التّدفّقُ المجنونُ للنّازحين يقلبُ الآراء.. لم يعد ورقة سياسيّة!
صدى وادي التيم-لبنانيات/
مع بدء المعارك في سوريا، انبرت قوى سياسيّة لبنانيّة للدّفاع بقوّة عن النّازحين السوريين في لبنان، لاستغلال وضعهم كورقة إنسانيّة يمكن اللّعب بها ضدّ دمشق، لضرب صورتها دوليًّا، وتفصيل الاتهامات عبرها للقول إنّ هؤلاء الهاربين من بطش المعارك إنّما يتحمّل مسؤولية ما وصلوا إليه الرئيس السوري بشّار الأسد.
بدأت الشّبهات تدور حول مواقف جهات سياسيّة تصرّ على بقاء النازحين واستقبال المزيد منهم داخل الأراضي اللبنانية، تحديدًا قوى ما عُرف ب١٤ آذار، عندما بات واضحًا أنّ هناك أراضٍ سوريّة خرجت من دائرة المعارك وعادت آمنة، حيث رفضت هذه القوى عودة اللاجئين الذين أتوا من هذه المناطق.
القوّات اللبنانيّة، الكتائب، تيّار المستقبل والحزب التّقدمي الاشتراكي، قوى رفعت شعارات واضحة تدعم فيها اللّجوء السّوري إلى لبنان وتعرض نفسها كحامية وضامنة لهذا اللّجوء.
أرادَ البعضُ، في الدّاخل والخارج، لمخيّمات النّازحين أن تصبح ورقة إنسانيّة كما ذكرنا، من خلال الدّعاية الصّارخة التي تمثّلها، والّتي يمكن توجيهها بسهولة من قبل الجهات الداخليّة والخارجيّة التي تمتلك سطوة الإعلام.
طمحَ البعضُ الآخر لتتحوّل هذه المخيّمات إلى ورقة ضغط أمنيّة على منطقة البقاع، أو على كلّ لبنان، خاصّة في ما لو أتت الرّياح في ريف دمشق وريف حمص كما اشتهى، أيّ لو انتصرت التّنظيمات التي قاتلت الجيش السوري وسيطرت على المناطق المحاذية للحدود اللبنانية.
المُلفتُ اليوم أنّ القوى السياسيّة اللبنانيّة الأساسيّة التي حمت اللّجوء السوري في لبنان ورفضت إعادة أيّ لاجئ إلى أرضه، لا طوعًا ولا كرهًا، تغيّر موقفها مع تغيّر الظّروف.
تيّار المستقبل علّق نشاطَه السّياسيّ، وهو اليوم أضعف بكثير من أن يتّخذَ قراراً بالتّحرّك في مسألة يبدأ صداها عند الحدود اللبنانية السورية ولا يقف عند الحدود الأوروبية.
القوّات اللبنانيّة باتت محرجة جدًا أمام الشارع المسيحي من تعاظم الوجود السوري، وإشكال الدورة يأتي ليمنح التيار الوطني الحر أفضليّة واضحة في مسألة كان موقفه منها منذ البداية منسجمًا مع موقفه منها اليوم.
النائب وليد جنبلاط لم يعد لديه ما يقوله في مسألة النزوح، وهو الذي انتظر كثيرًا سقوط النطام في دمشق دون جدوى، منذ اجتياح الجيش الأميركي إلى العراق، وحتى “ثورة” العام 2011 التي كرّست الأسد رئيسًا لسوريا إلى أجل غير مسمّى. وجلّ ما قام به مؤخّرًا هو تحريض بعض أهالي السويداء على مناكفة دمشق.
الخطر الوجودي الذي طرحه دخول عشرات الآلاف من السوريين إلى لبنان خلال فترة وجيزة أشعر الجميع بمدى جدّية ما حصل ويحصل، حيث أنّ من يخاف على وجوده لا يمكن أن يصمد أمام هجرة غير شرعيّة قوامها أكثر من مليونَي شخص.
هكذا انقلبت الآراء لدى البعض ولم تعد المسألة مسألة تأييد ثورة في سوريا وتغيير حكم في دمشق يجب أن يسبق عودة النازحين. فهم الجميع أنّ ما كُتب في سوريا قد كُتب، والأمور انتهت إلى بقاء هذا البلد في معظم جغرافيته داخل موقعه السياسي، وهكذا استفقنا بيّن ليلة وضحاها على تصريحات من القوّات اللّبنانية تدعو إلى عدم انتظار الحلّ السّياسي في سوريا من أجل إعادة اللاجئين!
وجد هذا النّوع من القوى نفسه مضطرًّا لرفض قرارات الاتحاد الأوروبي التي تشجع اللاجئين السوريين على البقاء في الدول التي لجأوا إليها، خوفًا من هجرتهم عبر البحر إلى الدول الأوروبية وانتقال الضغط السكاني وما يرافقه من أزمات إليها.
اليوم فقط استفاق البعض على تبديل شعاراته وتصريحاته، فبدل حماية السوريين من المعارك، وبدل تصويرهم كهاربين من الأسد، باتوا خطرًا وجوديًّا وبابًا للإرهاب أو للتّغيير الديمغرافي، وبات تهديدهم بالخطر يستدعي دعوات لفتح البحر أمامهم إلى أوروبا.
وفي الختام يرى المراقبون أنّ الاستفاقة هذه جاءت بعد فوات الأوان، وأن القوى المذكورة التي لم يُسجَل لها أن قامت بأفعال ملموسة تتناقض مع رغبات دول الخليج العربية في تاريخها، إنّما تتلو اليومَ فعل الندامة، وبدلاً من أن يكون النازحون ورقة ضغط على الدولة السورية وسيفاً مسلّطاً على عنقها، باتوا يشكّلون ورقة ضغط على هذه القوى وعلى داعميها وسيفاً بيد الدولة السورية لا بدَّ لتحييده عن رقابهم من الذهاب إلى دمشق و محاورة الرئيس الأسد وحكومته من أجل اجتراح الحلول والحفاظ على الأقليّات اللبنانية ودورها ووجودها في ظل أزمة اقتصادية خانقة كانوا هم ومن تعهّدهم سبباً من أسبابها،.
وهكذا تسجل هذه القوى خيبةً أخرى تضاف إلى خيباتها وفشلاً إضافياً في رهاناتها غير المدروسة، وكأنها وهي تقف عاجزةً وحدَها عن معاندة الغرب قد اقتنعت بما لا يقبل الشكَّ بقول الرئيس الأسد : ” إنّ من يحاول عزلَ سورية إنما يعزل نفسه عنها “.
المصدر: رأفت حرب –”الأفضل نيوز”