“الخطابُ المذهبيُّ” في لبنان يتراجعُ بسبب الحرب

صدى وادي التيم-لبنانيات/

خفّفت الحربُ الإسرائيليّة التّدميريّة على غزة خصوصًا وفلسطين عمومًا، من حدّة الخطاب المذهبيّ، وإذكاء الصّراع السّنيّ – الشّيعيّ، لا سيما في لبنان، الّذي يشهد منذ مطلع القرن الواحد والعشرين، تحريكًا للفتنة، وتحديدًا بعد اغتيال الرئيس الشّهيد رفيق الحريري، الّذي كان الشّرارة الّتي أيقظت الفتنة النّائمة، وتحضر مع كلّ أزمة أو حرب، وهي ظهرت بعد الغزو الأميركي للعراق في العام ٢٠٠٣، حيث بدأ الحديث مع الاستفادة الإيرانية من سقوط النّظام العراقي برئاسة صدام حسين، عن “هلال شيعيّ” تسعى له طهران منها مرورًا بالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وتوسّع بعد ذلك إلى اليمن، بدعم إيران “للحوثيين” الّذين ينتمون إلى “الزّيديّة”.

فالحربُ العراقيّة – الإيرانيّة في العام ١٩٨٠، والّتي دامت نحو ٨ سنوات، حرّكت “المستنقع المذهبيّ”، أيضًا، لا سيما وأنّ “الثّورة الإسلاميّة في إيران”، دعا قادتها إلى تصديرها، فاتّجهت نحو “الشّيعة” في دول عربيّة، ومنها لبنان، فأسّس “الحرس الثّوري الإيراني”، “حزب الله”، كحركةٍ جهاديّةٍ، وكان لها دورٌ فاعلٌ في إطلاق المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وسجّلت انتصارات، وصلت إلى تحرير لبنان من هذا الاحتلال في ٢٥ أيار ٢٠٠٠، ثمّ في الصّمود بوجه العدوان الإسرائيلي صيف ٢٠٠٦، وتوجيه هزيمة للجيش الّذي لم يحقّق أهدافه ففي الوقت الذي كانت إيران، تخترق السّاحات العربية، فإنّ دولًا عربية لا سيما خليجية، وقفت ضدّ “المدّ الإيراني”، الّذي استطاع أن يسيطر على أربع عواصم عربية في بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وتحالف قوى المقاومة الفلسطينية معها.

فالتّوسعُ الإيرانيُّ، كان ينظر إليه خصوم “الثّورة الإسلامية”، بأنّه “تمدّد فارسي”، ونفوذ “شيعيّ”، فكان تحريك من دول عربيّة لا سيّما خليجيّة، للوقوف بوجه “التّمدّد الفارسيّ” ضدّ “العروبة”، و “التّشيّع” للهيمنة على السّنّة.

لكنّ إيران، ردّت على هذه المزاعم، فكانت فلسطين هي الأساس، فافتتحت لها “الثّورة الإسلاميّة” سفارة، بعد إقفال السّفارة الإسرائيلية، التي كانت موجودة أيّام حكم الشّاه، الذي ربط بلاده بحلف مع أميركا وشرطيّ لها، فكان انتصار “الثّورة الإسلاميّة” انكسارًا للولايات المتّحدة، الّتي خسرت حليفًا، وربحت فلسطين صديقًا، فتعاونت فصائل فلسطينيّة، مع “إيران الثّورة”، وأوّلها حركة “فتح” برئاسة ياسر عرفات، فدخل حليفٌ جديدٌ إضافيٌ إلى القضيّة الفلسطينيّة، فنشأت مقاومة في لبنان، فكان “حزب الله”، ثمّ حركة “حماس” في العام ١٩٨٧، وبعدها “الجهاد الإسلامي”، كما تلاقت سوريا وإيران في حلف عزّز التّوازن بوجه الكيان الصّهيوني.

فلم تلتفتْ إيران إلى ما كان يروّج عنها بأنّها تعمل “للتّشيّع” و “الأفرسة”، فكان “تجمّع العلماء المسلمين” الذي ضمّ مشايخ من السّنّة والشّيعة، للتّخفيف من حدّة الاحتقان المذهبيّ، حيث كانت فلسطين هي العنوان الّذي التقى تحته رجال دين وأحزاب وقوى وشخصيّات، حيث أسهم “يوم القدس” الّذي أطلقه قائد “الثّورة الإسلاميّة” الإمام الخميني، هذا اليوم في آخر جمعة من شهر رمضان، الّذي يشارك فيه مسلمون من السّنّة الشّيعة وهذا ما ساهم في تطويق التّحريض بينهما من قبل قوى لم يرقها أن تحمل طهران قضيّة فلسطين، الّتي تخلّى عنها أصحابها (منظّمة التّحرير) ودول ذهبت إلى “السّلام” مع العدوّ الإسرائيليّ، فكانت إيران هي المُناهض للمشروع الصّهيوني، ودعا الخميني إلى اجتثاث إسرائيل كغدّة سرطانيّة من جسم الأمّة.

ففلسطين، أسقطت المشاريع المذهبيّة والطّائفيّة، وهي قضيّة شعب طرد من أرضه، فكان دعم إيران ومعها “حزب الله” لحركتي “حماس” و”الجهاد الإسلاميّ”،  على أنّهما مقاومة لتحرير الأرض، فغاب الخطابُ المذهبيُّ بعد عمليّة “طوفان الأقصى” الّتي نفّذتها “كتائب القسّام” التّابعة لحركة “حماس”، ثمّ مشاركة فصائل فلسطينية في التّصدّي للعدوان الإسرائيلي على غزة، وهو ما انعكس على ساحات أخرى ومنها لبنان، الّذي دفنت فلسطين فيه الخطاب المذهبيّ، فكانت طريق الجديدة في بيروت الّتي تلاصق الضّاحية الجنوبيّة، تتظاهر تضامنًا مع غزة ، حيث توحّدت إلى حدّ ما السّاحة الإسلاميّة، وهذه من إيجابيّات الحرب التي تكلف شهداء وجرحى ودمار ، ولكن أعادت الوحدة ، الّتي هي نقيض لمشروع التّفتيت الصّهيوني، حيث خرج رجال دين سُنّة، يؤيّدون “حزب الله” ومقاومته ويدعون أمينه العام السّيد حسن نصر الله، بضرب إسرائيل، وهذا ما خلق بيئة حاضنة للمقاومة، الّتي باتت ترتاح للوضع الدّاخليّ.

المصدر: كمال ذبيان – الأفضل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!