2023 عام التحلّل.. و2024 عام البدايات الجديدة

صدى وادي التيم-لبنانيات/

يصعب على المرء أن يتخيّل أنّ كلّ المآسي التي تمرّ على لبنان في الوقت الحاضر، وكلّ النكبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي توالت منذ عام 2017 يمكن أن تتقاطع في نقطة انطلاق جديدة. غير أنّ عام 2023 الذي سقط فيه كلّ شيء بكلّ ما للكلمة من معنى، يثبت أنّ مقولة الـground 0 التي تحدّث بها دبلوماسيون أميركيون، والتي راجت في بداية هذا العام، كانت صحيحة. عادت البلاد إلى الصفر. ليس الفراغ السياسي وحده دليلاً على ذلك. بل هو أيضاً إفلاس اجتماعي، مصرفي، ونقدي. وها نحن نودّع العام بحرب حقيقية قد لا تبقى محصورة بالجنوب وسط كلام جدّي عن إمكانية توسّعها لتطال ضربات محدودة في العمق اللبناني، وهي حرب حتماً ستؤسّس لواقع أمني مختلف ربطاً بحرب غزة، وانطلاقاً من دور ووجود الحزب في لبنان، أمنيّاً وسياسياً.
انتهى عام تفكّك الدولة، وتفكّك تحالفات القوى السياسية فيها، لا سيما تلك المعمّرة منذ عام 2006، وتحديداً تحالف الحزب مع التيار الوطني الحر الذي يشهد تحوّلات في جسمه الحزبي سيكون لها تأثيرها في المشهد السياسي المقبل.

2024: نهاية النفق
في توصيف معبّر جداً عن مشوار هذا البلد بأزماته، بدا وكأنّ اللبنانيين دخلوا نفقاً مظلماً منذ انهيار الليرة وانفجار الأزمة السياسية الأمنية في البلاد، والانكشاف لانعدام توازن القوى بين مكوّناته، وسقوط المحرّمات أي التابوهات بعد ظهور طبقة لبنانية جديدة كوّنت رأياً عامّاً خارجاً عن قوى السلطة التقليدية. دخلنا النفق معاً، حزبيين وغير حزبيين، مستفيدين من مكتسبات النظام وغير مستفيدين، شركاء في الدولة العميقة وغير شركاء فيها. نودّع هذا العام بظلام كبير، إلا أنّ كلّ المعلومات تتحدّث عن انتهاء النفق في بدايات العام المقبل. مصادر دبلوماسية تتحدّث لـ”أساس” عن أنّ الانتظار لإعادة استقامة المؤسّسات الدستورية سينتهي قريباً، أي قبل انتهاء الحرب في غزة. كلّ الكلام الذي انتشر في تشرين الأول وجاء فيه أنّ الحرب في المنطقة جمّدت الرئاسة، لم يعُد يستقيم مع كلّ المعطيات الدبلوماسية التي وصلت إلى بيروت، لا بل إنّ بداية العام ستحمل معها مبادرتين.

مبادرة داخلية يقودها رئيس مجلس النواب نبيه بري غير البعيد عمّا يُحاك من تسوية للبلد.

ومبادرة خارجية ستكون مماثلة لمشهد التمديد لقائد الجيش.

عودة لودريان موفداً من الخماسيّة
بغضّ النظر عمّا إذا ما بقيت اللجنة خماسية أو رباعية أو بالأصحّ ثلاثية، فإنّ موفد الرئاسة الفرنسية جان إيف لودريان سيعود حاملاً معه طرحاً رئاسياً. مصادر دبلوماسية تقاطعت مع مصادر داخلية تستعيد مشهد الضغط الدولي لحصول التمديد لقائد الجيش على أنّه رئاسي في الواقع. وهو ما سيظهر في المرحلة المقبلة على أن يكون مصحوباً بنقاش حقيقي مع الحزب ومن خلفه إيران لإيجاد حلّ في لبنان ينطلق من ضمان الحدود وتطبيق الـ1701 وإعادة انتظام المؤسّسات لانتخاب رئيس وتشكيل حكومة في الأشهر الأولى من العام المقبل في تسوية دولية إقليمية تترجَم في لبنان لن تكون إيران بعيدة عنها.

الحزب والتسوية
الحزب ليس بعيداً عن أجواء التسوية التي تحضَّر في الأروقة الدبلوماسية تحضيراً لليوم الذي سيلي الحرب. لكنّه ينتظر الوقت المناسب ليقول كلمته. وفي المعلومات أنّ الخيارات أمام الحزب معروفة، وإيران ليست بعيدة عنها أيضاً. والكلام عن مقايضة مع الحزب، بتطبيق القرار الأممي مقابل مكاسب له في الرئاسة والنظام بعيد عن الواقع. لا مقايضة يُعمل عليها في الكواليس، ولا مسّ بالنظام اللبناني ولا باتفاقية الطائف. هي ثابتة من ثوابت العواصم المعنيّة بلبنان، وهي ثابتة لدى الفاتيكان الشريك الأساسي في ما يُحاك من حلّ للبنان، وهي أيضاً ثابتة لدى اللبنانيين، وتحديداً الحزب الذي يدرك تماماً أنّ المسّ بالطائف سيعني ما يشبه الحرب الأهلية وسط ارتفاع دعوات التقسيم والانفصال في لحظة ليست لمصلحته شعبيّاً.

لا يعني هذا الكلام أنّ أحداً سيدخل عهداً سياسياً وأمنيّاً ومالياً جديداً خاسراً أو رابحاً، بل سيجد كلّ واحد نفسه في تركيبة سياسية جديدة تقوم على واقع مختلف في لبنان على مستوى حجم القوى السياسية. بعضها سيكبر بفعل استثماره السياسي الصحيح في الأزمة، وبعض القوى سيجد نفسه خاسراً لمكتسبات سبق أن حصل عليها في السنوات السابقة.

يبدو هذا الكلام حاليّاً بعيداً عن الواقع لشدّة قسوة الحرب والانقسام الكبير، غير أنّ التسويات الكبرى لا تقوم إلا نتيجة الحروب الكبرى وعلى وقع الحديد والنار.

المصدر: جوزفين ديب – اساس ميديا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى