غاز لبنان ممنوع من الإستخراج

صدى وادي التيم-امن وقضاء/

عندما وُقّع اتفاق الترسيم البحري عام 2022 كُنت من بين قلّة عبّرت عن مخاوف حقيقية، من أن يكون لبنان قد “قدّم كل شيء لأجل لا شيء”، وقد يتحوّل إلى خاسر من الإتفاقية في المستقبل القريب. اليوم يتحوّل لبنان فعلاً إلى خاسر. العدو الإسرائيلي يُنقّب وينتج الغاز ونال فوقها حقل “كاريش”، بينما لبنان ما زال غارقاً في دوامة “توتال” وأخواتها وكذبهم وابتزازهم لبنان في حقوقه. وبعد عامين من إنجاز الإتفاقية المشؤومة، لم يحصد لبنان سوى رمال في “قانا”، وفرار “توتال” من التزماتها تجاهه ولم يغنم سوى وعوداً كاذبة من واشنطن في مجال استجرار الكهرباء والغاز، ليخرج خاسراً بتقنية 3D.

في خطابٍ له يوم 9 حزيران 2022 رأى الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله” أن الثروة (النفط والغاز) ‏الموجودة في المياه هي الأمل الوحيد والمتبقي لإنقاذ لبنان من وضعه الصعب”. في خطابٍ آخر بذكرى القادة الشهداء في 16 شباط 2023، حذّر السيد نصرالله من حصول “تسويف” بموضوع استخراج النفط والغاز من المياه اللبنانية. تقصّد الأمين العام للحزب، التلميح إلى أدوار “توتال” السيئة. لم يكن هذا الخطاب ليأتي دونما امتلاك قيادة الحزب (على معلوماتي) معطيات تفيد بما تقوم به “توتال” من أدوار قذرة.
تحذير نصرالله، دفع بالشركة الفرنسية يومذاك إلى إرسال وفد إلى بيروت لتقصّي مضمون مواقف نصرالله وإلى ماذا يرمي، ثم مرّروا رسائل واضحة أنهم مستعدون للإلتزام بروزنامة مواعيدهم تجاه لبنان. في هذا الوقت كان بعض اللبنانيين داخل مجالسهم يقيمون القيامة على السيد وحزبه لمجرد إزعاجه “توتال”! اليوم وبعد عام تقريباً، أثبتت “توتال” أنها، على المستوى اللبناني، شركة تمتهن التسويف، وما وجودها إلاّ لتنفيذ “أجندة إسرائيلية”، عنوانها ترك الغاز أسير أعماق البحر والإشتراك في مشروع حصار لبنان.

هنا لا بدّ من العودة إلى خطاب “التسويف” وضروراته. والسؤال طالما أننا في جبهة مفتوحة، هل ستذهب المقاومة في وقتٍ ما إلى تطبيق معادلة كان “السيد” من أطلقها في ذلك الخطاب وعنوانها: عدم السماح لإسرائيل باستخراج من “كاريش” في حال التيقّن من وجود تسويف؟

مدعاة هذا الكلام ما أثبتته الأيام الماضية من وقائع في سياق تأكيد تسويف “توتال”.

يوم الجمعة المنصرم كان من المفترض أن يجري توقيع عقدي الإستكشاف والإستخراج في البلوكين 8 و 10 اللذين فاز بهما “كونستوريوم” الشركة الفرنسية بأقلّ من سعرهما، بعدما تقدمت إليهما بشكلٍ آحادي من خلال دورة التراخيص الثانية قبل إقفالها بساعات.

لا أحد يعلم ما هي ذريعة “توتال” لعدم الحضور والتوقيع، علماً أن اتصالات ولقاءات “إفتراضية” جرت بين مندوبين عن وزارة الطاقة والشركة الفرنسية عقد آخرها الخميس الماضي (قبل يوم من موعد التوقيع)، فهم منه أن “توتال” لا تنوي الحضور. مع ذلك، مرّر الحاضرون اقتراحاً للشركة الفرنسية أن ترسل طلباً بالتمديد في حال كان لديها خططاً أخرى.

تؤكد معلومات “ليبانون ديبايت”، أن إمتناع “توتال” عن إرسال وفدها إلى بيروت لتوقيع العقود ترمي من خلاله إلى الضغط على الحكومة اللبنانية التي سبق ان اتخذت قراراً برفض إقتراحات توسيع “مهلة الاستكشاف الأولى” والزمتها الرد على موافقتها على دفتر الشروط اللبناني بمهلة أقصاها منتصف شباط الجاري. تمنع “توتال” عن الحضور، يتيح في اعتقادها فرض تعديلات على دفتر الشروط لمصلحتها.

وكانت “توتال” قد راسلت وزارة الطاقة خلال شهر تشرين الأول الماضي طالبةً إطالة فترة الاستكشاف الأولي لتصل إلى 4 أعوام لغاية عام 2027. ولتبرير ذلك، تذرعت بعدم وجود مسوحات زلزالية ثلاثية الأبعاد في البلوك رقم 8، وأن البلوك 10، ولو أنه يتمتع بأفضلية وجود مسوحات، لكنه يحتاج إلى مزيد من الدرس، مع الإشارة إلى أن موافقتها على التلزيم بداية جاءت ربطاً بدفتر الشروط اللبناني الذي حدّد مدة الإستكشاف بـ3 سنوات (تنتهي مطلع العام 2026).

وكانت “توتال” قد تقدمت باقتراحها هذا لمدة 4 أعوام مقسّمة على عامٍ لتحديد القرار حول المسح الزلزالي ثلاثي الأبعاد، فيما الثلاثة المتبقية للعمل على المسح! وقد غاب مسار الإستكشاف عن الإقتراح كلياً، ما جعل المعنيين بالملف داخل وزارة الطاقة يعتقدون أن موضوع بدء الإستكشافات الفعلية وأعمال الحفر سيطول لغاية عام 2030 على أقل تقدير!

إلى جانب ما تقدم، تقوم “توتال” بمراوغة في شأن الملف المتعلق بتقديم التقرير حول نتائج الحفر في موقع “قانا” داخل البلوك 9. فبعدما كانت وزارة الطاقة في صورة أن الشركة ستقوم برفع تقريرها رسمياً أواخر شهر شباط الجاري، رصدت إيحاءات تقول بأنها تنوي “دفش” المدة إلى شهر نيسان المقبل، وسط مؤشرات تدل إلى اعتبار الشركة نفسها غير ملزمة تقديم أي تقرير ربطاً بكونها تتمتع بقرار صادر عن مجلس الوزراء يتيح لها الإستمرار في النشاطات الإستكشافية في لبنان لغاية أيار 2025!

هذا الوضع أرخى بظلاله على المعنيين، كما أنه أرخى ظلالاً من الشك حول الأهداف الحقيقية التي ترمي إليها “توتال”. هذا يؤشّر إلى وضع “تخريبي” تعمل عليه الشركة. ففي البداية، إستغلت “طوفان الأقصى” وما تبعه من عدوان على غزة لإيقاف الحفر في موقع “قانا” وتسريب أن ما من كميات تجارية فيه، ما عرّض مستقبل الإستكشافات البترولية في لبنان للخطر.

لاحقاً لوحظَ أن “توتال” تتمنّع عن إصدار تقريرها، رغم الإجتماعات والتواصل المستمر والوعود الدائمة من جانبها وكان آخرها اجتماع عقد قبل نحو أسبوع. أضف إلى ذلك، أن ثمة ظلالاً من الشك وتحتاج إلى متابعة، توحي باتهامات تقنية حول ضلوع “توتال” في عملية إلهاء وتغيير مواقع الحفر بذريعة رفع احتمالية الإستكشاف، رغم وجود “دراسات” رفعتها الشركة مسبقاً تؤكد تحديدها الموقع الأنسب للحفر قبل أن يتبيّن أنه كان اختياراً فاشلاً.

هذا التلاعب، يُفهم منه انغماس الشركة في “الرؤية الإسرائيلية” لغاز شرق المتوسط فضلاً عن وجود رغبات خاصة. ففي الشقّ الأول، تتماهى مع الخطط الإسرائيلية القائلة بضرورة تفرّد تل أبيب باستخراج الغاز في شرقي المتوسط خلال الـ20 سنة المقبلة! يدفع ذلك إلى تجميد أي أنشطة لدى الدول المجاورة. وعلى غرار الخداع الأميركي لمصر في “حقل زهر” طيلة أعوام والإدعاء أن لا غاز فيه، قبل أن تكتشف القاهرة وجوده بعد تبديل الشركات من أميركية إلى أوروبية، تقوم “توتال” بنفس الدور القذر في لبنان.

من جهة ثانية ومن وراء ممارسات “توتال” في ما يرتبط بحقول لبنان، توحي برغبة في أسرها لأطول فترة ممكنة، واعتماد سياسة “تطفيش” الشركات الأخرى من خلال إبراز تقارير حول عدم توفر اكتشافات في لبنان رغم حفر بئرين على الأقل، وهذا ما له أن يبقي لبنان في منأى عن اهتمام الشركات.

المصدر: ليبانون ديبايت – عبدالله قمح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى