البترول: أخطر سلاح اقتصادي لا يجد من يستعمله
صدى وادي التيم-متفرقات/
هوكستين واثق، لا بل متأكد. وفي المقابل، الدول العربية تتحفظ وتحافظ، انها تراوح مكانها. كبير مستشاري الطاقة في البيت الأبيض الحاضر عند المفاوضات الهامة لا سيما في لبنان واثق بأن “الدول العربية المنتجة للنفط لن تستخدم البترول كسلاح اقتصادي”. وفي هذه العبارة اشارتين بالغتي الاهمية: اولا السلاح الاقتصادي بعينه اي ان للدول العربية قدرة ترقى الى مستوى السلاح الا وهو انتاجها للنفط فيما ان الاشارة الثانية المثيرة للنفور ولا للاستغراب طبعًا تكمن في الثقة بعدم استعمال هذا الاخير. ولا يقف الامر على تصريح هوكستين بعينه بل على الوسيلة التي صرح لها وهي الفاينانشال تايمز البريطانية الهوية. “رأسماليون ببعضهم” يتحدثون عن سلوك “العرب” وربما يكون يقينهم اكثر من يقين.
سلاح نفطي.. يزين ولا يخيف
وعلى الساحة الدولية ايضا تجلس الدول العربية المنتجة للنفط على الطاولة الاستراتيجية. وقد امتلكت هذه الاخيرة وبنسب مختلفة معطى طبيعيا يعزز موقعها الاستراتيجي دون اي شك ويفترض ان يجعلها تلعب دورا هاما على الصعيد الاقتصادي. الا ان ذلك السلاح لا يزال بعيدا عن استعماله كورقة ضغط على الرغم من تعبير هوكستين الصريح عن مخاوف دائمة من حصول هذا الامر. فثمن امتلاك اوراق رابحة يحتّمه صاحبها، فالموقع الجغرافي وان كان معطى طبيعيًا لا يعني بطبيعة الحال موقعًا متميزًا على الصعيد الاستراتيجي.
فعلى سبيل المثال، ان المملكة العربية السعودية التي تشكل “مصدّرا رئيسا وموثوقا للبترول الى الصين”، على حد قول وزير الطاقة السعودي، تحتوي حوالي 17% من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، وفق ما تذكر منظمة اوبك على موقعها الرسمي في احصاءات تعود لعام 2021، عدا عن الموارد الطبيعية الاخرى من غاز طبيعي وخام الحديد وذهب ونحاس. وتسعى المملكة في الوقت عينه الى الاستثمار معنويا وماديا في مجال الطاقة النظيفة المصنفة بديلة.
ولا تكون المملكة هي المثال الوحيد ولو انها دون اي شك الاكثر ذكرا واهمية على صعيد المنتجات النفطية الا ان وجود منطمة اوبك بعينها التي تضم دولا في الشرق الاوسط الى جانب دول افريقية نفطية خير دليل على ان للدول العربية قدرة وازنة على الصعيد النفطي.
وفي الجهة المقابلة، دعوات وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان لأعضاء منظمة التعاون الإسلامي الى فرض حظر نفطي على اسرائيل لا تبدو ان اي تجاوبات سوف تقابلها وسط تأكيد مصادر من اوبك لرويترز انه لا تخطيط لاجتماعات طارئة او اجراءات، وبالتالي لا استعمال للورقة النفطية كسلاح وورقة قوة ضاغطة.
وفي هذا السياق، وعن استعمال النفط كورقة ضغط، أشار الصحافي المتخصص في الشؤون الدولية أمين قمورية لـ vdlnews الى أن “مصالح بعض الدول العربية هي التي منعتها من فرض حصار نفطي على اسرائيل بما أن هذه الاخيرة تستعيد ما حصل سنة 1973 عندما اوقفت المملكة العربية السعودية النفط ما احدث ردود فعل اميركية غربية وبالتالي لا مصالح لبعض الدول اليوم في ازعاج الاميركيين والاوروبيين الى حد اجبارهم على اتخاذ مواقف صارمة”.
وأضاف: “لو تسير الدول العربية في مسار اتخاذ موقف قاس وحازم يصبح لديها اعتبار بين الدول فكانت سيحسب لها حسابًا الا اننا للاسف لم نتوصل بعد الى هذا المستوى”.
وتابع: “كل منهم يتحجج بمصائبه الداخلية والازمات الاقتصادية والمالية التي تعيشها بلاده او بعلاقات ومصالح دولته، فالذرائع موجودة دائماً كي يتهرب الحكام من مسؤوليتهم الحقيقية الى جانب من يتمنى لو أن البحر يبتلع فلسطين بأكملها كي يرتاح من هذه القصة”.
وأكد ان “استعمال العامل النفطي يحتاج الى قرار فيما أن بعض الدول لا تجرؤ على اتخاذه ولا تستطيع دولة ان تأخذ هذا القرار وتتركه دولة اخرى”.
الدول العربية بين مصالح وعلاقات وتخوف
بعيدًا عن النفط، واذا ما نظرنا الى القمة العربية الاسلامية التي اعتبرت استثنائية بفعل عدم انعقادها كما يسير في العادة دوريًا، نرى أنه ولو اعتمد بعض القادة لا بل كلهم لغة الهجوم والاستنكار الشديد الا ان هذه الاخيرة كانت بعيدة من تغيير واقع الحال. فغزة تحتاج الى أكثر من شجب واستنكار، حتى ان الهدنة التي تم التوصل اليها بجهود قطرية مصرية واميركية والتي تتمدد ليومين اضافيين لم تكن بجهود قطرية فقط.
فهل الدول العربية عاجزة عن تسجيل مواقف عملية حاسمة فيما أنها الاعنى بهذا الصراع الذي يدور في الشرق الاوسط منذ اكثر من نصف قرن؟
وفي هذا الصدد، اوضح قمورية أنه “في القمة العربية الاسلامية وبوجود 57 دولة، يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار التناقضات الموجودة بين الايراني والسعودي على سبيل المثال او الايراني والاماراتي الذي كان يسير في التطبيع”، مضيفًا “عندما تجمع كل هذه الدول داخل قمة واحدة سوف يكون البيان الصادر بالحد الادنى المقبول والذي يعتبر جيدًا الا وهو التأكيد على القضية الفلسطينية والمطالبة بوقف العدوان وهو امر مهم بما أنه مطلب فلسطيني ايضًا والتأكيد على مبدأ حل الدولتين ومحاسبة اسرائيل”.
والى جانب التناقضات تحدث قمورية عن علاقات جيدة لا تزال موجودة كما تنسيق قائم بين دول افريقية واسلامية عربية مع اسرائيل الى جانب وجود دول مقاطعة.
وشدد قمورية على ان “الدول العربية ليست قادرة على اتخاذ موقف اقوى، فلو كانت الدول العربية متحدة وذات موقف اكثر صرامةً لا اعتقد ان اسرائيل كانت ستفعل ما تفعله لا في غزة ولا حتى في لبنان او اي مكان آخر، فالمشكلة بدأت عند اختلال التوازن وعملية التطبيع”.
واعتبر أن “ما ينقص الدول العربية هو القرار والارادة والادراك ان فلسطين ليست قضية محلية بل عربية بامتياز ومحورية، وهم مدركون لهذا الامر لكن ليسوا مضطرين على دفع الاثمان بالاضافة الى أن النزعة الفطرية اصبحت سائدة، فالحلم بعروبة والحلم باستعادة فلسطين لم يعد موجودان”.
ولفت الى أن “الدول العربية شهدت هزائم وحروب داخلية بالاضافة الى وجود تخاذل في الموقف العربي ازاء القضية الفلسطينية وقضايا الشعوب”.
ولا يكون اختلال التوازن ظاهرة جديدة في ظل نظام دولي تفرض فيه دول مصنفة “أولى” عقوبات على رؤساء ومسؤولين وشركات في الدول الاقل قوة وآخرها اصدار مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس السوري بشار الاسد بصرف النظر عما ادى الى اصدار هذه المذكرة. ولا يعود اختلال التوازن مستغربًا في حين يسيطر على مجلس الامن المكلف حفط السلام في العالم قوى كبرى تستأثر بحق فيتو تقف عند قرارها اكثر القضايا سخونة في العالم.
المصدر: نور الحاج