حربُ غزّة فتحَت بابَ الهجرة اليهوديّة المُعاكسة

صدى وادي التيم-متفرقات/

يمرُّ الكيانُ الصّهيونيّ، في مرحلةٍ خطيرةٍ جدًّا على بقائه، ويخوض قادته معركة الوجود، وقد تأكد لهم، أنّ زمن الهزائم الّتي كانت تلحق بالأنظمة العربية المتواطئة معهم، قد ولّى، وبدأ عصر الانتصارات مع المقاومة الفلسطينية وتوأمها المقاومة اللبنانية، الوطنية والإسلامية على السّواء، وهي الّتي افتتحت حرب التّحرير منذ الغزو الصّهيونيّ للبنان، واحتلال بيروت في صيف ١٩٨٢، فلم يتمكّن من البقاء فيها، حيث لاحقته عمليّات المقاومة الوطنية، إلى أن اندحر من أوّل عاصمة عربية يغزوها، بعد أقل من شهر، ويصرخ ضبّاطه وجنوده “لا تطلقوا النّار علينا إنّنا راحلون”.

وبدأَ الاحتلالُ بالانسحابِ تدريجيًّا من الأراضي اللبنانية المحتلّة، مع تصاعد عمليّات المقاومة، لا سيما التّابعة “لحزب الله”، إلى أن حصل التّحرير في ٢٥ أيار ٢٠٠٠، وبدأ العدو الإسرائيلي يشعر بالهزيمة، حيث ألحقت المقاومة فيه درسًا كبيرًا، في بلد منقسم، وكان يشهد اقتتالًا داخليًّا، وفريق داخله يتعامل مع العدوّ الصّهيوني، وهذا ما أعطى زخمًا للفلسطينيين، ليصعّدوا مقاومتهم، وتصدّرت حركة “حماس” عمليّات المقاومة بشتّى الوسائل، وإلى جانبها ظهرت “حركة الجهاد الإسلامي” كمقاومة أيضًا، إضافة إلى فصائل فلسطينية أخرى، في وقت كانت منظّمة التّحرير الفلسطينية ترمي السّلاح، وتعقد آفاق سلامٍ مع الكيان الغاصب، لإقامة سلطة فلسطينية في الضفة الغربية وغزة لم تحصل عليها شكلًا، كما لم تصل إلى قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشّرقية كما جاء في اتفاق اوسلو، الّذي أسقطه بنيامين نتانياهو عند وصوله إلى السّلطة عام ١٩٩٦، بعد اغتيال إسحاق رابين عام ١٩٩٥، الّذي وقّع الاتفاق مع رئيس منظّمة التّحرير الفلسطينيّة ياسر عرفات.

فلم يُعط اتّفاق السّلام “المزعوم “الشّعب الفلسطينيّ حقوقه، ولو على جزء من أرض فلسطين، الّذي استمرّ العدوّ الصّهيوني بقصفها وإقامة المستوطنات عليها، فاستقدم نحو ٧٥٠ ألف مستوطن، وأقام جدارًا فاصلاً، وحاصر غزة، وأقام مربّعات أمنيّة في الضفة الغربية، ظنًّا منه، أنّ الفلسطينين سيخضعون وأنّ قبولهم بالسّلام والتّنازل يعني ضعفهم، إلى أن انطلقت انتفاضة الحجارة عام ٢٠٠٠، ثمّ المقاومة في الضفة الغربية وغزة ممّا أخرج منظّمة التّحرير وتحديدًا حركة “فتح” الّتي لم تعد تسيطر على الأرض عبر شرطتها الّتي تعاونت أمنيًّا مع  الاحتلال الإسرائيلي.

هذا السّرد التّاريخي، لمرحلة ما بعد أوسلو، للإشارة، إلى أنّ العدو الإسرائيلي، الّذي ذهبت منظمة التحرير إلى السّلام معه، والاعتراف بكيانه، مع التّنازل عن أرض من فلسطين جرى احتلالها عام ١٩٤٨، لم يكن يضع في حساباته، صعود مقاومة من الشّعب الفلسطيني تنسف مخطّطه الاستيطاني، وإلغاء الوجود الفلسطيني، بالقتل والتّدمير والتّهجير كما يفعل في غزة، بحربه عليها، وبمقاتلة المقاومين في الضفة، فلم ينجح في مخطّطه الإجرامي، بعد ٦٦ يومًا على حربه التّدميريّة، فتمسّك الفلسطينيون بأرضهم، ولم يكن النّزوح الذي أراده قادة العدو، لتنفيذ مشروعهم التّوسّعي الاستيطاني، بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، ومن الضّفة الغربيّة إلى الأردن، ويتخلّص من المقاومة، الّتي تقفُ بوجه تصفيته للقضيّة الفلسطينيّة.

وجاءَت نتائجُ الحرب على أكثر من المتوقّع مع دخولها الشّهر الثّالث، ولا تتطابق والأهداف الإسرائيلية، فلم يتم القضاء على المقاومة وتحديدًا “حماس” كطليعة فيها ولا احتلال القطاع كأرض بلا شعب حيث أظهر الإعلام الصّهيوني، حجم الخسائر البشريّة، وتحديدًا في صفوف العسكريين والتي وصلت إلى نحو ٤٥٠ من بينهم عشرات الضباط من رتب مختلفة منذ عملية “طوفان الأقصى” إضافة إلى الجرحى فقدّرت التّقارير الإسرائيليّة الخسائر البشريّة بنحو خمسة آلاف، إضافة إلى نزوح نحو ٢٥٠ ألف نازح من غلاف غزّة والجبهة الشّمالية مع لبنان، وتكبّد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر ماديّة بلغت نحو ٥٠ مليار دولار.

فالخسائرُ الإسرائيليّة بدأت تظهر بعد شهرين ونصف الشّهر من عمليّة “السّيوف الحديديّة” الإسرائيلية، حيث كان التّأثير النّفسي أكبر، وهذا ما تسبّب بهجرة نحو ٤٠٠ ألف مستوطن خلال أشهر الحرب، وهو رقم سيرتفع مع استمرارها والّتي أعلن وزير الحرب يواف غالانت أنّها قد تمتد لعام، بالرّغم من أنّ أميركا، حدّدت المهلة حتّى مطلع العام المُقبل لأنّها غير قادرة على تحمّل المجازر ووقوف العالم ضدّها.

 فالكيانُ الصّهيونيُّ اعتمد على الهجرة لبقائه حيث ينظّم قادته في كلّ فترة حملة استقدام يهود من العالم مع ارتفاع عدد الفلسطينيين سواء في أراضي ال ٤٨ أو الضّفة الغربية بحيث سيبلغ عددهم نحو ٨ ملايين فلسطيني مقابل ٦.٥ مليون يهودي وجاءت هذه الحرب لتفتح باب الهجرة اليهودية المعاكسة وتقفل باب الهجرة إلى “أرض الميعاد” وأن إسرائيل التي تخسر عسكريًّا مع صمود المقاومة وعدم ثقة المستوطنين بجيشهم فهي ستخسر في معركة “الديمغرافيا”، لو توقّفت الحرب العسكريّة الّتي لن يفوز بها العدوّ الإسرائيلي الّذي يعترف قادته بأنّ عمر دولتهم المزعومة هو خمس سنوات بعد، وأنّ حرب غزّة بدأت بتقصير عمرها.

المصدر: كمال ذبيان – الأفضل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى