البقاء رحلة شاقة… اقتصاد الجنوب رهينة الحرب

صدى وادي التيم-متفرقات/

بعدما كان جنوب لبنان ينبض بالحيويّة، خاصّة بمواسمه الّتي تعتبر مصدر رزق للعديد من العائلات الجنوبيّة، ها هو اليوم يكافح عواقب القلق المستمر حيال الأمن وظلال الحرب، حيث أثّرت تلك الصّراعات على الاقتصاد المحلّي، ممّا أدّى إلى سلسلة من التّحديات الّتي غيّرت وجه التّجارة في أسواق الجنوب.

في بلدة شبعا الجنوبيّة، تكمن هذه التّحديات أمام معاناة المتاجر الّتي تعمل في ظروف غير مسبوقة، ومن بين الأمثلة الملموسة يواجه سامر، صاحب سوبرماركت محلي، تحوّلات اقتصادية جذريّة جراء تدهور الأوضاع الأمنيّة، تتجسّد في مشاهد الرّفوف شبه الفارغة الّتي كانت في السّابق مزوّدة بتشكيلة متنوّعة من المنتجات، فهو يعاني من نقص حاد في السّلع الأساسية، بسبب صعوبة الوصول إلى بلدة شبعا، ممّا أدى إلى تراجع ملحوظ في تنوّع السّلع المتوفّرة.

ولا شكَّ أن القلق يسيطر على نفوس أبناء الجنوب، الّذين يدركون حتماً، العواقب السّلبية الّتي تنتج جرّاء الحرب، فبصمات حرب تمّوز لم تُمحَ من ذاكراتهم، ولا دمار الحرب الأهليّة، ولا أحد يريد أن يرى مشاهد غزّة الّتي أنتجها الجيش الإسرائيلي ضمن سلسلة مجازره بحق أهالي فلسطين، تنبت في لبنان.

ويعكس كلام كامل، تاجر آخر في المنطقة، حالة الرّكود الاقتصادي الّتي تعاني منها بلدته، ويشير إلى أنّ نسبة كبيرة من السّكان قد نزحوا إلى مناطق آمنة، ممّا أدى إلى نقص كبير في العملاء والمشترين في المنطقة، بالتّالي انخفضت نسبة المبيعات بشكل ملحوظ أيضًا، حيث اقتصر الطّلب على المواد الأساسيّة فقط. إضافة إلى ذلك، العديد من أصحاب المصالح يجدون أنفسهم مضطرّين للخوض في مخاطر إضافيّة، من أجل ضمان تأمين المواد الضرورية التي ينقصها “بخاطر بحياتي وبروح على متاجر بمناطق ثانية كرمال جيب بضاعة، لإن التّجار المتجولين عم يخافوا يوصلوا لعندنا”.

أمّا بالنّسبة لموسم الزّيتون، المعيل لعدد كبير من الأهالي، فيقوم المزارعون بقطف الزّيتون وسط الخطر، ومع ذلك تواجه المنطقة مشكلة في التّصريف المحلي، حيث يؤكّد تاجر من الجنوب أنّ عدداً من التّجار لم يصلوا إلى منطقته هذا العام بسبب الوضع الأمني الخطير. إضافة إلى إحراق جيش العدو أكثر من 40 ألف شجرة، تحمّل خسائرها أصحاب الأراضي الّذين لا ذنب لهم بكل ما يحصل.

ومن جهة أخرى، يروي نبيل، الّذي كان موظّفًا في أحد المحال التّجارية في الخيام، قصّة نزوحه وعائلته إلى شمال لبنان، بحثًا عن مكان آمن. ومع وصولهم إلى هناك، واجهوا مزيدًا من الصّعوبات، حيث تضاعفت تكاليف المعيشة بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار الإيجارات، وصعوبة إيجاد فرص عمل والتّأقلم مع “حياة جديدة”.

ورغم أن جبهة التّوتّرات تنحصر حتّى الآن في الجنوب، إلّا أنّ “التّدهور الاقتصادي” يجتاح أرجاء لبنان، الّذي ينتظر موسم الأعياد ورأس السنة، متحضّراً لاستقبال الزّائرين والمبتهجين ليدعموا القطاع السّياحي، العمود الفقري للاقتصاد اللبناني. ومع ذلك، نتيجة القلق الأمني، لم تسهم الظّروف في تطوير هذا القطاع، بل شهد تراجعًا ملحوظًا، ولا توجد مؤشّرات تبشر بالخير، بل تشير الإحصاءات والأرقام إلى مزيد من الخيبة والقلق.

في الوقت نفسه، انخفضت حركة المطاعم والمبيعات بنسبة تتراوح بين 70% و80%، وفقًا لرئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان، طوني الرامي، خلال حديثه مع إحدى المؤسسات الإعلامية اللبنانية. علاوة على ذلك، انخفضت نسبة الحجوزات للسيارات المؤجرة بين 10% و15%، بينما وصلت في السنة الماضية في نفس الفترة إلى 60%. وأشار رئيس نقابة أصحاب وكالات تأجير السيارات السياحية الخصوصية، محمد دقدوق، إلى استمرار تراجع حركة تأجير السيارات.

إذا، الطريق نحو إحياء الاقتصاد يبقى رحلة شاقة، يسلكها اللّبنانيون في حال انتشرت النّوايا الحسنة الّتي تسعى إلى إنقاذ البلد وليس تعويمه في مستنقعات الفساد والمشاكل. ومع ذلك، في ظل التحديات، تعد الرّوح الصّلبة للمجتمع اللّبناني بشكل عام، والجنوبي بشكل خاص، دليلاً على قدرة التّحمل والعزم، مع الالتزام الثّابت بتعزيز الاستقرار وإحياء الاقتصاد المحلي. وأخيراً، لعلّنا نتذكّر حملة “عيدا عالشّتوية” الّتي أطلقتها وزارة السّياحة في الصّيف الماضي بهدف تشجيع اللّبنانيين المغتربين والسّياح العرب والأجانب لزيارة لبنان، فلا بدَّ على “الدّولة اللّبنانيّة” أن تطلق حملة جدّية تستعيد خلالها هيبتها، وتنتج الاستقرار الأمني والاقتصادي الّذي ينتظره الشّعب اللّبناني…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى