قطبة الخيط الرفيع بين التجنيس والتوطين والإنتخابات
ان حرية اختيار الجنسية هي حق مكرّس لكل انسان… ومعظم دول العالم قد وضعت اسساً للحصول على الجنسية فيها بطريقة علمية تحترم معتقدات وظروف طالب الجنسية دون ان تمس بالتركيبة الديموغرافية والإجتماعية وذلك تحت خطر فقدان الهوية الحقيقية للبلد… اما بعض الدول فتفضل عدم السماح بذلك تحت اية ذريعة مخافة ان تتحول مجتمعاتها الى مراتع هجينة قد تحمل في طياتها تلبكات اجتماعية وانتمائية…ولا بد للإشارة ايضاً عن ان العديد من الدول تتهيب من المشاكل السياسية التي يمكن ان تجرّها الى الخراب في حال اخذت طابعاً دينياً او طائفياً…
اما في لبنان فالقصة معقدة بعض الشيء، اذ ان الكلام عن استرجاع الجنسية واعطاء الجنسية امران مختلفان كلياً ويخضعان لشروط وما تحت الشروط… فقد اجمع اللبنانيون على ان التجنيس الجماعي هو بمثابة توطين، ونحن لسنا بعنصريين، لكن عندما نتحدث عن تجنيس فنحن امام مشكلتين… الواحدة فلسطينية والأخرى مستجدة وهي سورية… الفلسطيني له حق العودة وبالتالي ان فتح باب التجنيس الإفرادي امامه لهو خطير وربما يتحول مع الزمن والأهواء الإنتخابية للبعض لتجنيس جماعي… لكن بالفرد تلو الآخر… وبالتالي نكون قد ضربنا بعرض الحائط كل شهداء واستشهادات الحرب لكي يحافظ لبنان على هويته ولكي لا تفرض اسرائيل علينا امراً واقعاً… فبعد ان هدأت النفوس لماذا ننبش هكذا بنود تحمل الكثير من التعقيدات على الأقل امام الرأي العام…
اما في الشق السوري، فهو اخطر، فلقد رأينا ما حصل مع النازحين السوريين ليس فقط في مدننا وشوارعنا بل في دول غربية مثل المانيا وكندا وفرنسا، دول نادت فقط بتقبل النازحين فتحولت بعض شوارعها الى مربعات امنية تشهد حالة شاذة ومعاذ الله ان يكون حديثنا مجرد طائفي بل ان لب الحديث هو ان معظم النازحين هم من الفئات الغير متعلمة يسيطر عليها الفكر المتمرد فتتحول الى عصابات مقاتلة لمجرد ان قانوناً ما لم يرق لها… هذا ولا احد يمكنه ان ينكر ان النازحين السوريين بمعظمهم من النساء… أزواجهن بقوا في سوريا لمحاربة النظام… فمن يضمن لنا انهم لن يحذوا نفس النهج بعد ان يتكاثروا افرادياً ويحاولون فرض امرٍ واقعٍ تماماً كما حصل مع الفلسطيني… ؟
نعم لاستعادة الجنسية لمن فقدها من اللبنانيين بفعل الهجرة ولمن يريد ان يحمل اولاده واولاد اولاده الجنسية اللبنانية، فلا يمكن نكران من هو لبناني الأصل ولو بعد… حين…
فنحن نوجه بمقالنا هذا سؤالاً يحتم علينا ان نسأله من بابه العريض خاصة ان السلطة الحاكمة بدأت بالترويج لمراسيم تجنيسية تتبع حق اعطاء المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها ان كانت متزوجة بأجنبي… ولا تظنن الا الأكثرية منهن متزوجات من فلسطينيين او سوريين بفعل الإندماج… لكل انسان الحق في ان يختار شريكه لكن لوطننا الحق علينا في ان نحافظ على هويته ومكونات مجتمعاته اليس كذلك؟ ام اننا ايضاً امام طبخة ديموغرافية تتلاعب بميزان انتخابي في الأيام القادمة؟ وهل يحمل بلد صغير بمساحته هذا النوع من الصفقات المشبوهة وكيف؟
هل يرضى الرأي العام اللبناني بتجنيس على قافية “متزوج” من امرأة لبنانية فنصبح امام مشكلة مثل تلك التي تعاني منها استراليا… المسافة كبيرة ولكن التواصل يخبر بما يجري هناك… فعندما ننادي بإعطاء المرأة اللبنانية الجنسية لأولادها نظن للوهلة الأولى انه من الحقوق البديهية وهذا امر حسن ان كنا في بلد كبير مثل كندا او استراليا وليس في بلد مساحته لا تتعدى محافظة في دول اخرى… دول تدفع بنازحيها الينا وتلتزم الصمت والمجتمع الدولي ايضاً يعتمد سياسة الصمت الخبيث… وعندما تلحق هكذا حق بمرسوم تجنيسي للأجانب فهذا باب لإدخال قنابل موقوتة ستحشرنا جغرافياً وسكنياً وسياسياً وهذا ان لم يكن دينياً في حال شعرت بالحنين الى وطنها او في حال وقع لبنان في مشكلة مع وطنها الأم… فمن يضمن الشعور بالمواطنة والإنتماء؟ التجارب عديدة…والنتائج كارثية…
ومن يضمن ان التجنيس لبعض رؤوس الأموال الكبيرة الذين “نجحوا” باجتياز شروط الطبقة الحاكمة انه ليس استيراداً للأموال الإنتخابية وبعد حين يتحول الى رأس نفوذ يتحكم بسيادة لبنان وقراراته ويخلق لنا حالة من الضياع في التوجه المصيري…
حذار من كل هذا وقد اطلقنا هذه التحذيرات لأن التجنيس في بلد يعتبر بوابة الشرق على الغرب انما قد يغلق هذه البوابة بعد ان يصبح لبنان تشكيل هجين ساعد على حلحلة المعضلات التي تعاني منها اسرائيل وسوريا بالدرجة الأولى… هذا البلد لا يتحمل كل الدفق الذي يحاول البعض الترويج له ولا بد من النقاش الطويل والمضني قبل اتخاذ اية قرارات تمس بمصير الوطن فهكذا امور لا تحل عبر اطلالات اعلامية ومؤتمر دعائي من هنا او هناك… والنوايا الإنتخابية على ما يبدو تبقى هي القطبة المخفية دائماً…
المراقب والمحلل السياسي ميشال جبور