ما لا تعرفه عن بلدة دير ميماس – جنة لسهول الزيتون ( صور)

صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم /
جمال قرى وبلدات لبنان لا نهاية له ، و لكل مكان سحره الذي ميز تاريخه واضاف المزيد من الجاذبية لجماله. بالطبع ، هذه الأماكن الجميلة خاصة جدًا ولكل منها عاداته وطرق حياته. وهذا يجعلني أتوق لزيارة نفس المكان عدة مرات لمعرفة المزيد عن الناس اللطفاء الذين يعيشون هناك ….
واحدة من تلك الأماكن التي تجعلني أتوق لزيارتها مرارًا وتكرارًا هي منطقة قضاء مرجعيون في محافظة النبطية والتي تعد واحدة من أجمل المناطق في لبنان. وتعتبر منطقة مرجعيون مكانًا رائعًا ويحيط بها جبل حرمون المذهل”جبل الشيخ”, وحصن النسر الساحر “قلعة الشقيف”, وجبل عامل الذي لا ينسى مع قمة جبل الريحان, . وتمتد سهول مرجعيون الخصبة جنوبًا إلى سهول الجليل في فلسطين ومرتفعات الجولان في سوريا. والمسألة المذهلة حول هذا المكان هي أنه كان الطريق الروماني القديم الذي اعتاد المسيح على السير فيه من بلدة لآخرى خاصة في آخر 3 سنوات من حياته ….
كلمة مرجعيون هي كلمة مشتقة من اللغة العربية السامية تعني “مرج أو عيون أو ينابيع ماء”. أعتقد أن الاسم يشير بوضوح إلى المنطقة المليئة بالينابيع والأنهار بسبب وجودها أسفل جبل الشيخ ، وتتألف المقاطعة من 27 قرية رئيسية على الأقل مثل: العديسة, بلاط, دير ميماس، برج الملوك، الوزاني ، جديدة مرجعيون … إلخ ، وتمكنت من زيارة كل القرى من تلك المنطقة الجميلة ، كما تمكنت أيضًا من مقابلة العديد من الأصدقاء داخل تلك القرى وخاصة في جديدة مرجعيون; مركز قضاء مرجعيون . وفي هذا الألبوم سأتحدث عن بلدة دير ميماس وتاريخها ….
تقع دير ميماس على مسافة 90 كلم عن بيروت عبر صيدا – الزهراني – النبطيّة ـ جسر الخردلة. ويمكن الوصول إليها عبر طريق مدينة صور باتجاه الناقورة والاستمرار حتى بنت جبيل ثم على طول الطريق إلى منطقة مرجعيون, ويبلغ طول هذا الطريق 170 كلم ولكنه جميل جداً. كما يوجد طريق آخر عبر طريق البقاع شتورة – مروراً بالبقاع الغربي حتى مشغرة – ثم منطقة جزين – وصولاً إلى نهر الخردلة ويبلغ طول هذا الطريق 80 كلم وهو جميل جداً أيضاً. والبلدة ترتفع عن سطح البحر 650م في قممها . وعدد أهالي دير ميماس المسجّلين قرابة 7000 نسمة مسيحيّون ولديهم 5 كنائس وديران بينما يتبعون طوائف دينية مختلفة ؛ الروم الأرثوذكس , والروم الكاثوليك , واللاتين , والإنجيلي , والموارنة. سألت عن سبب وجود كل هذه الطوائف في قرية صغيرة ، فأخبرني السكان أن كل مجموعة جاءت إلى هذه القرية قامت ببناء كنائسها وبدأت في الحصول على أتباع. والكنائس هناك هي ؛
♦-كنيسة مار مخايل؛
 ♦-كنيسة مار ماما؛
♦-الكنيسة الإنجيلية المعمدانية؛ 
♦-الكنيسة الإنجيلية المشيخية؛
 ♦-كنيسة الروم الكاثوليك.
والأديرة هي: 
♦-دير مار ماما؛
-و دير اللاتين…
وعلاوة على ذلك, عانت دير ميماس من الاحتلال الإسرائيلي وتداعياته في خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين معاناة كبرى ، فهاجر أبنائها ونزحوا باتّجاه بيروت وجبل لبنان. وبعد تحرير سنة 2000 بدأ بعض النازحين يعود إليها ولكن ببطء ….
من ناحية أخرى, هناك معاني كثيرة لاسم دير ميماس ، فذكر أنيس فريحة في كتابه “أسماء المدن والقرى اللبنانية وتفسير معانيها” أنّ ميماس كلمة إغريقيّة دخلت السريانيّة ومعناها” المهرّج والنديم والعابث”. واقترح بتحفّظ أن يكون أصل الكلمة من مقطعين “مي-ماس” ومعناها” ماء التجربة” ، وهي كناية عن بركة أو بحيرة أو نهر كانوا يطلبون إلى المشتبه به أن يخوضها فإذا سلم كان بريئا وإلّا ظهرت جريمته. لكن هذه المعاني ليست منطقية ، والأكثر منطقية فكرة مار ماما واسمه. لذا: “دير” هي كلمة سامية تعني منزل أو مركز عبادة, و”ميماس” هي نسبة “للقديس ماما”، ويسمى ماماس باللاتينية، وهو الراعي الذي عاش في القرن الثالث والذي كان يحميه أسد. ففي القرون الوسطى، بني دير لذكرى القديس ماما على تلة تحيطها أشجار الزيتون ونمت القرية حول الدير. ويقوم اقتصاد القرية على شجرة الزيتون. وأثناء وجودي في دير مار ماما ، لاحظت وجود العديد من أشجار الزيتون القديمة التي يمكن أن يزيد عمرها عن 1000 عام ، وقد بدأ ذلك بالتأكيد عندما تم بناء الدير القديم. للأسف، قصف الجيش الإسرائيلي هذا الدير القديم وهدمه بالكامل وتم بناء دير جديد في الآونة الأخيرة ….
علاوة على ذلك ، لا تزال دير ميماس منتجًا رئيسيًا للزيتون وزيت الزيتون. فهي موطن لحوالي 100,000 شجرة زيتون وثلاث منشآت لعصر زيت الزيتون تقدم خدماتها لمزارعي الزيتون من دير ميماس والقرى المحيطة بها ، ومن المعروف أن زيت الزيتون المنتج هناك هو أحد أفضل الزيوت في لبنان. كما احتل زيت الزيتون المنتج في دير ميماس تحت اسم “ذهب مريم” المرتبة الرابعة بين منتجات أكثر من 80 شركة من أكبر الشركات المنتجة في العالم في مسابقة عام 2012.و كما احتل زيت الزيتون”ديرماس” المرتبة الأولى في عام 2023 أيضًا. وأثناء تواجدي في مركز القرية ، تحققت من إحدى معاصر الزيتون القديمة المتهدمة لعائلة الجمل …
مشيت في أزقة القرية القديمة وفوجئت بحقيقة وجود أكثر من 50 منزلاً قديمًا مهدمًا في وسط القرية وهي مساحة صغيرة تقل عن كيلومتر واحد. كانت معظم المنازل القديمة لمن غادروا ولم يعودوا إليها أبدًا. لقد تحققت أيضًا من الكنائس والأديرة. وقد أحببت أكثر شيء كنيسة الروم الأرثوذكسية القديمة التي تحتوي على غرفتين صغيرتين جدًا ملحقة بها وكانت ذات يوم مدرسة القرية. علاوة على ذلك ، فإن جوانب النهر جميلة جدًا خاصةً مع قلعة الشقيف أعلاه وحيث يوجد دير مار ماما على حافة وادي نهر الخردلة ….
القِدِّيسِ “مَامَا …
لَيسَ القِدِّيسُ “مَامَا” الوَحِيدَ الذّي يُصَوَّرُ مَع حَيوانٍ مُفتَرِس، بَل هُناكَ آخَرونَ وفي تاريخٍ الكنيسةِ قِصَصٌ عَديدةٌ شيّقةٌ لِقدِّيسينَ وقِدِّيسَاتٍ مَع حَيَواناتٍ مُتَوَحِّشَةٍ وأفاعيَ سَامَةٍ. وفي أيقُونَةِ القِدِّيسِ مَامَا, يَظهَرُ فيها القِدِّيسُ مُمتَطِيًا أسَدًا وحَامِلًا بِيَدَيهِ حَمَلً ….
والقِدِّيسُ “مَامَا” عَيَّدهُ فِي الثَانِي مِن شَهرِ أَيلُول (تَقويم غَربِي) هُوَ مِن القَرنِ الثَّالثِ المِيلادِيّ، وَمَعرُوفٌ جِدًّا في لبنان، مِن أقصَى الشَّمالِ إلى أقصَى الجَنُوب. فَفِي بَلدَةِ إِهدن في قَضاءِ زْغَرْتا تَقومُ أقدَمُ كَنيسَةٍ مارونِيَّةٍ لِلقِدّيس “مَامَا” في لُبنان، تَعودُ إِلى العامِ 749، بُنِيَتْ عَلى أَنْقاضِ هَيْكَلٍ وَثَنِيّ. وهناك عِدَّةُ كَنائِسَ أُرْثوذُكْسِيَّة عَلى اسْمِهِ: في ﻛَﻔَﺮْﺣﺎﺗـا (البَتْرون)، وَكَفَرْصارون (الكورَة)، وَالمُنْصِف (جُبَيْل)، وَبسْكِنْتا (المَتِن)، وَدَيْر مِيماس (مَرْجِعْيون) ….
وَدَيْر القِدِّيس “مَامَا” في دَيْر مِيماس تَأسَّسَ فِي العامِ 1404على يدِ الأمِّ المُتَوَّحِدَة “مَامَا” التي التَّفَت حَولَها ثَماني راهباتٍ مِن أبناءِ المِنطَقَة. إستَمَرِّت حَياةُ الرَّهبَنَةِ في الدّير 120 عامًا، لتَتَوَقّفَ نَتِيجةَ الاحتلالِ التُّركِيّ . وشَكّلَ هذا الدَّيرُ مِحَوَرًا هامًا في مُحيطِه، وأخَذَتِ القَريَةُ اسمَهَا مِنه. فَهُوَ شُيِّدَ على تَلَّةٍ تُحِيطُ بِها أشجارُ الزَّيتون، ونَمَتِ القَريَةُ حَولَه، وإلى اليومِ يَقومُ اقتصادُ القَريَةُ على الزّيتونِ ومَنتوجِه. وتَحتَفِلُ دَيْر مِيماس بعيدِ القدّيسِ “مَامَا” في 15 أيلول (تقويم شرقي) ….
فِي سنةِ 2006 دُمِّرَ الدَيْرُ بِشكلٍ كَاملٍ مِن جَرّاءِ العُدوانِ الإسرائيليّ، وأُعيدَ بَناؤُه فِي نِيسان 2008 على يَدِ أميرِ قَطَر، لِيُعادَ افتتاحُه في 31 تَمّوز 2010 بِحضورِ الأميرِ وعَائِلَتِه ….
ومَا يُمَيِّزُ الدَيْرَ أنَّهُ مَتحَفٌ لـ37 فُسَيفَسَاءَ، تُمَثِّلُ نُبُوءَاتِ العَهدِ القَديمِ عَن يسوعِ المَسيح، وأحداثًا إنجيليّةً مِنَ العَهدِ الجديدِ بالإضَافةِ إلى والدِةِ المَسيح والأَقمارِ الثَّلاثة …..
علي بدوي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى