لبنان الأخطر على سائقي السيارات
صدى وادي التيم-لبنانيات/
ضجت مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إخبارية عدة، بخبر احتلال لبنان المركز الأول لأخطر بلد في العالم بالنسبة لقيادة السيارات، بحسب ما أورده حساب (world index) على صفحته في تطبيق “إكس” والذي نشر قبل أيام أسماء الدول التي جاءت في رأس قائمة التصنيف.
“لم يكن مفاجئا حلول لبنان في هذا المركز، بل أتى تصنيفه ليؤكد المؤكد”، يقول رئيس المرصد اللبناني للسلامة المرورية لدى جوستيسيا، ميشال مطران.
ويضيف أن موقع (world index) يعتمد في تصنيفه على دراسة شركة (Global Positioning Specialists) التي حققت في ستين بلداً تُعتبر الأكثر اعتمادا على السيارات حول العالم للكشف عن أخطرها للقيادة، مستعينة بالإحصاءات الوطنية لكل منها حسب ما ذكرت”
وكشفت الدراسة أن “معدل الوفيات الناجمة عن حوادث المرور على طرقات لبنان ارتفع إلى 22.6 حالة وفاة لكل 100.000 نسمة، وبلغ معدل سرقة السيارات 179 لكل 100.000 نسمة، عدا عن ظروف جودة الطرق السيئة للغاية”، وتلت الأورغواي لبنان في القائمة ومن ثم كولومبيا.
وكانت وسائل اعلام لبنانية نقلت الخبر عن صفحة جمعية “اليازا” على “فيسبوك”. وفي هذا الشأن يقول مؤسسها الدكتور زياد عقل، “نشرنا ما أوردته (world index)، من باب سؤال المواطنين عن رأيهم بالنتيجة، لكن تفاجأنا بأن بعض الوسائل الاعلامية تبنت الدراسة من دون أن تتحفظ عليها”.
ويضيف “طبعاً وضع لبنان سيئ جداً نتيجة وجود مسؤولين غير مسؤولين عن السلامة المرورية في البلد، لكن هناك دول أخطر بكثير من لبنان بالنسبة لقيادة السيارات”.
ويشدد عقل في حديث لموقع “الحرة” على أنه “نحن لا نتبنى هذا التصنيف الذي شمل 60 بلداً من أصل 200، وهو يضر بلبنان من دون أن يستند إلى واقع علمي كاف، عدا عن أن هناك دولاً أسوأ من ناحية أرقام الضحايا، والتي تحسب كنسبة مئوية مقارنة بعدة عوامل، وهي عدد المركبات والسكان والمسافات المقطوعة، كما توجد دول مثل أميركا وكندا وأستراليا والتشيك وردت ضمن أسوأ 20 دولة، رغم أنها جيدة نسبياً أو ممتازة للقيادة، ويوجد أسوأ وأخطر منها بكثير كمصر وبنغلادش واليمن والكونغو”.
وأياً يكن، نفى مصدر في قوى الأمن الداخلي في حديث لموقع “الحرة” صحة ما أوردته (world index)، مؤكداً أن “الدراسة التي قامت بها شركة “Global Positioning Specialists” قديمة جداً، وحتى النسب التي أوردتها حينها غير صحيحة وأبعد ما تكون عن المصداقية”.
وعن ذلك يعلّق مطران “الدراسة نشرت حديثاً، وحتى ولو افترضنا أنها تعود لسنوات ماضية، فلا أحد يمكنه إنكار أن وضع السلامة المرورية يسوء أكثر فأكثر”.
عدّاد الموت
يشير المصدر الأمني إلى أن إحصاءات قوى الأمن تظهر “وقوع 1147 حادث سير العام الماضي، أي ما نسبته 19.11 حادث لكل 100,000 نسمة إذا ما افترضنا أن عدد سكان لبنان ستة ملايين نسمة، وقد تسببت هذه الحوادث بسقوط 381 قتيلاً، أي ما نسبته 6.35 قتيل لكل 100,000 نسمة”.
لكن بحسب إحصاءات “الدولية للمعلومات”، شهد لبنان العام الماضي ارتفاعاً في عدد حوادث السير مقارنة بالسنوات الماضية، حيث وصل العدد كما يقول الباحث في الشركة، محمد شمس الدين إلى “2303 حوادث مقارنة بـ 2113 حادث في السنة التي سبقتها”.
وأدت هذه الحوادث بحسب ما يقوله شمس الدين لموقع “الحرة” إلى “سقوط 439 قتيلا العام الماضي مقابل 359 قتيلا في العام 2022، كما تسببت بإصابة 2726 بجروح مقابل 2366 جريحا في العام 2022”.
وتزهق حوادث المرور حول العالم أرواح نحو 1.3 مليون شخص سنوياً، ويتعرض بين 20 و50 مليون شخص آخر لإصابات غير مميتة، علماً أن العديد منهم يُصاب بعجز ناجم عن إصاباتهم، بحسب ما أشارت إليه منظمة الصحة العالمية الشهر الماضي.
وتتسبّب الإصابات الناجمة عن هذه الحوادث، كما ذكرت المنظمة العالمية، في خسائر اقتصادية فادحة للأفراد وأسرهم وللبلدان بأسرها. وتنجم هذه الخسائر عن تكلفة العلاج وكذلك فقدان إنتاجية الأشخاص الذين يلقون حتفهم أو يُصابون بالعجز بسبب إصاباتهم، وأفراد الأسرة الذين يضطرون إلى التغيّب عن العمل أو المدرسة لرعاية المصابين. وتكلّف حوادث المرور معظم البلدان نسبة قدرها 3% من ناتجها المحلي الإجمالي.
“تُنهك طرقات لبنان وتستنزف قدرات السائق وتركيزه”، بحسب مطران، “نتيجة غياب أي لغة واضحة عليها، كإشارات السير واللافتات والفواصل وعلامات سطح الطريق، إضافة إلى كثرة الحفر والعوائق والمفاجآت وقلة مهارة السائقين وانعدام أخلاقيات القيادة، واستعمال الهاتف أثناء القيادة، وتعب وإرهاق السائقين حيث يجب احتساب وقت راحة أقله ساعة بعد كل رحلة على الطرقات”.
وتشير الأرقام التي أوردتها الدولية للمعلومات إلى أنّ حوادث السير أصبحت أكثر دموية في لبنان، وذلك لأسباب عدة، أرجعتها، إلى السرعة الزائدة، وحالة الطرقات السيّئة وانعدام الإنارة وكثرة الحفر، والتوتر العصبي وتعاطي المخدرات والكحول.
والأهم من ذلك يقول شمس الدين أن “أكثر من 80% من المركبات التي تسير على الطرقات مرّ على صنعها أكثر من عشر سنوات وبالتالي هي تحتاج إلى صيانة دائمة، لكن فقدان اللبنانيين للقدرة المادية في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها بلدهم، يرفع من احتمال تعطّل سياراتهم وتسببها بحوادث سير”.
عن ذلك يعلّق عقل قائلاً “بعد أن كان قطاع المعاينة الميكانيكية في لبنان من أوائل القطاعات في الدول العربية، توقف عن الخدمة منذ حوالي السنتين رغم الحاجة الماسة لتطويره وضبطه لحماية حياة الناس والمركبات على الطرقات العامة” .
ومع بداية العام الحالي توجهت “اليازا” بنداء إلى وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، بسام مولوي، للتذكير “بفشل هذا القطاع والدعوة إلى تنشيطه بحسب أحدث المعايير الدولية لسلامة المركبات”.
كما لفت عقل إلى التوقف عن تنظيم امتحانات السوق في مختلف مراكز هيئة ادارة السير، مطالباً بإعادتها في أسرع وقت ممكن “بحسب قانون السير اللبناني النافذ وليس كما كانت الأمور قبل توقف هذه الامتحانات في العام 2022 “.
يمر لبنان “في مرحلة سيئة على صعيد القيادة” كما يشدد شمس الدين، مؤكدا على أنه “في ظل هذه الأوضاع الصعبة من المحتمل أن تتزايد أعداد الحوادث وضحاياها، إن لم تتم معالجة ملف السلامة المرورية”.
ولن تجف أنهار الدماء على الطرقات اللبنانية هذا العام، بحسب ما توصلت إليه دراسة للأكاديمية اللبنانية الدولية للسلامة المرورية LIRSA sarl، حيث أكدت أن ازدياد الحوادث المميتة أمر حتمي، ويقول مطران “إذا لم تقم الإدارات المعنية بواجبها سيضاف ما لا يقل عن 600 اسم جديد على لائحة قتلى حوادث السير، حيث أن الشباب أو السائقين الجدد هم الضحايا”.
وأشارت الدراسة إلى أن الطرقات الأكثر خطورة للقيادة في لبنان هي: طريق خلدة – المطار، طريق ضهر البيدر – المريجات – فالوغا، طريق شتورة -تعنايل، طريق زحلة – بعلبك، طريق ذوق مصبح – فاريا، طريق شكا – القلمون، طريق دير الزهراني – النبطية.
أما المنطقة التي تشهد أكبر عدد لحوادث السير بحسب ما توصلت إليه الدراسة، فهي كسروان – المتن. وفي ما يتعلق بأخطر أوقات التنقل، تبين أنها ما بين الساعة التاسعة ليلاً والسادسة صباحاً، وذلك بسبب السهر والتعب والكحول.
وقف عداد الموت في لبنان لا يحتاج بحسب مطران “لأكثر من جلسة مجلس وزراء واحدة وأسبوع واحد من العمل الجاد، لإقرار وتنفيذ عدة مشاريع منها استحداث خدمة معاينة ميكانيكية متطورة حرصاً على سلامة المركبات، ومنع استيراد التوك توك وضبط استعماله، وتسيير 100 باص نقل عام قدمتها فرنسا وتنظيم عمل الفانات، وإصدار مناهج تدريب سوق عصرية يتم تعليمها إلكترونيا، ومنح رخص سوق مُمكننة خلال 24 ساعة”.
كما لا بد من “إلغاء الرسم الجمركي على كراسي الأمان للأطفال، وتوحيد بيانات شركات التأمين الخاصة بحوادث السير وإنشاء نظام نقاط لكل سائق، وتشغيل ميزان حمولة إلكتروني على حاجزي ضهر البيدر والتويتة لمراقبة حمولة الشاحنات، وإنشاء مرصد وطني للسلامة المرورية مموّل من البنك الدولي”.
وأكد رئيس المرصد اللبناني للسلامة المرورية أن “كل هذه المشاريع تُدخل الأموال إلى الخزينة العامة بشكل مباشر ولا تنطبق عليها حجة الوضع الاقتصادي الصعب، لكن اللجنة الوطنية للسلامة المرورية التي يرأسها وزير الداخلية وتضم أمين سر و15 عضوا يمثلون الإدارات اللبنانية، لم تجتمع منذ أربع سنوات”.
كلام المطران يؤكده أحد أعضاء اللجنة، وهو رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري، بسام طليس، الذي يقول “آخر اجتماع عقدته اللجنة كان عام 2019 في عهد وزيرة الداخلية ريا حسن، ومنذ ذلك الحين لم ندع إلى أي اجتماع حيث أصبحنا نسمع عن هذه اللجنة في المنام”.
ويشير طليس في حديث إلى موقع “الحرة” إلى أن “قانون السير لا يتناسب مع واقع لبنان، فهو يعود إلى أحد الدول الأجنبية، تمت ترجمته واقراره بغض النظر عن أنه يتضمن بنوداً لا يمكن تطبيقها في بلدنا، وفوق هذا لا يتم تطبيقه وأي من قوانين السير، في وقت تحمّل السلطات اللبنانية المواطنين المسؤولية رغم التزامهم الكبير بالقوانين والدليل على ذلك الزحمة الخانقة أمام مراكز تسجيل السيارات”.
أما مطران فيقول “لا يزال قانون السير الذي أقر في العام 2012 والذي يضم 480 مادة وما يزيد عن 15 إصلاحاً، حبراً على ورق، حيث لم يتم تطبيق أي من بنوده، بالتالي لا يمكننا الحكم عليه”.
ويقول مطران إن “المخولين بتطبيق القوانين في مختلف الإدارات والوزارات لا يحركون ساكناً في ما يتعلق بملف السلامة المرورية، لافتاً إلى أن من يدفع ثمن تقصيرهم هم المواطنون”. وهو لا يرى حلولاً لهذا الملف إلا من خلال “تفعيل لجنة السلامة المرورية وإعادة هيكلتها للعمل بعقلية جديدة ووضع خارطة طريق لوقف نزيف شباب لبنان على الطرقات”.