عيد شهداء الصحافة الذي صادرته الانتخابات..

 كتب محمد العزير في “المدن”: لن يكون لدى أحد في لبنان، خصوصاً في ميدان الإعلام والصحافة، المتسع من الوقت اليوم الأحد أن يتذكر أن هذا اليوم في المفكرة الرسمية هو عيد شهداء الصحافة.

 

الكل مشغول بالانتخابات النيابية الشرسة، التي وان غيرت بعض الأسماء في الندوة التشريعية العتيدة، لن تغير الكثير في واقع الحال سياسياً أو معيشياً أو وطنياً. ومن يتذكر، لن يكون له مجال للتعبير او التعليق في حمأة الصراخ الإقتراعي عن مفاعيل النسبية والصوت التفضيلي، والاحتجاجات المعدة سلفًا عن التزوير والتجاوزات، وربما الإشكالات الأمنية التي لا تخلو اية انتخابات في العالم الثالث منها.

 

عشية اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي حددته الأمم المتحدة في الثالث من أيار من كل عام، منذ العام 1992، وفي ظل حقبة جديدة تصطلح الصحافة الغربية اجمالًا على وصفها بـسياسة “ما بعد الحقيقة” (Post-truth politics) ، التي حدت بمنظمة “اليونيسكو” الى الدعوة للإحتفال به هذه السنة تحت شعار “إبقاء السلطة تحت المراقبة: الإعلام، العدالة وحكم القانون” (Keeping Power in Check:  Media, Justice and The Rule of Law)، أصدرت منظمة “مراسلون بلا حدود” تقريرها السنوي عن حال الصحافة في العالم، ولم يكن التقرير تقليديًا، لا في التصنيف ولا في المضمون، كما جرت العادة لسنوات طويلة. هذه المرة لم تقتصر الانتهاكات على الدول النامية والحكومات القمعية، بل بدا الحذر واضحًا إزاء دول عريقة في تقاليدها الديموقراطية في مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية عديدة، وإن لم ينعكس ذلك تحسناً في أحوال الدول العربية التي حلت الأولى بينها في المرتبة الـ 97، اذا تجاوزنا جزر القمر، من أصل 180 دولة شملها التقرير.

 

وعلى وقع عبارة “الأخبار الملفقة” التي يرمي بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الصحافة المستقلة، وهو الصديق المقرب من ناشر كبرى الصحف الصفراء في العالم “ناشونال انكوايرر”، دايفيد بيكير، الذي تعجب اثناء حملته الانتخابية من عدم حصولها على جوائز مهنية مرموقة، والصحيفة يتردد صداها على ألسنة حكام مستبدين في آسيا وأوروبا، أشار ايجاز المنظمة المرفق مع التقرير الى ان جو الكراهية ضد الصحافة الحرة اصبح بإضطراد اكثر وضوحاً حتى من قبل قادة منتخبين ديموقراطياً، معتبراً ذلك نوعاً من “رهاب الصحافة” وخطراً على الديموقراطية نفسها، مشيراً الى ان ترامب نفسه اطلق على الصحافيين نعت “أعداء الشعب” وهو الوصف الذي استخدمه سابقًا الزعيم السوفياتي جوزيف ستالين.

 

ونبه التقرير الى أن الخط الفاصل بين الهجمات الكلامية والإعتداءات الفعلية على الصحافيين يتلاشى تدريجياً منوهاً بما يحصل في الفلبين وروسيا والهند.

 

وفي مواجهة شيوع “الأخبار الملفقة”، ظهرت تباشير المعالجة التشريعية لها، لكن الواضح أن تلك المعالجة تختلف باختلاف ذوي العلاقة. سارعت ماليزيا الى سن تشريع يجرم نشر “الأخبار الملفقة” ويقضي بحبس المدانين به الى مدة تصل الى عشر سنوات، وهو ما رأت فيه المؤسسات الحقوقية الدولية محاولة حكومية لكمّ افواه المعارضة ومنع النقاش حول اتهام رئيس الوزراء نجيب رزاق باختلاس الملايين من صندوق انمائي وتهريبها الى حسابات خاصة له في الخارج، خصوصًا بعد استخدامه لإتهام زعيم المعارضة ورئيس الوزراء السابق مهاتير محمد. وباشر مجلس نواب ولاية كاليفورنيا في الولايات المتحدة، مناقشة مشروعي قانون تقدم بهما عضوان ديموقراطيان يهدفان الى وضع مناهج تعليمية للطلاب ومصادر عامة للمعلومات للتمييز بين الأخبار الصحيحة والأخبار الملفقة خصوصًا في مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وفيما لم يتضح بعد مصير المشروعين، لا يستبعد المتخصصون ان تتحول هذه القضية الى نقطة ساخنة في الانتخابات النصفية، الخريف المقبل، في ظل استمرار التحقيقات التشريعية والجنائية في كيفية تمكن روسيا من التأثير في انتخابات الرئاسة الأخيرة وكيفية ضمان عدم تكرار ذلك.   

 

(المدن)

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!