حزام أمني داخل إسرائيل

صدى وادي التيم-متفرقات/

أعاد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، التأكيد على ثوابت المقاومة في ما خصّ تطورات المعركة في غزّة. وخلال خطاب جماهيري بمناسبة ذكرى أسبوع الشهيد وسام الطويل، أكد نصرالله أن “الجبهات المفتوحة هي معارك مساندة لغزة”، وأن “التهديدات لن تخيفنا”، و “يتعيّن على الأميركيين والبريطانيين، أن يوقفوا الحرب على غزّة وبعدها لكل حادث حديث”، في إشارةٍ واضحة إلى أن المفاوضات الحقيقية حول الوضع العام في المنطقة تبدأ بعد إعلان وقف العدوان على القطاع.

عملياً، سبق للحزب أن أبلغَ هذه المواقف خلال المرحلة الماضية إلى كل من تواصل معه لاستيضاحه، لا سيّما في ما خصّ مسألة وقف إطلاق النار في جنوب لبنان أو وساطة المبعوث الأميركي إلى لبنان عاموس هوكشتين، إنما زاد من وتيرة ترداد نفس المواقف، ما يدل على أن قيادة الحزب حسمت موقفها في هذا الإتجاه.

وخلال زيارة هوكشتين الخاطفة إلى لبنان، الخميس الماضي، لوحظَ أن كبير مستشاري الرئيس الأميركي يُحاول التخفيف من وقع التهديدات الإسرائيلية للبنان، علّه يخلق فجوة في المناقشات، وهو ما سعى إليه فعلاً قبل وصوله إلى بيروت، حيث عمل مع من ينسّق وإياهم لبنانياً، على خلق ظروف ملائمة لزيارته. ولا ينكر من استمعوا إليه أو جالسوه، أنه نقل من تل أبيب “جواً إسرائيلياً مختلفاً عما يجري تناوله في الإعلام ، وقد خلت الأجواء من أي رسائل تهديد”، وهو ما عبّر عنه هوكشتين بنفسه من أن إسرائيل تسعى إلى الوصول لحل دبلوماسي للأزمة الراهنة”.”

يقول مقربون من السفارة الأميركية في بيروت لـ”ليبانون ديبايت” إن هوكشتين نجح خلال زيارته الأخيرة إلى تل أبيب الأسبوع ما قبل الماضي، في الحصول على “تنازل إسرائيلي” حيال خفض وتيرة الخطاب مع لبنان، سمح له بتسويق مشروع وساطته في بيروت. وعلم “ليبانون ديبايت” أن الصيغة ستكون جوالة، تشبه ما عُمل عليه خلال مرحلة الترسيم البحري.

وتنفي مصادر متابعة أي دور مقبل لما تسمّى “اللجنة الثلاثية” التي تجتمع دورياً في الناقورة. وفي اعتقاد البعض أن دورها المستقبلي في هذا المجال سينحصر في مناقشة بعض التفاصيل التقنية الدقيقة في حال الوصول إلى “تفاهم ما” وذلك بعد وقف مفترض لإطلاق النار. يبقى أن العطب الذي تُعانيه اللجنة يتجلّى على المستوى اللبناني في غياب المنسّق الرسمي مع القوات الدولية والمنتدب على طاولة الثلاثي، مع إحالة العميد منير شحادة إلى التقاعد قبل أكثر من شهر.

وفي هذا الصدد تُشير معطيات حصل عليها “ليبانون ديبايت” إلى أن “التفويض في هذا المجال متوفر، ولا خشية من حدوث فراغ، ربطاً بوجود آلية ترعى احتمال حصول مثل هذا العارض، ويأتي بالتنسيق بين رئيس الحكومة وقائد الجيش”.

أمّا ما يمكن تسجيله في غمرة كل هذه الأحداث، وضعية رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الحالية. فمواقف ميقاتي الأخيرة وجدت صدىً إيجابياً لدى الحزب، وكذلك بالنسبة إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري. ويمكن تسجيل مفارقة هنا حيال الحكومة الحالية المختلفة كلياً عن وضعية الحكومة التي سادت خلال عدوان تموز 2006. يؤشّر إلى ذلك طبيعة التنسيق بين الحكومة والمقاومة، وصولاً إلى ظهور ما يشبه التناغم في المواقف بين الجانبين.

وفي ظل سعي أميركي واضح إلى إطلاق المفاوضات حيال وضع الجبهة الجنوبية مع لبنان تحت شعار “خلق ظروف تشجع على عودة المستوطنين إلى الشمال”، تتبنّى حكومة ميقاتي نظرية: “وقف إطلاق النار أولاً في غزة”، وأخرى أوسع تتعلق بمدى الظروف الآمنة التي تتيح للنازحين على الجانب اللبناني العودة إلى قراهم، وهذا كان بنداً في المشاورات مع هوكستين.

عملياً، باتت الوقائع ثابتة، ولا تظهر ميلاً إسرائيلياً إلى توسيع المعركة حتى الآن، وإن حدودها ستبقى في الجنوب، جنوب الليطاني بشكلٍ أساسي مع بعض الخروقات التي تُسجّل شماله، وهذه لها حسابات أخرى بالنسبة إلى المقاومة، وتتعامل معها وفق حدود الخرق وحجمه، ضمن إطار ما بات يسمّى “التوازن في الضربات”.

لكن هذا كله ليس ما يشغل بال العدو، بعد ما بات يصطلح على تسميته “اليوم التالي” للحرب، على الجبهة اللبنانية تحديداً.

تُدرك تل أبيب أن مسألة إخراج “حزب الله” من جنوب الليطاني غير مطروحة ومنتهية سلفاً، وأن الحزب أبلغ ووضع رسائله في هذا الإتجاه وأمام أكثر من مصدر، وأنه يعتبر خروجه بمثابة الفوز لإسرائيل، وأن من تقول إسرائيل أنهم قوات الرضوان ويجب إخراجهم، هم في الحقيقة أهالي وسكان جنوب الليطاني، وأن الحزب كله قوات رضوان.

أمّا ما تريده، فيمكن تلخيصه بمحاولة الحصول على ضمانات، أو وعود، أو إرساء وقف طويل الأمد لإطلاق النار، يمكن استثماره في دفع المستوطنين نحو العودة إلى الشمال. وفي هذا المجال تؤكد المقاومة أنها ليست في وارد تقديم ضمانات أو وعود لأحد.

على هذا النحو ماذا سيكون عليه وضع الجيش الإسرائيلي؟ وفق تقديرات العدو، فإن “اليوم التالي” للحرب يستبطن خوفاً واقعياً من إمكان تحول “حزب الله” نحو الهجوم في ما يشبه ما حصل في 7 أكتوبر. لذلك، قد تُبادر تل أبيب إلى تخصيص أماكن وجود عسكري مغلقة بشكلٍ كثيف غير مماثل لما كان الوضع عليه ما قبل 7 أكتوبر، وهذا ما قد يخلق إشكالية للمستوطنين الرافضين تحويل “قراهم” إلى مناطق عسكرية أو ثكنات.

في النتيجة، لا مفرّ لتل أبيب من مسألة أساسية: تحويل جزء من الأراضي التي تحتلها إلى “حزام أمني”، لتكون لأول مرة في تاريخ الصراع تتراجع صوب إنشاء “أحزمة” داخل مناطق تسيطر عليها.

المصدر: ليبانون ديبايت- عبدالله قمح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى