عن لبنان نتكلم ..ماذا نزرع وماذا نحصد؟
صدى وادي التيم-اقتصاد/
عندما اندلعت الأزمة الاقتصادية في لبنان قبل نحو ثلاثة أعوام، اعتبرها كثيرون فرصة لتغيير النظام الاقتصادي والتحوّل نحو القطاعات الإنتاجية ورفع حصّتها في الاقتصاد. وبحكم الأزمة توجّه كثيرون بشكل عشوائي أو فردي نحو «الزراعة»، إمّا للاستثمار فيها أو لمجرّد تأمين كفافهم. بالنتيجة، ارتفعت قيمة الإنتاج الزراعي من 1.9 مليار دولار إلى 2.4 مليار دولار بين عامي 2019 و2022، وفق المركز اللبناني للبحوث والدراسات الزراعية. ومعه، ارتفعت حصّة الزراعة من الناتج المحلّي الإجمالي إلى 13.1% بالمقارنة مع 3.6% في العام 2019، وفق تقديرات المركز.
تأتي هذه التطوّرات مدفوعة بعوامل عدّة. فمن جهة، تراجع الناتج المحلّي نفسه مما رفع حكماً حصّة الزراعة ضمنه. ومن جهة أخرى، ارتفعت قيمة إنتاج الأسماك والمحاصيل الممنوعة والمحاصيل الحقلية، عدا عن ارتفاع أسعار بعض المنتجات في الأسواق العالمية. لكن في المجمل، لم تعكس هذه المؤشرات أي تحسّن ضمن القطاع الذي لا يزال في وضع غير صحّي ويفتقر إلى التخطيط المدروس.
في خلال السنوات الثلاث الماضية، نمت تربية وزراعة أربعة محاصيل أساسية، وهي الأسماك والمحاصيل الممنوعة والمحاصيل الحقلية والعسل. وقد شكّلت نصف قيمة الإنتاج الزراعي. فكيف تطوّر الإنتاج الزراعي منذ العام 2019 وحتّى اليوم؟
إنتاج الأسماك
استحوذت الأسماك على نحو 20% من مجمل قيمة الإنتاج الزراعي، وقد ارتفعت قيمة إنتاجها بنحو 215% بالمقارنة مع العام 2019، من نحو 150 مليون دولار إلى 472 مليون دولار. وقد شهد إنتاج التراوت (نوع من الأسماك تنتمي إلى عائلة السلمون) زيادة بنسبة 25%. واللافت هو ما يذكره المركز في هذا الصدد لجهة أن غالبية الأسماك المباعة تحت خانة «السلمون الطازج» هي في الواقع تراوت تمّت تربيته في لبنان.
الماريجوانا تُنعِش الإنتاج الزراعي
وصلت قيمة المحاصيل المحظورة، ولا سيما الماريجوانا، في خلال العام الفائت إلى نحو 420 مليون دولار، أي ما يوازي نحو 17% من مجمل قيمة الإنتاج الزراعي لعام 2022. علماً أنها ارتفعت بنسبة 1635% بالمقارنة مع العام 2019. يشير المركز إلى أن تطوّر صناعة الكبتاغون ساهم في تراجع اهتمام المزارعين بالحشيش، ما أدّى إلى انخفاض كبير في سعر الكيلوغرام، الذي هبط من 1500 دولار في العام 2010 إلى نحو 200 دولار في العام 2022.
تطوّر زراعة الماريجوانا التي – وبخلاف الحشيش – لا تتطلّب معالجة طويلة ومتعبة، ويتم تسويقها مباشرة بسعر مربح مُقدّر بألف دولار لكل كيلوغرامإلا أن هذا الواقع لم يحُل دون تطوّر زراعة الماريجوانا التي – وبخلاف الحشيش – لا تتطلّب معالجة طويلة ومتعبة، ويتم تسويقها مباشرة بسعر مربح مُقدّر بألف دولار لكل كيلوغرام. ويُشير المركز في هذا الصدد إلى لجوء الكثير من المزارعين في الفترة الأخيرة، وبسبب ارتفاع نسبة الأرباح العائدة منها، إلى تخصيص أراضيهم بالكامل لزراعة الماريجوانا حصراً بعد أن كانوا «يدسّونها» بين مزروعاتهم الخضراء الأخرى.
زيادات وانخفاضات في المحاصيل الحقلية
بعد انخفاضات مُتتالية منذ العام 2019، سجّلت المحاصيل الحقلية زيادة كبيرة في العام 2021 بنسبة 105%، ومن ثمّ شهدت زيادة إضافية بنسبة 20% في العام 2022، لتعود إلى المستوى القياسي الذي سُجِّل في العام 2013. تأتي هذه الزيادة نتيجة زيادة قيمة الحبوب بنسبة 88% نتيجة ارتفاع أسعارها عالمياً، والبصل بنحو 380%، والأعلاف بنسبة 73%.
في الواقع، لم ترتفع كمّيات القمح والشعير المنتجة سوى بنسبة 1.8% و3.6% على التوالي، في مقابل زيادة المساحات المزروعة بنحو 670 هكتاراً، وبالتالي تعود الزيادة المُسجّلة في القيمة التي ارتفعت من نحو 26 مليون دولار إلى 49 مليون دولار بين عامي 2021 و2022 إلى ارتفاع أسعار القمح عالمياً.
أمّا بالنسبة إلى البصل فقد انخفضت المساحة المزروعة في العام 2022 بنحو 75 هيكتاراً (5% بالمقارنة مع العام 2021)، ممّا أدّى إلى ارتفاع أسعار محصول البصل بنسبة 380% في خلال عام واحد، أي من 5,5 ملايين دولار إلى 26,4 مليون دولار. ويأتي ذلك بعد أن كانت الأسعار تسجّل تراجعاً مستمراً منذ العام 2018.
انخفض عدد خليات النحل من 200 ألف خلية إلى 180 ألف خلية، بسبب الظروف الجوية السيّئة. ولكن، ما رفع القيمة الإجمالية للإنتاج في العام 2022 هو الارتفاع الضخم بسعر العسلفي المقابل، تراجعت قيمة بعض المحاصيل الحقلية ولا سيما البطاطا. فعلى الرغم من زيادة المساحات المزروعة بنسبة 45% وزيادة الإنتاج بنسبة 56%، إلّا أن الأسعار انخفضت بسبب زيادة الإنتاج ومحدودية القدرة على التصدير، وبالتالي تراجعت قيمة محصول البطاطا بنسبة 8% بالمقارنة مع العام 2021، من 159 مليون إلى 146 مليون دولار.
ارتفاع أسعار العسل
وفي ما خص إنتاج العسل، ارتفعت قيمته من 24,9 مليون دولار في العام 2019 إلى 32 مليون دولار في العام 2022. يأتي ذلك على الرغم من أن الإنتاج انخفض من 2,400 طن في العام 2021 إلى 1,260 طن في العام 2022، كما انخفض عدد خليات النحل من 200 ألف خلية إلى 180 ألف خلية، بسبب الظروف الجوية السيّئة. ولكن، ما رفع القيمة الإجمالية للإنتاج في العام 2022 هو الارتفاع الضخم بسعر العسل الذي قُدر بنحو 275% مقارنة مع سعر العسل في العام 2021.
إنتاج الفاكهة يقاوم الأزمة
تشهد قيمة الفاكهة المُنتجة في لبنان انخفاضاً منذ العام 2020 حيث تراجعت بنسبة 24%، قبل أن تحقّق قفزة في العام 2022 بنسبة 6%، ووصلت قيمتها إلى 352 مليون دولار. مع ذلك، لم يعد إنتاج الفاكهة إلى مستوياته السابقة قبل الأزمة.
مع ذلك، لم تكن الظروف نفسها بالنسبة لجميع الأنواع المزروعة؛ فمن جهة، تدنّت قيمة إنتاج التفّاح من نحو 66.9 مليون دولار في العام 2019 إلى 46 مليون دولار في العام 2022، بسبب ارتفاع أسعار الوقود وعدم قدرة المزارعين على دفع تكاليف التبريد والتخزين الأمر الذي دفع المزارعين إلى تصريف إنتاجهم مباشرة إلى المستهلكين، فضلاً عن تأثير انخفاض قيمة الجنيه المصري على عائدات الصادرات المرسلة إلى مصر.
وكذلك تراجعت قيمة الموز المنتج منذ العام 2019 بنسبة 60%، ووصل إلى 50,6 مليون دولار. في الواقع، تعتمد صادرات الموز بشكل شبه حصري على السوق السورية، وقد انعكس انهيار الاقتصاد السوري سلباً على الموز اللبناني منذ العام 2020.
تعتمد صادرات الموز بشكل شبه حصري على السوق السورية، وقد انعكس انهيار الاقتصاد السوري سلباً على الموز اللبنانيمن جهة أخرى، ارتفعت قيمة إنتاج الحامض من 68 مليون دولار في العام 2019 إلى 88.5 مليون دولار في العام 2022 بسبب ارتفاع كمية الصادرات وارتفاع الأسعار.
أما بالنسبة للعنب، فعلى الرغم من التراجع بين عامي 2019 و2021، إلّا أن منتجي ومصدّري العنب نجحوا في رفع إنتاجهم وتحسين قيمة مبيعاتهم من 35 مليون دولار في العام 2020 إلى 66 مليون في العام 2022، ويعود ذلك إلى توسيع المنتجين حصّصم في السوق الخارجية.
تحسّن إنتاج زيت الزيتون وتراجع التبغ
على صعيد الصناعات الغذائية، تحسّنت قيمة إنتاج الزيتون، وارتفعت من نحو 84.7 مليون دولار إلى 146 مليون دولار بين عامي 2020 و2022. ويعود هذا التحسّن بالدرجة الأولى إلى اعتماد المزارعين الذين يبيعون مباشرة إلى المستهلكين التسعير بالدولار بمتوسّط يتراوح بين 80 و100 دولار لكل 16 ليتر من الزيت.
أمّا بالنسبة للتبغ فقد تراجعت قيمته بشكل كبير من 59.6 مليون دولار في العام 2019 إلى 10,3 مليون دولار في العام 2021، قبل أن ترتفع إلى 25,9 مليون دولار في العام 2022، وذلك بعد أن قرّرت إدارة حصر التبغ والتنباك شراء محاصيل التبغ بالدولار الأميركي بمعدّل 4 دولارات للكيلوغرام الواحد.
إنتاج الحليب واللحوم
انخفضت قيمة إنتاج الحليب من 259 مليون دولار إلى 125 مليون دولار بين عامي 2019 و2022. إلّا أنها في العام الأخير ارتفعت بالمقارنة مع العام 2021 حين بلغت نحو 111.4 مليون دولار. والمفارقة أن هذا التحسّن في قيمة إنتاج الحليب سُجّل في ظل انخفاض ملحوظ بنسبة 45% في عدد الأبقار الحلوب وانخفاض بنسبة 43% في إنتاج الحليب.
أمّا بالنسبة لإنتاج اللحوم، فقد انخفضت قيمتها من 88 مليون إلى 51 مليون بين عامي 2019 و2022، ويعود ذلك بسبب ارتفاع تكلفة العلف اللازم لتربية صغار الماعز. أما بالنسبة لإنتاج الدواجن فقد تراجعت قيمتها من 294 مليون دولار إلى و251 مليون دولار بين عامي 2019 و2022، إلّا أنها شهدت ارتفاعاً في العام 2020 وبلغت قيمة الإنتاج نحو 446.5 مليون دولار، قبل أن تنخفض إلى 190 مليون دولار في العام 2021.
المصدر: هديل فرفور-موقع صفر