استهلاك القبّة الحديديّة في غزّة قد يمنع حرب لبنان؟

صدى وادي التيم-متفرقات/

عوامل كثيرة يمكنها أن تلعب دورها في ترجيح أو استبعاد انتقال الحرب على غزة إلى حرب شاملة في المنطقة، لا سيما إذا انطلقت شرارة توسيع المواجهة العسكرية من الجبهة اللبنانية.

مهما كانت حاجة اليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتانياهو إلى الانتصار في الحرب على غزة، بعد الاستنفار والتعبئة السياسية والدينية للمجتمع اليهودي منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) خلف ضرورة الردّ على الصفعة غير المسبوقة لقوّة الردع التي تمتّع بها الجيش الإسرائيلي على مدى عقود، فإنّ توسيع الحرب نحو جبهات أخرى لن يحقّق لنتانياهو وحلفائه أهدافهم، لكن سيصرف الأنظار عن غزة حيث تستمرّ “حماس” و”الجهاد الإسلامي” وسائر الفصائل في استهداف الجيش الإسرائيلي وإجباره على تغيير حساباته، لأنّ قادته لم يكونوا يتوقّعون أن يحتفظ المقاومون بالقدرة على إلحاق الأذى بقطعاته وإيقاع العديد من القتلى في صفوف جنوده وضبّاطه، على الشكل الذي يحصل، على الرغم من نجاحه في تهديم القطاع وإيقاع العدد الهائل من الضحايا وتمكُّنه من تهجير السواد الأعظم من سكّانه الذين بات مصيرهم مجهولاً لسنوات مقبلة.

دوافع داخليّة لتوسيع إسرائيل الحرب
في كلّ الأحوال وفي ظلّ حالة عدم اليقين التي تغلب على المسرح الإقليمي بفعل التأرجح بين التوصّل إلى نتائج في مفاوضات أميركية إيرانية وبين تصاعد الصراع على النفوذ الإقليمي وتعقيداته، تتنازع المتابعين لمجريات الحرب على غزة وجهتا نظر:
– الأولى ترى أنّ نتانياهو يحتاج إلى صرف الأنظار عمّا ارتكبه الجيش في غزة وما يقوم به في الضفة الغربية من قتل وأسر وتهجير من جهة، وعن إخفاقه في إنهاء “حماس” من جهة ثانية، ولذلك سيلجأ إلى إطالة زمن الحرب في غزة وفتح جبهة لبنان، سواء بحجّة ضمان أمن مستوطني شمال إسرائيل الذين يطالبونه بإبعاد “الحزب” عن الحدود. ويعتقد مراقبون في هذا السياق أنّه بهذا الخيار اتّكل هو الآخر على عدم نيّة إيران الانخراط في الحرب.

في اعتقاد من يرجّحون ذلك أنّ سياسة الهروب إلى الأمام التي يعتمدها زعيم الليكود بتوسيع الحرب تحقّق له الآتي:
– يتمكّن من أن يُسكِتَ معارضيه الذين يتزايدون في صراعه المكشوف معهم للمرّة الأولى في السياسة الداخلية، لا سيما بعد إبطال المحكمة الإسرائيلية العليا مطلع هذا الشهر قانون “الحدّ من المعقولية” الذي طالما دافع عنه نتانياهو ضمن حزمة قوانين “الإصلاح القضائي” التي أثارت الجدل عندما دفعت بها الحكومة الحالية قبل الحرب على غزة، وأقرّها الكنيست السنة الماضية. وهي تحدّ من قدرة القضاء على محاكمة المسؤولين المنتخبين.
– يوقف مطالبة المستوى العسكري له، وكذلك شركاؤه في مجلس الحرب وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيسا الأركان السابقان بيني غانتس وغادي آيزنكوت، بوضع سقف زمني للحرب مرتبط بخطة سياسية لليوم التالي تحدّد الهدف السياسي من ورائها. وعبّر آيزنكوت قبل يومين عن قناعته الواضحة بأنّ استعادة الرهائن الإسرائيليين لدى “حماس” لن يتحقّق بالوسائل العسكرية، متشكّكاً في القدرة على القضاء على “حماس”. ويتجنّب نتانياهو بالحرب محاسبته على خطأ حساباته في غزة.

إطفاء السجال مع الغرب على الدولتين

– يوفّر على نفسه السجال مع واشنطن والدول الأوروبية الداعية إلى حلّ الدولتين، ويورّط الولايات المتحدة الأميركية في تلك الحرب.

– يتّكل على ضغط اللوبي الصهيوني الفاعل على إدارة الرئيس جو بايدن، لا سيما في زمن الانتخابات، من أجل دعم خياراته سياسياً ومدّه بالسلاح والذخيرة التي يحتاج إليها بعدما استدرجت إيران وحلفاؤها أميركا إلى مواجهات في معظم جبهات المنطقة، من البحر الأحمر واليمن، إلى العراق وسوريا.
– يؤجّل ما بات معروفاً حول استئناف محاكمته القضائية بتهم الفساد بعد أن تضع الحرب أوزارها، بذريعة استمرار الحاجة إلى القيادة في الدولة العبرية لخوض الحرب.

مشكلة تسليح غربيّ لإسرائيل؟
– الثانية تعتبر أنّه على الرغم من حاجة نتانياهو إلى إطالة الحرب وإعادة تثبيت القدرة الردعية للدولة العبرية، وتأييد أكثرية الإسرائيليين للحرب، فإنّ فتح جيشه حرباً ضدّ الحزب من الجبهة الإسرائيلية الشمالية سيغرقه أكثر، لا سيما إذا استمرّت واشنطن في معارضة هذا الخيار، الذي حالت دونه منذ تشرين الأول الماضي. هذا فضلاً عن عوامل أخرى جوهرية لا تتيح هذا الخيار للأسباب التالية:
– تردِّدُ أكثر من جهة غربية ودبلوماسية أنّ العائق الجوهري أمام توسيع الحرب هو مشكلة تسليح الجيش الإسرائيلي بما يحتاج إليه، بعدما نفّذت واشنطن وبعض حلفائها الغربيين جسراً جوّياً تسليحياً غير مسبوق في الكمّية والنوعية لمصلحة الجيش الإسرائيلي، من مخازن الجيوش الغربية، جعل مدّه بالمزيد في حال توسّع الحرب صعباً. فالجيوش الغربية استهلكت الكثير من الأسلحة التي أرسلتها إلى أوكرانيا وإسرائيل في السنة الماضية، إلى درجة اضطرّت معها إلى حرمان كييف من بعض ما كانت وعدتها به لتحويلها إلى إسرائيل بعد عملية “حماس” و”طوفان الأقصى”.

استهلاك فعّالية القبّة الحديديّة؟
– في السياق نفسه يشير خبراء دوليون إلى أنّ من المستحيل أن تلجأ الولايات المتحدة إلى مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة والذخائر لتزويد أوكرانيا أو إسرائيل بالمزيد منها، لأنّ حسابات الميدان العسكري تبقي هذا المخزون جزءاً من قوة الردع التي تتمتّع بها. فالعالم يمرّ في زمن الحروب والتوتّرات الأمنيّة والعسكرية المفتوحة، وهناك دول كبرى أخرى على نزاع مع واشنطن مثل الصين وروسيا تراقب هذا الأمر وتأخذه في حساب التفاوض والصراع بينها وبين الولايات المتحدة.

تشير معطيات جهات أجنبية إلى أنّ القبّة الحديدية لاعتراض صواريخ “حماس” التي ما زالت تنطلق من غزة (ومن شمالها أحياناً على الرغم من إعلان الجيش الإسرائيلي سيطرته عليه) وتلك التي يطلقها الحزب من جنوب لبنان أدّت إلى استهلاك فعّالية ستين في المئة من إمكانيات هذه القبة. من استمعوا إلى هذه المعطيات يشيرون إلى أنّ إسرائيل تحتاج إلى تعويض جزء من هذه الفعّالية، لخفض حجم الخسائر التي يمكن أن تنجم عن الصواريخ التي قد يطلقها الحزب من الجنوب، في حال اندلعت الحرب على الجبهة الجنوبية. وهي تفوق أعدادها وأحجامها وفعّاليتها قوّة صواريخ المقاومة في غزة.

– أنّه يصعب خوض إسرائيل في ظلّ ما كبّدتها غزة من خسائر اقتصادية جرّاء استدعاء الاحتياط إلى الحرب منذ تشرين الأول الماضي، حرباً على جبهة ثانية في ظلّ إعلان نتانياهو وحتى غالانت ورئيس أركان الجيش أنّ الحرب ستستمرّ على غزة، على الرغم من الخلافات مع نتانياهو حول غياب رؤية سياسية لليوم التالي.
– أنّ إسرائيل تنتقل بناء على النصائح الغربية والضغوط الأميركية إلى ما سُمّي المرحلة الثالثة للحرب، التي تقوم على العمليات الخاصة والمحدّدة، والاغتيالات واصطياد الخصوم، بدل توسيع الحرب والقتال الكثيف. ولدى الدولة العبرية قدرات تكنولوجية عالية تتفوّق فيها على أعدائها، تمارسها في جنوب لبنان وغيره، بحيث يمكنها الاستغناء عن حرب واسعة، إذا استمرّت واشنطن في الحؤول دونها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى