دكاكين فلتانة وشهادات مُرعبة, مجازر صحية تُرتكب بقطاع التجميل في لبنان

صدى وادي التيم-طب وصحة/

“لقد أحسست لوهلة أنّ قطعة لحمٍ من وجهي قد سقطت منه.. لم أكن أعلم ماذا يحصل بسبب البنج.. إلا أنّني تأكّدت انني سأكون على موعدٍ مع سماع خبر لم أستعدّ له أبدًا.. وجهي تشوّه وإعادته إلى ما كان عليه بات من المستحيلات…”!

بهذه الكلمات تشكي ريم اللبنانية التي تعيش في ألمانيا بحرقة، وتعضّ أصابعها ندمًا، لا وبل تلعن الساعة التي قرّرت فيها أن تأخذ إجازةً مطوّلة من عملها في هامبورغ، لتقصد إحدى عيادات لبنان طمعًا بالسمعة المهنية للأطباء اللبنانيين خاصةً في قطاع التجميل، لتنصدم بالنتيجة.. إلتهابات وتشوهات بوجهها اضطرتها لدخول المستشفى في ألمانيا وإجراء جلسات متتالية لأجل التخلص من السم الذي تم حقنها به.

قصة ريم هي واحدة من عشرات القصص التي تم من خلالها استغلال سمعة السياحة التجميلية في لبنان، من قبل بعض الأشخاص الذين هم غير مؤهلين لإجراء عمليات تجميل من شأنها أن تؤدي إلى نتائج وخيمة لا تحمد عقباها، إذ علم “لبنان 24” من مصادر صحية متابعة لقضية دكاكين التجميل في لبنان أن هناك فتيات لا يتعدى مستوى تحصيلهن العلمي الشهادة الثانوية، يأخذن دورات عن كيفية حقن الفيلر والبوتوكس من قبل أصحاب صالونات العناية بالأظافر أو المكياج، لينتحلن صفة خبيرات لاحقا، ويعرضن خدماتهن على النساء اللواتي يقصدن هذه الصالونات، بعد أن تعمل صاحبة الصالون على إقناعهن.

منذ أشهر، قادت مجموعات قانونية على رأسها الأستاذ الجامعي المحامي هيثم عزو حملة ضدّ شبكة من مراكز التجميل في لبنان تدّعي أنها مؤهلة لإجراء هكذا عمليات.. تم توقيف الشبكة بقرارٍ قضائي، مثلها مثل بقية الدكاكين التجميلية.. لكن التوقيفات لم تنفع بشيء، إذ إنّ أشخاصًا كهؤلاء، حسب عزو،مستعدون لدفع الغرامة بغية إخلاء السبيل، وإعادة فتح صالوناتهم مرة أخرى، وهذا ما يشكّل نقطة ضعف كبيرة تضرب القطاع التجميلي في لبنان، وتسمح لهم بإعادة استغلال سمعة القطاع لمصالح مشبوهة.

“لبنان 24” تواصل مع المحامي هيثم عزو، الذي أكّد أن أزمة كبيرة تشوب القطاع، بدءًا من عمليات الاستغلال، وصولاً إلى عملية الملاحقة، وسط محاولات من قبل مجموعة “رواد العدالة” تسليط الضوء ومتابعة مختلف القضايا التي تصل إليهم.

يؤكّد عزو على أن المشهد حاليًا مأسوي ، إذ إن من يقوم بهكذا أعمال هو شخص غير مؤهل، ولا يخضع للدورات التدريبية اللازمة وغير حاصل على الشهادة المطلوبة، فالأمور “فلتانة”، وسط ورش عمل تتم إقامتها عشوائيًا وبشكل مخالفٍ للقانون تمامًا، إذ إن مركز التجميل يجب أن يكون مرخصًا، والترخيص لمزاولة العمل لا يُعطى إلا إلى طبيب طب تجميلي، أو طبيب اختصاصي بالامراض الجلدية، الجراحة التجميلية، جراحة الانف والاذن والحنجرة، أو جراحة ترميم الفك، حسب القانون الناظم لمراكز التجميل، حيث يستوجب الحصول على إذن مسبق من قبل وزير الصحة العامة بناء على اقتراح المدير العام للوزارة.

أما عن العقوبة فقد قال عزّو بأنّه يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من عشرة ملايين إلى خمسين مليون ليرة أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يفتح أو يدير مركزًا تجميليًا دون ترخيص، كما وشدّد قانون العقوبات الغرامة حيث تراوحت بين 50 و400 مليون ليرة في حال ممارسة مهنة منظمة دون وجه حق.

عدم التشدّد في العقاب يحذّر منه مستشار نقيب الأطباء في لبنان للأمور التجميلية  رائد رطيل، الذي أبدى استغرابه خلال حديث مع “لبنان 24” من عمليات الملاحقة، التي تنتهي بإخلاء سبيلٍ سريع مجرد دفع الغرامة، ليعاود هؤلاء فتح مراكزهم.

رطيل أشار لـ”لبنان 24″ إلى أن السياحة التجميلية في لبنان تلقت ضربة موجعة من قبل هؤلاء الأشخاص الذين نقلوا صورة مشوّهة عن مهنية الأطباء القانونيين، خاصةً لناحية الكوارث التي تحلّ بالمرضى، إن كان بسبب التشويه أو لناحية الإلتهابات التي تتسبب بها المواد المحقونة بوجه المتضررين. علمًا أن المتهمين تم حبسهم لخمسة أيام فقط، ومن ثم عاودوا فتح مراكزهم، لا وبل ازدادت أعدادهم، حيث يجاهرون بعروضهم عبر مواقع التواصل الإجتماعي من دون أي حسيب ورقيب.

بالتوازي يشرح رطيل لـ”لبنان 24″ المشهدية المأسوية التي تم رصدها على أرض الواقع.. فضائح بالجملة داخل مراكز غير مؤهلة أبدًا.. تتعلم الفتيات خطوات الحقن داخل معاهد عشوائية تعنى بالتزيين والعناية بالأظافر، لتنصّب هذه المعاهد نفسها من دون وجه حق جهة صالحة لتلقين الطلاب كيفية حقن الوجوه بالفيلر والبوتوكس. ويشير رطيل إلى أن الأمر لامس الخطوط الحمراء لمهنة الطب، إذ بات العديد من الأطباء يعمدون إلى تأجير شهاداتهم من خلال فتح مراكز على أسمائهم على الأوراق، إلا أن على أرض الواقع، يدير المراكز أشخاص لا ينتمون للمهنة بصلة، يمارسون عمليات الحقن بالفيلر والبوتوكس، وهذا مؤشر خطير إلى ما سنقبل عليه.

كما تؤكّد هذه المصادر، أن السبب الثاني لعمليات التسمم التي يتعرض لها الشخص، وبعيدًا عن عدم الإختصاص أو المهنية، تتجلى بالمواد المهرّبة، التي يحصل عليها أصحاب المراكز غير الشرعية، ويوهمون بها زبائنهم بأنّها بضاعة ذات نوعية جيّدة، وهذا ما يفسّر حالات الإلتهاب التي تظهر تحت جلد المرضى.

على مقلب آخر، أكّدت مصادر صحية مطّلعة لـ”لبنان 24″ موت شقيقتين بعد أن تم حقنهما بطريقة خاطئة وبمواد مهرّبة. وفي التفاصيل التي حصل عليها “لبنان 24″، بعد أن توجهت الشقيقتان إلى أحد صالونات التجميل، قرّرتا أن تحقنا مناطق معينة في الرقبة بالبوتكس.. وبعد فترة أُصيبتا بضيق تنفس، ما أدى إلى وفاتهما، إلا أن المستشفى لم تكن على علم بأنّ سبب ضيق التنفس هي عملية الحقن، الى أن أفصحت الأم عن الأمر، وتبيّن لاحقًا بأنّ المواد المستخدمة هي مُسمّمة لانها مهرّبة.
بالتوازي، أيضا تم الكشف عن حالة أخرى، حيث أُصيبت فتاة شابة بالعمى في لبنان بعد أن حَقنت إبرة بوتوكس فوق عينها بطريقة خاطئة عند أحد الاشخاص غير المؤهلين، إذ تسرّبت المادة إلى شبكة العين وتضررت، ما أدى إلى إصابتها بالعمى.

وانطلاقًا من خطورة هذه الصالونات، التي تفتتح مراكز غير مستوفية لأدنى الشروط، يناشد رطيل الجهات المعنية، خاصةً الأحزاب، إلى كف اليد، والسماح بملاحقة أي طبيب، أو صاحب صالون أو مركز، والمساهمة بفتح الملفات على مصرعيها، لإيقاف هذه الشبكات، والتشديد بعملية المحاسبة، ومراقبة الشهادات التي يتم الحصول عليها من بلادٍ قريبة مقابل بدل ماديّ!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!