قصة الموارنة في راشيا الفخار : نقلاً عن كتاب “راشيا الفخار سيرة مسيحيي الاطراف”

صدى وادي التيم – أخبار وادي التيم/
الطائفة الرابعة في بلدتنا هي الموارنة وهم جميعهم من الروم الارثوذكس الذين أنشقوا عن كنيستهم لأسباب مختلفة، لكن الاكيد انها ليست أسبابًا عقائدية أو إيمانية بل على الغالب تعود الى خلافات مع الكهنة أو مختار البلدة الارثوذكسي مسعود مراد، أو طلبًا للحصول على وظيفة في الدولة اللبنانية التي كان الموارنة يحظون فيها بالرعاية والاهتمام من الانتداب الفرنسي قبل الاستقلال العام 1943 .
وفي ما يلي ننشر نص تقرير ارسله لنا مشكورًا المؤرخ وكاتب سلسلة «العذراء مريم في لبنان » الاستاذ جان صدقة فله كل الاحترام. التقرير اعده الراهب الأنطونيّ أشعيا الأسمر، رئيس دير مار اشعيا )برمانا( بعد زيارته إلي راشيا الفخار إنفاذًا لأمر البطريرك أنطون عريضه للإطّلاع على أوضاع 31 أرثوذكسيًّا طلبوا الإنضمام إلى الكنيسة المارونيّة، ورفع إلى غبطته التقرير التالي نصّه، في 19 نيسان 1940 ، في 6 صفحات بخطّ يده؛ والتقرير محفوظ في جارور البطريرك أنطون عريضه، في أرشيف بكركي، تحت الرقم 19 ، ونورده حرفيًّا، توضيحًا للكثير من الامور وخصوصًا أن لا موارنة قبل هذا التاريخ في راشيا الفخار:
«أمّا بعد فهذا تقرير نرفعه إلى صاحب الغبطة السيّد البطريرك ماري أنطون
عريضة الكليّ الطوبى والسامي الإحترام بشأن أحوال الموارنة الحديثين الراجعين عن المذهب الأرثوذكسيّ إلى المذهب الكاثوليكيّ المارونيّ، إئتمارًا بإشارة غبطته، أيّده لله، إذ أمرنا بمرسوم تاريخه 26 آذار 1940 ، أن نتوجّه إلى قرية راشيّا الفخّار الكائنة في جنوبي لبنان لتفقّد هؤلاء الأبناء. وقد توجّهنا إلى القرية المذكورة نهار الخميس الواقع في الرابع من شهر نيسان الجاري، ومكثنا فيها 12 يومًا نتفقّدهم، وندرس عن قرب أحوالهم عامّة وخاصّة، وسبرنا بقدر الإمكان أفكارهم وميولهم، فاتّضح لدينا ما هو مدرج تباعًا في هذا التقرير.
عددهم 31 : نصر فارس الشكر؛ مسعود نعمه عبدلله، زوجته نوفه، أولاده
نعمه، سميح، نظير؛ خليل يوسف الزوقي، زوجته ملكة، أولاده عيد، يوسف، مفيد؛ يوسف السيّار، زوجته جوديت، ولداه فيوليت وعصام؛ فارس السيّار ووالدته نعمّه؛ أسعد السيّار، زوجته مريم، وابنته ألكسندره؛ توفيق جبارة، زوجته سعدى، ولداه جنفياف وكمال؛ مهيب السيّار ووالدته وأخواه عبدلله ونسيمه؛ مخايل السيّار ووالدته وأخته؛ فارس صليبا. الجملة واحد وثلاثون شخصًا رجال ونساء وأولاد وقد نقلوا قيد نفوسهم إلى خانة الطائفة المارونيّة ما عدا أربعة منهم، وقد قدّموا تذاكر نفوسهم للخواجه فارس السيّار ليجري معاملتها ونقلها إلى خانة الطائفة المارونيّة كالباقين.
ثبوتهم في الكثلكة: إنّ الذين ذكرناهم ثابتون على المذهب الكاثوليكيّ
المارونيّ ثبوتًا أكيدًا، كما يبدو حتّى الآن، لا سيّما ما لمسناه منهم من ثمرات
الرياضة التي أقمناها لهم. حالتهم الأدبيّة: يوجد فيهم بعض شبّان لهم بعض الإلمام بالعلوم الإبتدائيّة، وأمّا في الآداب الأخلاقيّة فكلّهم حاصل على ما هو حسن منها. حالتهم الماديّة: حالتهم الماديّة متوسّطة، ومعوّل مورد رزقهم على صنعة الفخّار.
وجوب بناء كنيسة وبيت للكاهن: قد رأينا بعد التدقيق في هذا الموضوع، أنّ
بناء كنيسة وبيت للكاهن أمر لازم جدًّا، وبأقرب ما يمكن. إيجاد أرض للبناء: إنّ أحد الموارنة، وهو الخواجه نصر الشكر، قد وقف قطعة أرض لهذه الغاية، وسجّلها باسم الطائفة هناك، وسلّم الصكّ لحضرة الأب أغوسطين لبّس البتدّيني اللبنانيّ. ومساحة هذه الأرض ثلاثماية وعشرون مترًا مربّعًا، وهي
كافية لهذه الغاية، وموقعها في وسط القرية المذكورة. أسباب التعجيل بالبناء: لازم التعجيل لأنّنا أنسنا برغبة الكثيرين من الروم الأرثوذكس في اعتناق المذهب الكاثوليكيّ المارونيّ إذا ما تأكّدوا ثبوت من تقدّمهم والتجائهم إلى معبد خاصّ وكاهن خاصّ.
عدد نفوس قرية راشيّا: عدد نفوس أبناء هذه القرية ثمانمائة تقريبًا، منهم
450 روم أرثوذكس، 250 كاثوليك، 60 بروتستانت، 31 موارنة.
مورد القرية المذكورة: معوّل موردها على صناعة الفخّار. عدد الصنّاع فيها 35 – 40 صانعًا، وعدد الأفران المعدّة لشوي الفخّار 30 فرنًا )آتون( يحرق كلّ فرن 10 – 11 حرقة في السنة، وكلّ حرقة تحوي 3000 – 4000 قطعة كبيرة ومتوسّطة وصغيرة. وهذه الصناعة تضمّ عمَلَة القرية من صانع وفاعل وتاجر وبائع… ومن أولادنا من يتقنون هذه الصناعة إتقان بقيّة الصنّاع. أمّا موارد الأملاك فلا معوّل عليها.
حالة الموارنة مع بقيّة الطوائف: ما يثلج الصدر ويفرح القلب الإتّفاق وحسن
التفاهم الراسخ ما بين أبنائنا الموارنة وإخواننا الروم الكاثوليك، وقد لمسنا العطف والمحبّة والغيرة عليهم في حضرة الأب الفاضل الخوري أندراوس طوبيّا عون، خادم الكاثوليك هناك، فإنّه متفان في سبيل إنجاحهم وتمسّكهم بالمذهب المارونيّ.
وما وصلنا إلى القرية المومى إليها ودخلنا بيت الخواجه فارس السيّار حتّى رأينا حضرة الأب المذكور، على رأس أكثر أبناء رعيّته، مقبلً للسلام علينا، وقد دعانا ملحًّا إلى أن ننزل عند رغبته ونلبّي دعوته، وكان ما أتاه في سبيل راحتنا وتيسير مهمّتنا أكثر ممّا كنّا نظنّ حتّى في كاهن مارونيّ، وقد أقمنا في بيته على الرحب والسعة.
زيارة سيادة مطران الأبرشيّة القرية: في اليوم السادس من الجاري نهار السبت، شرّف قرية راشيّا بزيارة سنويّة، سيادة المطران إكليمنضوس معلوف، وكان وصوله إليها بعد الظهر، فتشرّفنا باستقباله مع أبنائنا وأبناء الطائفة الكاثوليكيّة، وما أشدّ ما كان فرحنا عندما تلقّانا بحنان وعطف أبويّين، سيّما بعد أن علم الغاية من وجودنا هناك، فطار قلبه فرحًا، وقال: كم يسرّ قلبي أن أرى كلّ الخوارج )الروم الارثوذكس( يقبلون إلى حضن الكنيسة الكاثوليكيّة من أيّ طائفة كانت، ولا سيّما إلى الطائفة المارونيّة المحبوبة والعزيزة على قلبنا، فإنّنا مذ رأيناكم ثلج صدرنا وطفح قلبنا سرورًا، فأهلً وسهلً. وإذ علم أنّنا ابتدأنا بإقامة رياضة روحيّة لأبناء طائفتنا، كلّفنا ملحًّا أن نعمّم الرياضة لأبناء طائفته أيضًا. وهكذا كان، بعد أن ختم سيادته صلاة المساء التي أقامها إحتفاليًّا، إفتتحنا الرياضة العامّة بحسب أمره، وختمنا الوعظ بترتيل طلبة العذراء المجيدة وزيّاحها على الطقس المارونيّ، وكان سيادته مثال تقوى وعبادة للكلّ، إذ قضى كلّ مدّة الطلبة والزيّاح جاثيًا على
ركبتيه، رغمًا من ثقل الشيخوخة.
ما جرى الأحد صباحًا: الأحد صباحًا إحتفلت بإقامة القدّاس الإلهيّ، وقد حضر
سيادة الحبر الفاضل المشار إليه، وسرّ إذ رأى وسمع تراتيلنا الطقسيّة، وأُعجب بنظامها وإتقانها، وقد كان يلحّنها حضرة الشمّاس عمّانوئيل سلامة الأنطونيّ، الذي رافقني في خطوتي هذه لهذه الغاية. ثمّ بعد قدّاسي، إحتفل سيادته بإقامة الذبيحة الإلهيّة، وبعد أن ختم القدّاس، وقف في الباب الملوكيّ، وقال كلمة افتتحها بالآية التي كنت استهلّيت بها عظتي الإفتتاحيّة، وهي «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان بل بكلّ كلمة تخرج من فم لله »؛ وفي ختامها، أمر أبناء طائفته أن يحضروا الرياضة، وحثّهم على الإصغاء إلى ما سنلقيه عليهم من الإرشادات والمواعظ الخلاصيّة، وفوّض إلينا كلّ سلطانه في ما بعد، وإلى خلاص النفوس، وقد كان لهذا العطف والسخاء وقع حسن في قلوب الحضور، وقوّة أدبيّة لنا تعضدنا في مهمّتنا، وتنشّط أبناءنا الموارنة الذين كبرت قلوبهم وامتلأت سرورًا.
مقابلتي لحضرة الأب أغوسطين الوكيل الأسقفيّ واطّلاعي على رأيه في شأن الموارنة في راشيّا: إنّه لمّا كان قد تكرّم ودعانا سيادة المطران إكليمنضوس معلوف لنتشرّف بزيارته في كرسيّه بعد نهاية الرياضة، كان بعد أن افتتحنا الرياضة في القدّاس الإحتفاليّ الذي أقمناه يوم الأحد الواقع في الرابع عشر من الجاري، وجمعنا أبناء طائفتنا مخصوصًا، وألقينا عليهم بعض الإرشادات، وشجّعناهم ليظلّوا ثابتين في مبداهم القويم الذي اعتنقوه، مؤكّدين لهم عطف غبطتكم عليهم والإستعداد لإسعافهم وتعضيدهم في كلّ ما يؤول لراحتهم ونجاحهم، وتوجّهنا إلى مرجعيون،
وتشرّفنا بزيارة سيادة الحبر الجليل المومى إليه، وبتنا في فضله تلك الليلة، وقد أفرغ علينا كلّ عطف وإكرام.
وفي اليوم التالي، نهار الإثنين، توجّهت إلى قرية القليعة، وقابلت حضرة الأب
أغوسطين لبّس المذكور، وأخذت ما عنده من الملاحظات في شأن الموارنة في راشيّا، فرأينا رأيه موافقًا لرأينا في موافقة إبراز مشروع غبطتكم في راشيّا إلى حيّز العمل، أي أن تأمروا ببناء كنيسة وبيت للكاهن في قطعة الأرض المارّ ذكرها، وأن يكون ذلك معجّلً. وبعد ان أنهينا كلامنا مع حضرته، عدنا إلى مرجعيون حيث كان سيادته ينتظرنا لمناولة طعام الغداء إلى مائدته.
ما رأيناه من سيادته: يوم الثلاثاء 16 الجاري، تركنا مرجعيون بعد أن تزوّدنا
ببركة سيادته، ولمّا وصلنا إلى صيدا، رأينا من المناسب أن نزور حضرة المحافظ فيها، ونعرض له كلمة بشأن أبنائنا الموارنة في راشيّا مع مختار تلك القرية، فقصدنا سراي الحكومة، وطلبنا مواجهته، فتكرّم بمقابلتنا مسرعًا، ورحّب بنا، وبعد قضاء واجب السلام، عرضت له عن غاية وجودي في تلك الناحية، وأنّي موفد من قبل غبطتكم، فأبدى كلّ احترام واعتبار لشخصكم الموقّر، وإذ عرضت له أعمال مختار راشيّا وتجنّيه على أبناء طائفتنا هناك، وانتقامه منهم لسبب تركهم المذهب الأرثوذكسيّ، واعتناقهم المذهب المارونيّ، وأنّه من الواجب أن يُقال من وظيفته، سيّما وعليه شكاوى عديدة، فأجابني بكلام أعرضه لغبطتكم مشافهًا.
ملاحظاتي الخصوصيّة: إنّ ما رأيته من أبنائنا في راشيّا من التمسّك بالمذهب المارونيّ الصادق، سيّما إذ رأيت منهم الإقبال على تتميم واجباتهم الروحيّة في أثناء الرياضة التي مرّ ذكرها، وما لمسته في إخواننا الروم الكاثوليك من حسن التفاهم معهم، والسرور بهم، ومن فئة الروم الأرثوذكس من الميل إلى اعتناق مذهبنا، يدفعنا بغيرة إلى أن نرجو من غبطتكم، أيّدكم لله، أن تتكرّموا وتسرّعوا بإبراز الفكرة التي صرّحتم بها إلى حيّز الوجود، أي البناء وتعيين كاهن يحوي الصفات الكهنوتيّة الحقّ، ليقوم بهذه الرسالة المقدّسة التي، ولا شكّ، تتوقّف إلى إيجاد فئة لا يُستهان بها في حضن الكنيسة الكاثوليكيّة المقدّسة، كما إنّي أرى من الموافق والضروريّ أن تتنازلوا غبطتكم بإرسال كلمة شكر ومديح لحضرة الخوري أندراوس طوبيّا عون، خادم الكاثوليك هناك، على عنايته بأبنائنا هناك وإخلاصه لهم. وحبّذا لو فوّضتم إليه أن يقوم بخدمتهم في ضروريّاتهم الروحيّة، إلى أن يتمّ المشروع.
هذا ما رأيته واجب العرض فوّضته لغبطتكم سيّدي، أمدّ لله بحياتكم طويلً
ركنًا للدين، وملاذًا لأبناء الدين. آمين.
19 نيسان 1940 ،
ولد غبطتكم الوضيع الأب أشعيا الأسمر
رئيس دير مار أشعيا الأنطونيّ
وثمة ملاحظة على هذا التقرير يوردها خليل يوسف الزوقي الحفيد وفيها ان
آل الزوقي موارنة الاصل، وأن جده خليل تحول الى الارثوذكسية كي يتمكن من الزواج مرة ثانية، وأن العائلة كانت مارونية في احصاء 1932 )قبل 8 سنوات من اعداد تقرير بكركي(.يذكر الاهالي ان الموارنة اقاموا لهم كنيسة في حارة التحتا في منزل استأجروه من آل البديوي، وكان احد الكهنة يحضر من القليعة او كوكبا للاحتفال بالذبيحة ولكن تطور الاحداث والهجرات المتعاقبة ادت الى توقف الكنيسة المارونية عن العمل. وفي مراحل
لاحقة ونتيجة الحروب اخذ الاهالي ومن كل المذاهب يجتمعون في كنيسة القديس جاروجيوس دون تمييز بين ماروني وارثوذكسي وكاثوليكي بأستثناء قلة من المتعصبين.
بوعي المطارنة الموارنة الذين تعاقبوا على ادارة شؤون الكنيسة الذين شجعوا الرعية
المارونية في راشيا الفخار على الانخراط مع غالبية ابناء البلدة في الصلاة والتعبد .
عن صفحة راشيا الفخار

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى