كي لا ننسى…أبو ملحم

صدى وادي التيم – متفرقات /

الفنان القدير “أديب حداد” المعروف ب”أبو ملحم”… ممثل ومؤلف لبناني من مواليد شباط 1912 في مدينة عالية. تخرج في الجامعة الوطنية عام 1939.
في عام 1941، أنتقل إلى الأردن للعمل مع أخويه وهناك راح ينظم الشعر، كما انصرف إلى الفن المسرحي مشاركاً في تمثيل روايات بالعامية كان يكتبها أمير الزجل “وليم صعب” في الفترة بين 1935: 1943. من بين هذه الأعمال: “علي بك الأسعد”، “الأجنحة المتكسرة”، “يوسف بك كرم”، “ابن الفن”، “عمر بن الخطاب”، “فجر الاستقلال”… وفي الفترة بين 1942، 1945 كتب حداد عدة تمثليات بالعامية مثل:
– (الحب في الضيعة، الحما والكنّة، خالتي القومية، ليلى بنت الجبل)…
وعندما تأسست شركة التلفزيون اللبنانية سنة 1959 تعاقدت معه فقدّم برنامجاً أسبوعياً بعنوان “أبو ملحم” حتى سنة 1965 ثم تبدّل العنوان بعدها وأصبح “يسعد مساكم”. في كل أسبوع حلقة تمثيلية من تأليف “أديب حداد” وبطولته مع أم ملحم (زوجته في الحياة وفي التمثيليات)، ولميا فغالي، وإيلي صنيفر، وليلى حكيم، وسمير فوزي (درويش) كعناصر تمثيلية ثابتة..
رافق أبو ملحم بوعظه وارشاده ومحبته الناس في الإذاعة والتلفزيون، فكان المثل والمثال لهم. كان القدوة في حكمه وعبره. صوته المميز وهو ينطق بحرف القاف لا يزال راسخاً في بال الكثير من المسنين والمعمرين الذين رافقوه وأحبوه وتأثروا به.
“أبو ملحم”، هو بالواقع “أبو زياد” من مدينة عاليه، وهو أب لثلاثة أولاد، هم المهندس ورجل الاعمال زياد، وراغدة ودنيا من زوجته الممثلة القديرة “سلوى حداد” وظلا معاً حتى وفاته في 1 كانون أول 1986…
“أم ملحم” و”أبو ملحم” نجوم لا ينطفئ بريقها حتى يومنا هذا.. ذكريات تدغدغ القلب وحنين لأيام الألفة والمحبة…
“بو ملحم” مدرسة اجتماعية خلاقة في زمن جميل نأمل ونتمنى أن يرجع لنا بالسلامة….
سلوى حداد:
من المدرسة الوطنية الى التلفزيون الوطني:
بقلم الكاتب والمخرج الأستاذ محمد كرّيم.
عندما كان أديب حداد يقدم برنامجه التمثيلي الانتقادي الاجتماعي ( أسود وأبيض) في اذاعة الشرق الأدنى عام 1955، كانت زوجته سلوى حداد تمارس عملها كمدرسة ومربية في المدرسة الوطنية في عاليه حيث تعرف عليها ايام كان يدرّس فيها هو ايضاً.
لم يكن أحد يدري في حينه حتى ولا اديب حداد نفسه، ان أم البنين سيكتب لها بعد أقل من عقد واحد من الزمن ان تلعب في التلفزيون نفس الدور الذي تلعبه في منزلها وان اختلفت الألقاب فتصبح أم ملحم بدلاً من ام زياد.
سنة 1959 طلبت الإذاعة اللبنانية من أديب حداد ان يقدم برنامجاً إنتقادياً توجيهياً فكاهياً، فقدم برنامج ” الدنيا صور ” ووضع له مقدمة زجلية يقول فيها :
الدنيا صور وحكايات
ونهفات وتمثيليات
وحكاياتي بالميات
كان البرنامج عبارة عن ثلاث فقرات تمثيلية يربط بينها أديب حداد بأبيات زجلية تاتي تعليقاً لما سبق من مسمع تمثيلي وتمهيداً لما سيأتي، لكنه لم يكن يشارك في تمثيلها اذ لم يكن خاض تجربة التمثيل بعد.
وعندما بدأت الإذاعة اللبنانية تفكر بتعزيز الفترة الصباحية، اذ أشارت الإستطلاعات الى كثافة الإستماع خلالها، تم التخطيط لثلاثة برامج صباحية هي : “بيفرجها الله ” لجورج ابراهيم الخوري وقد شاركته البطولة فيه ناديا حمدي، و”ابو قدّور ” لمحمد شامل وكان يؤديه منفرداً بصوته، وبرنامج ” صباح الخير ” لأديب حداد الذي أحب ان يخوض فيه تجربة التمثيل.
في هذا البرنامج ولدت شخصيات: أبو ملحم التي لعبها أديب حداد، وشخصية ملحم التي لعبها عماد فريد، وشخصية أم ملحم، التي بقينا في حينه نبحث عمن يلعبها من العنصر النسائي وتتوافر فيه المواصفات المطلوبة خصوصاً لجهة العمر. وقد استعنّا وقتها بإحدى الممثلات – فاتني اسمها الآن – لعبت عدة حلقات، لكنها لم تكن لتنسجم مع السياق العام للبرنامج وبخاصة لجهة اللهجة التي كان يعتمدها أديب حداد في كتابة البرنامج والتي طلب منه ان تكون باللهجة “الجبلية ” ليكون التوجه عاماً نحو المستمعين ساحلاً وجبلاً .
ولما أعيانا البحث عن الممثلة المناسبة لدور ام ملحم وصار الوقت ملحّاً، أقترح أديب حداد ان تلعب الدور زوجته سلوى على سبيل التجربة، وهكذا كان
ولم يكن أحد يتوقع في حينه أن تؤدي سلوى حداد دور أم ملحم بهذه المقدرة، حتى لتحسب أنها خلقت لتؤدي هذا الدور بهذا الصدق وهذه الكفاءة العالية. كانت سلوى حداد تؤدي دورها كخبيرة بأجواء القرية، ببساطة ودون افتعال وبخلفية ثقافية وظفتها في خدمة الدور. وفي يقيني انها هي التي بلورت شخصيتها التمثيلية او انها هي التي ساعدت زوجها على رسم الشخصية لتتناسب مع ملامح شخصيتها الحقيقية: المرأة القروية البسيطة والطيبة وفي الوقت عينه الواعية والذكية والحريصة على سمعة الضيعة ومن فيها، وعلى أصالة القرية اللبنانية وقيمها وخلقيتها.
وقد تجلت مقدرة سلوى حداد التمثيلية وازدادت بالتالي شهرتها بانتقالها وزوجها لتقديم برنامجهما في التلفزيون اللبناني القناة 7 تحت عنوان ” يسعد مساكم ” الذي كان جمهور المشاهدين ما ان يسمع مقدمته الموسيقية حتى يهرع للجلوس امام الشاشة الصغيرة كي لا تفوته متعة الفرجة ولذة العبرة التي كان يقدمها البرنامج.
كان التلفزيون أول عهده في لبنان، ومعظم البيوت لم تكن حوت جهازاً تلفزيونيا بعد، لكن هذا لم يمنع المشاهدين وخصوصاً أهل القرى والريف، ومن انتقل منهم للسكن في بيروت، من قرع باب اي جار من الجيران يملك جهاز تلفزيون ويجلسون باسم الجيرة يشاهدون هم واولادهم برنامج ” يسعد مساكم ” الذي يطل عليهم فيه: اديب حداد وسلوى حداد ولميا فغالي ( فابيولا ) وايلي صنيفر وآخرون. كان المشاهدون يتسمرون امام الشاشة الصغيرة يتمتعون بمتابعة القصة واحداثها، حتى اذا ما انتهت الحلقة اطمأن الجميع الى ان الضيعة ما زالت بألف خير وان الحب ما زال يربط بين اهلها، وانه اذا ما ضلّ أحد من ابنائها او شذّ عن الطريق القويم، فأبو ملحم وأم ملحم له بالمرصاد حتى يؤوب الى الصواب ويعود الى مجتمع الخير بين أهله وعشيرته.
كان البرنامج يصور برومانسية وواقعية حياة القرية وعلاقة الناس بعضهم ببعض. كان سمير فوزي (درويش ) يمثل القروي الساذج الطيب، ولميا فغالي ( فابيولا ) السيدة المتعالية المتعجرفة، وعليا نمري الأم الطيبة المغلوب على امرها، اما ايلي صنيفر، وهو من الشخصيات المحورية في القصة، فكان يمثل دور الولد الضال او الانسان الشرير الذي يعيث في القرية فساداً ثم يعود في كل مرة ويتوب على يدي ابو ملحم وام ملحم. وكان الخير بالطبع هو الذي ينتصر في النهاية. كان المتلقون يسعدون لهذه التوبة اذ ان الجميع حريصون على بقاء اجواء القرية صافية نقية لا يعكر صفوها شخص غريب او حادث مريب.
احبت سلوى حداد العمل الدرامي وبرعت في شخصية ام ملحم، وبخاصة في التلفزيون الذي حقق لها شهرة ونجومية قل نظيرها. وهي لم تستقطب محبة واعجاب جمهورها فحسب بل جمعت الى ذلك محبة العاملين معها ومع زوجها، في رحلتهما الفنية التي امتدت اكثر من خمس عشرة سنة حافلة بالعطاء، قدما خلالها مع افراد الفرقة حوالي سبعمئة وخمسين حلقة تلفزيونية عدا الحلقات الإذاعية.
بوفاة اديب حداد توقف كل نشاط فني لسلوى حداد، فهي ما احترفت التمثيل الا لمساعدة الزوج وانجاح برامجه في الإذاعة والتلفزيون وكأنها كانت تعتبر ذلك واجباً من واجبات الزوجة الأصيلة تفرضه الضرورات العائلية.
بعد رحيل أديب حداد رفيق عمرها، جلست سلوى حداد في منزلها تعيش على ذكرى الأيام الجميلة وايام النجاحات والشهرة، وايام العز في القرية وايام الصفاء والإزدهار في لبنان.
سلوى حداد ” ام ملحم ” و ” اديب حداد” سيبقيان علامة مميزة في وجدان المواطن اللبناني وذكرى خالدة في الذاكرة الوطنية رحمهما الله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى