إسرائيل “مؤدبة” في لبنان فقط!

صدى وادي التيم-امن وقضاء/

اعتادت “إسرائيل” ألا تعير وزناً لأي من الدول العربية، تضرب وتبطش منذ نشأتها الأولى عام 1948، وسبق أن قاتلت على ثلاث جبهات عربية عام 1967 وانتصرت، وكان لبنان دائماً الحلقة الأضعف، تجتاحه حين تشاء، ووصف ذات مرة أحد قادتها ، وزير الدفاع الأسبق موشي ديان، الجيش اللبناني بأنه لا يستأهل أكثر من فرقة موسيقية من جيش الدفاع الإسرائيلي.

هذا “اللبنان” اليوم بات الدولة الأقوى والأقدر على فرض معادلات جديدة لم تقو على فرضها أي من الدول العربية، ويتعاطى معه العدو وفقاً لقواعد الشكاوى والاعتراض وحسب، بخلاف تعاطيه مع سوريا والعراق وليبيا والسودان وحتى مع إيران. لماذا؟ وكيف؟

بعد التحرير عام 2000، ثمة قواعد فرضتها المقاومة على العدو منعته من التمادي في الاعتداء على لبنان، وتدرّجت تلك القواعد واستحالت إلى قواعد ردع ثابتة بعد حرب تموز 2006.  ومذاك لم نشهد اعتداء على لبنان إلا وقابله رد أقوى من المقاومة أو من الجيش، إلى أن بات العدو مردوعًا بالكامل، وربما الخيمة التي نصبها حزب الله في مزارع شبعا هي نموذجٌ صارخٌ على ذلك. هذا فضلاً عن تحول إسرائيل قبلاً إلى دولة “عاقلة” أو “مؤدبة”، تنسحب من لبنان وتقدم تنازلات وتتوصل لحلول وسط في ملف الحدود البحرية.

وبالعودة إلى الخيمة، ثمة أمر يثير الاستغراب، إذ لم نعتد على إسرائيل هذا التصرف، حيث تختار الحلول السلمية لإزالة خيمة على الحدود بالكاد متواجد فيها عناصر للحزب على عدد أصابع اليد الواحدة، تجنباً لوقوع حرب لا تحمد عقباها مع مقاومة شرسة ومقتدرة تهدد بدخول الجليل في الحرب المقبلة. 

وراحت الحكومة الإسرائيلية توزع شكواها في كل حدب وصوب، ووصل بها الأمر لأن تحمّل هذه الشكوى للوسيط الأميركي لشؤون الطاقة عاموس هوكشتاين الذي نقلها بدوره إلى رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري، وتفيد بأن “الخيمة الموجودة على الحدود إهانة للإسرائيلي”. وفي الاجتماع الثلاثي في الناقورة أيضاً، نُقل عن رئيس الوفد الإسرائيلي بأنه أبدى استعداد حكومته للنظر بالنقاط ال 13 التي يتحفظ عليها لبنان مقابل إزالة الخيمة التي باتت أشهر من النار على علم. وهو نفسه عرض مؤخراً الانسحاب من الجزء الشمالي لقرية الغجر مقابل إزالة الخيمة المذكورة.

هذا مدهش، وتلك إسرائيل التي لم نعرفها فهي كما قال الرئيس الأسبق للكنيست الإسرائيلي أبراهام بورغ “تعيش بالسيف”، لكن يبدو أن هذا السيف لا يخرج من غمده عندما يكون الأمر متعلق بلبنان، خصوصاً بعد أن ثبّت الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله معادلة تُحرّم على الإسرائيلي استهداف لبنان بأي شكل من الأشكال، أو استهداف أية شخصية مُقيمة على أراضيه، سواء كانت لبنانية أو غير لبنانية. حتى بات هذا البلد الصغير الأكثر أماناً من بين الدول العربية وغير العربية لقادة المقاومة.

استمعنا كثيراً لتهديدات تطلقها قيادات العدو صبحًا ومساء، توحي بأن الطيارين الإسرائيليين في قمرة القيادة، ووصل الأمر بوزير دفاع العدو يوآف غالنت إلى التهديد بإعادة لبنان إلى العصر الحجري، وذلك في محاولة منه لمعاقبة حزب الله بعيداً عن قعقعة السلاح. والمفارقة أن الرد أتاه أولاً، وقبل أن يرد نصر الله، من رئيس أركان العدو السابق دان حالتوس بقوله “كل نقطة نضع إصبعنا عليها في إسرائيل اليوم هي نقطة ضعف، المجتمع، الجيش، الاقتصاد، العلاقات الخارجية، كل شيء، لا يوجد شيء واحد يمكن القول إنه طبيعي، أقترح عدم التباهي وكثرة الكلام من قبيل أننا سنعيد لبنان للعصر الحجري”.

ثمة حقيقة يجب التوقف عندها، هو أن مقولة “لبنان قوي بضعفه” مرّ عليها الزمن، لبنان أمسى القوي بقوته، فإسرائيل التي لا تعرف غير حلول القوة؟ هذه الحلول لم تعد واردة مع لبنان، قد تصلح في غزة والضفة الغربية وفي سوريا وغيرها، باستثناء لبنان الذي عقلن سلطات الكيان، إذ تتوقف إسرائيل عندما تكون القضية متعلقة بالأخير، لتتحول إلى دولة عادية ومؤدبة تفضل الحلول السلمية وتعطي ما يكفي من الوقت لإنجازها مع الاستعداد لتقديم تنازلات.

فالعدو نتيجة غطرسته وشعوره بنشوة الانتصارات المتكررة على العرب أطاح بنظرية أول رئيس حكوماته ديفيد بن غوريون “الأرض مقابل السلام”، واستبدلها بنظرية “كل شيء يتم حله بالقوة”، بحيث أنه لم يتوان عن اسقاط طائرة ليبية مدنيّة عام 1973، ضلّت طريقها فوق شبه جزيرة سيناء، وعن ضرب مفاعل تموز النووي في العراق عام 1981، وضربه لسوريا المتكرر، ولا يتوانى أيضاً عن استهداف مفاعل نووية ومحطات توليد للكهرباء وتصفية علماء ذرة إيرانيين بعمليات استخباراتية وأمنية، كذلك قصفت مقاتلاته مدينة الخرطوم عاصمة السودان عام 2012.

كثير من البلاد العربية مستباحة أمام مقاتلات العدو، إلا تلك البقعة الجغرافية التي أسمها لبنان، يمكن لإسرائيل أن تحلق وتضرب من أجوائها دولة ثالثة، وتكتفي بإحداث جدار للصوت أو تطلق بالونات حرارية فوقها وحسب.

إنها معادلة القوة، ولا تفهم إسرائيل سواها. وعليه، لبنان يعيش بأمنٍ وأمان بدون منّة من أحد، لا سيما جنوبه حيث يقف جنود جيشه بنديّة ووجهاً لوجه أمام جنود العدو. ومع الأسف ما زال نصف اللبنانيين على الأقل يتنكرون لهذه الحقيقة، والعدو بقدّه وقديده ومجتمعه على اختلاف مشاربه مُسلِّم بهذه الحقيقة على مرارتها وقساوتها على شعب يعتقد بأنه شعب الله المختار ولا بدّ من أن يبقى بحسبه متفوقاً ومتقدماً على أقرانه من بني البشر.

المصدر: مهدي عقيل – الأفضل نيوز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى