة المحلّيّة أكثر من أربعة دولارات، وهذا يضرّ بإنتاجنا في الداخل والخارج ويضْرُبه. المستهلك اللبناني يميّز طعم زعتره بخبرة يكتسبها منذ الطفولة، لكنّ السوق الأوروبّيّة تتعامل مع منتوج جديد قد تلفظه ظنًّا منها أنّه الأجود والأفضل”.

الزعتر بديلاً ناجعًا

كان أحمد عيسى من زوطر الشرقية يعمل ورّاقًا قبل أن ينحو باتجاه الزراعة؛ واختار الصعتر كنبتة بديلة عن مشقات الزراعات الأخرى، “لا سيّما زراعة التبغ التي استهلكت فلّاحي الجنوب، تعبهم وكدّهم ولقمة عيشهم التي أكلوها مُرّة مدموغة بسموم التبغ و”نيكوتينه” ومجاراته مدّة 14 شهرًا كاملًا، فتتداخل المواسم ولا تنتهي” يقول.

اختار عيسى زراعة الصعتر، ويقول لـ”مناطق نت”: “بدأتُ مساعدًا لأبي قاسم حنجول، سنة 2010، حتّى أتت سنة 2017 فزرعت حقلًا مساحته دونمين اثنين، بنحو 16 ألف غرسة صعتر، أسعى من خلالها لإنتاج نحو 400 كيلوغرام، إذ إنّ الدونم الواحد في الموسم الجيّد غير المتعثّر يفترض أن يعطي 200 كيلوغرام صافية، مع الأخذ بعين الاعتبار الطقس وظروف الحقل ما قد يُذهب بنحو اثنين بالمئة من الشتول”.

ربّما تموت النبتة بسبب عطش الأرض وتفسّخها ما يفتح جذورها على الهواء فتيبس، وبالمقابل، فإنّ نبتة الصعتر سريعة التجدّد والتفريخ لو افترقت عن أساسها وعن النبتة الأمّ وبَلَغَها الماء.  “والمعروف أنّ الزعتر لا يحتاج دورة حوليّة لكي يُظهر إنتاجه، بل يبدأ بعد شهرين تقريبًا بتفريخ الورق المؤهّل للأكل والمضغ. لكن ثمّة كلفة على خدمة الحقل وتشذيبه في فترات محددة، كتنظيف الحقل المزروع من الأعشاب الطارئة التي تنبت بين الشتاء والربيع” يضيف عيسى.

المزارع أحمد عيسى

يبدأ قطاف الصعتر الناضج بين مطلع حزيران/ يونيو والعاشر منه، بعدما يكون قد أزهر ويبس زهره متحوّلًا من زهر أبيض إلى أسود. لكن وفق عيسى: “إذا سبق قطاف الزعتر إزهاره ستكون النتيجة زعترًا ناعمًا كالغبار، إذ هناك من يقطف في شهر نيسان/ أبريل من البراري، ويبدأ بالقطع، لذلك نجد أن هذا الأمر مسيء للنبات ويتسبّب في موته، وهذا ما جعلنا نفقد مساحات واسعة من الزعتر البرّيّ في الحقول والتلال الجنوبيّة، وما كان ينتجه كلّ بيت تقريبًا”.

الصعتر من الزراعة إلى البيت

في الحقول الجنوبيّة إن حصلنا على بذور نبات الصعتر في شهر تمّوز/ يوليو، نبدأ بتهيئة الحقل لزرعها بين تشرين الثاني/ نوفمبر وكانون الأول/ ديسمبر، حيث يكون الطقس رطبًا، في ظلّ عدم وجود خيم مجهّزة في الجنوب لمثل هذه الزراعة، إذ لا يفقس إلّا على درجة حراريّة رطبة ويحتاج إلى ثلاثة أو أربعة أشهر من تاريخ البذر كي ينتبت.

في الحقل، يحتاج الصعتر إلى أربعة أشهر أو خمسة (من كانون الثاني/يناير إلى أيّار/مايو) أو أقلّ ليصبح مزهرًا، ولا يمكن زراعة الجديد منه بعد موسم الإزهار. في منتصف شهر أيار تبدأ الزهور بالظهور. ومن مطلع حزيران/ يونيو إلى آخره، يكون موسم القطع، وتُجفّف الأوراق مع الأغصان المقرّرة للمؤونة من أسبوع إلى عشرة أيّام صيفيّة.

هنا تتمّ عمليّة فصل الأوراق عن الأغصان بالطرق البدائيّة، من خلال الضرب ثمّ “التنسيف” على السدور القديمة، ويصبح بعدها صالحًا للخلط مع السمّاق والسمسم والملح؛ فكلّ كيلوغرام من الزعتر المطحون يحتاج إلى 750 غرامًا من السمّاق، و100 غرام من الملح الخشن، وتضاف على قدرها مجموعة كمّية السمسم (نحو 1800 غرام سمسم).

ثمّة قطفة ثانية في حال الريّ، إذ بعد قطع الأغصان في حزيران، تولد البراعم الجديدة وتنمو حتّى شهر تشرين الثاني بعدما يزهر. وإذا ما استمرّت العناية قد تكون قطفة ثالثة بين كانون الأول/ ديسمبر وآذار/ مارس صالحة للزعتر الأخضر في السلطات. دخلت آلات مصنّعة متواضعة وشبه بدائيّة كعامل مساعد في إنتاج موسم الزعتر وهي: مطحنة زعتر، مطحنة سمّاق ومحمصة سمسم.

انتجت تعاونية عيترون في العام الماضي نحو 500 كيلوغرام من الزعتر. لكنّها كتعاونيّة في عيترون تبيع نحو طنّين اثنين في السنة مجمّعة من مزارعين متفرّقين، بسعر 10 دولارات بالمفرق و7 دولارات بالجملة.

المصدر: كامل جابر – مناطق نت 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!