التعرّف على الوجوه: السلاح السرّي لأجهزة الاستخبارات
صدى وادي التيم-متفرقات/
مع تصاعد وتطور الصراعات العسكرية العالمية الكبرى، يدور نقاش مواز في الأوساط الأكاديمية والأخلاقية والسياسية حول الاستخدامات المناسبة لتكنولوجيا التعرّف على الوجوه (FRT) وأنظمة القياسات الحيوية الأخرى في الحرب.
على أثر جنازة العميد رضي موسوي، المستشار الكبير في الحرس الثوري الذي تم استهدافه في غارة جوية إسرائيلية في سوريا في أواخر كانون أول 2023، صدرت تصريحات عن عدد من مسؤولي الاستخبارات الإسرائيلية تصف التشييع بالكنز المعلوماتي الثمين، ما أثار موجة من التساؤلات حول ما تعنيه هذه التصريحات.
وفي آب 2023، أي بعد 18 شهراً من بدء الحرب الروسية الأوكرانية – نشرت جامعة كامبريدج مقالاً بقلم خوان إسبيندولا، الباحث في الجامعة الوطنية المستقلّة في المكسيك، بعنوان «التعرف على الوجوه في زمن الحرب: المراقبة الشاملة والفظائع الجماعية»، والذي يركّز على الاستخدامات المختلفة لتكنولوجيا التعرّف على الوجوه التي اعتمدها الجيش الأوكراني. ومع استمرار وتصاعد الصراع في منطقة الشرق الأوسط والعدوان الإسرائيلي على غزة تعود إلى الواجهة مخاطر ومخاوف تقنيات التعرف على الوجوه FRT خلال الحرب، بما في ذلك انتهاك خصوصية المعلومات، الأضرار العشوائية وغير المتناسبة التي قد تلحقها لا سيما عندما تقترن التكنولوجيا بالذكاء الاصطناعي مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وإساءة الاستخدام المحتملة للتكنولوجيا.
حتّى الآن، ركّزت التقارير المتعلّقة بالتعرّف على الوجه في العدوان الإسرائيلي على غزة على أهمية تحديد هوية الأسرى الذين احتجزتهم “حماس” في 7 تشرين الأول، واستخدم الجيش الإسرائيلي كلّاً من نظام Rekognition من Amazon وFRT الخاص ب Corsight والمعتمدين على الذكاء الاصطناعي لتحديد مكان المفقودين والموتى باستخدام القياسات الحيوية للوجه.
يُذكر أنّ جماعات حقوق الإنسان طرحت أسئلة حول كيفية استخدام إسرائيل أدوات التعرف على الوجه للمراقبة الجماعية والسيطرة على الأراضي الفلسطينية قبل بدء الحرب بفترة طويلة.
يشير إسبيندولا إلى “أنّ التعرف على الوجه يضّر بشكل غير مناسب بمجموعات الأقليات ويساعد على اضطهاد الجماعات العرقية أو قمع المعارضين السياسيين جراء مراقبة غير مبررة على نطاق واسع – خاصة عندما يتم دمج التكنولوجيا في أنظمة الدوائر التلفزيونية المغلقة، الأمر الذي يعتبر بمثابة تهديد سياسي واجتماعي”.
الحرب الأوكرانية الروسية
خلال الأشهر الأولى من الحرب الروسية الأوكرانية، اعتمدت السلطات الأوكرانية على FRT كجزء من الأنشطة الدفاعية للبلاد، وتمّ تسخير التكنولوجيا لمجموعة متنوّعة من الأغراض مثل الكشف عن عملاء روس سرّيين يعملون وسط السكّان الأوكرانيين، الكشف عن هوية الجنود الروس الذين ارتكبوا جرائم حرب بحسب الأوكرانيين وحتى تحديد هوية الجنود الروس القتلى.
يشهد استخدام FRT، إلى جانب المعلومات التي توفّرها وسائل التواصل الاجتماعي، كأداة حرب ومورد لجمع المعلومات الاستخباراتية، زيادة عند مختلف الدول ولاسيما المتقدّمة منها. هناك حجة معقولة حول جواز نشرها للحصول على معلومات لمنع الضرر والوفاء بالالتزامات الإنسانية في سياقات معينة، لكن الاعتراض البارز على استخدامها يتمحور حول انتهاك خصوصية بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي.
هل FRT دقيق حقا؟
أجرى المعهد الوطني للمعايير والتكنولوجيا (NIST) اختبار الدقة لخوارزميات التعرّف على الوجوه المختلفة وخلص إلى أنّ الخوارزميات ال 28 التي تمّ اختبارها كان لها معدل فشل بنسبة 0.2٪ فقط. ومع ذلك، تشير أبحاث أخرى إلى أنّ التكنولوجيا ليست دقيقة بما يكفي لتحديد الأشخاص بشكل صحيح وتظهر بعض التحيّزات، خاصة للأشخاص ذوي البشرة الداكنة.
عندما تقترن مثل هذه المغالطات بالقوّة المميتة الآلية، يمكن أن تؤدّي إلى أخطاء قاتلة. هذه المخاوف جعلت موظفي Google يتفاعلون بقوة مع Project Maven، وهو عقد مع وزارة الدفاع الأميركية لمراقبة الطائرات بدون طيار من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي.
في عام 2019، أطلق الجيش الأميركي فرقة عمل خاصة به للذكاء الاصطناعي كشبكة من خبراء الذكاء الاصطناعي في المؤسسات الخاصة والمؤسسات الأكاديمية.
تواجه هذه التقنية مشكلة عندما يتعلق الأمر بتحديد الوجوه في ظروف الإضاءة المنخفضة أو الليل. ويعتمد برنامج التعرف على الوجه القياسي على التفاصيل المرئية في صورة أو مقطع فيديو لإجراء تطابق، وعليه لا تحقق بعض الخوارزميات نتائج دقيقة. عندما يكون وجه الشخص في الظل أو غير مرئي على الإطلاق بسبب عدم وجود مصدر للضوء، فإنّ نقص التفاصيل سيجعل التعرّف الدقيق على الوجه أمراً صعباً.
يستخدم الجيش الأميركي التصوير الحراري للكشف عن وجود شخص، ومن الممكن التقاط صورة لوجه يمكن التعرف عليه. ومع ذلك، سيظلّ التعرف على الوجه التقليدي غير خاضع لتقنية التطابق الدقيق، حيث لن تتوفّر التفاصيل المرئية. ولمعالجة هذه المشكلة، توصّل العلماء في مختبر أبحاث الجيش الأمريكي إلى طريقة تستخدم الطيف المرئي وبرنامج التعرّف على الوجه الحالي لتوليد مساحة مرئية من صورة حرارية. ترسم الصور الحرارية المناطق الساخنة والباردة في الوجه، وهو ما يكفي لتوليد معلومات مهمّة عن الطريقة الصحيحة للتوليف.
تحليل الطائرات بدون طيار ولقطات الفيديو
تمّ استخدام المركبات الجوية بدون طيار، على نطاق واسع من قبل الجيش الأميركي لأسباب مختلفة. أصبحت الطائرات بدون طيار جزءاً أساسياً من العمليات العسكرية مع اختراع الطائرة بدون طيار MQ-1 Predator وتم استخدامها في أفغانستان في أواخر عام 2001، وسمحت بالاستطلاع والمراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية فوق المناطق التي يتعذر الوصول إليها أو الخطرة. معظم الطائرات بدون طيار البالغ عددها 8000 أو ما يزيد عن ذلك في مخزون الجيش الأمريكي قادرة على تصوير مقاطع الفيديو، ويمكن لبعض الطائرات الأكبر التقاط صور عالية الدقة وهذا ما تقوم به هذه الطائرات الآن في غزة ولبنان وسوريا واليمن والعراق.
كانت المشكلة تكمن في معالجة كلّ مقاطع الفيديو والصور في الوقت المناسب إذ يستغرق المحلّلون البشريون وقتا طويلا لتصفّح رزم من مقاطع الفيديو والصور التي التقطتها هذه الطائرات بدون طيار، ولكن يبدو أن هذا الأمر تغيّر حاليا نظراً لاختصار الوقت بين عملية التصوير وشن غارة جوية. فلزيادة كفاءة التحليل، تحوّل الجيش إلى تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لمواجهة هذا التحدي، إذ تعاقد الجيش على وجه التحديد مع Google لبناء برنامج الذكاء الاصطناعي باستخدام أنظمة TensorFlow من الذكاء الاصطناعي كجزء من فريق Algorithmic Warfare متعدد الوظائف أو Project Maven.
يتضمن العقد العسكري استخدام برنامج الذكاء الاصطناعي لتحليل اللقطات واكتشاف التهديدات وتخصيص الأشياء ذات الأهمّية للمراجعة من قبل المحللين البشريين، والتي تعطي تحليلات كافية لاتخاذ القرارات العسكرية. تدّعي وزارة الدفاع أن المعلومات المستمدة من التحليل بمساعدة التعلم الآلي يمكن أن تساعد في تقليل الأضرار الجانبية وتخفيف التهديدات والحفاظ على سلامة الجنود على الأرض.
في سؤال أخير: “ماذا لو كانت مخاطر تقنية التعرّف على الوجوه خلال فترة ما بعد الحرب تفوق فوائدها خلال الحرب؟