“وعد مشؤوم أوروبي” للنازحين السوريين في لبنان
صدى ودي التيم-متفرقات/
لا يمكن الاستهانة بقرار الإتحاد الأوروبي تثبيت النازحين السوريين في لبنان؛ فهو يشي بوجود نوايا أوروبية وربما عالمية، ملتبسة ومشؤومة ليس فقط ضد مصالح لبنان العليا، بل أيضاً ضد مشروع إعادة إنتاج الدولة السورية.
..بحدود معينة، ومع الإقرار بالفوارق الكبيرة؛ فإن قرار الإتحاد الأوروبي بتثبيت النازحين السوريين في لبنان، يشبه في بعض جوانبه ومن حيث بعض النتائج التي يسعى الأوروبيون إليها، “وعد بلفور” لليهود بإعطائهم فلسطين على حساب هويتها وعلى حساب مواطنيها العرب..
طبعاً الفوارق بين القرارين موجودة من الناحية الأيديولوجية والجوهرية، حيث أن السوريين هم أشقاء للبنانيين، وحيث أن النازح السوري قدم إلى لبنان هرباً من الحرب، وليس لديه مشروع استيطاني في لبنان، الخ…
ولكن التقارب بين وعد بلفور في فلسطين والذي نتج عنه نكبة فلسطين عام ٤٨، وبين قرار الإتحاد الأوروبي أمس بتثبيت النازحين السوريين في لبنان، يقع تحديداً وحصراً في نوايا الأوروبيين تجاه كل من لبنان وسوريا وتجاه كل من اللبنانيين والسوريين.
ووجه التشابه بخصوص هذه النقطة تكمن بالتالي:
أولاً- “وعد بلفور” جاء بالأساس ليقدم حلاً للمسألة اليهودية في أوروبا على حساب فلسطين والفلسطينيين؛ واليوم قرار الإتحاد الأوروبي تثبيت النزوح السوري في لبنان يأتي ليقدم حلاً لمشكلة النزوح السوري في أوروبا على حساب لبنان واللبنانيين..
وتذكر هذه المعادلة بسياسات الاستعمار الأوروبي في المشرق العربي وفي كل المنطقة خلال نهاية القرن ما قبل الماضي ومطالع القرن الماضي؛ حيث وجد البريطانيون ومن خلفهم أوروبا حينها، بأن الحل الأمثل “للمسألة” [أو للمشكلة] اليهودية في أوروبا، يكمن في العمل لجعل فلسطين والفلسطينيين يدفعون ثمن حل أزمة اليهود في أوروبا، وذلك عن طريق تسهيل عملية احتلال الحركة الصهيونية لفلسطين، وجعل فلسطين “دولة لليهود”، وخاصة منهم اليهود الأوروبيين (الأشكناز) الذي جرى تنظيم حملات هجراتهم إلى ما أسمته الحركة الصهيونية بـ”أرض الميعاد” التي هي حسب الدعاية الصهيونية والأوروبية “أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض”.. ومن جانب آخر أراد وعد بلفور أن تكون فلسطين هدية الإستعمار الأوروبي لليهود، كنوع من التكفير عن خطايا أوروبا معهم!!
.. اليوم يجد المراقب أن كل خلفية قرار الإتحاد الأوروبي بخصوص تثبيت النازحين السوريين في لبنان، تقع في مسألة أساسية، وهي وجود مصلحة لدى الأوروبيين بحل مسألة النزوح السوري المتفاقمة في أوروبا على حساب لبنان، وذلك عبر تشجيع هؤلاء النازحين على الهجرة من أوروبا إلى لبنان، وأيضاً عبر تشجيع النازحين الموجودين في لبنان على البقاء في لبنان وعدم حصول هجرة غير شرعية من قبلهم إلى أوروبا.
إن أبرز سمات التعدي الإستعماري الأوروبي على لبنان من خلال قرار تثبيت النازحين السوريين فيه؛ يتمثل بأن الإتحاد الأوروبي لم يأخذ رأي لبنان بهذا الأمر؛ تماماً كما أن بريطانيا المستعمرة الأوروبية لم تأخذ قرار فلسطين حينما وعدت اليهود بها كدولة لهم.. وبمثلما أن وعد بلفور تصرف على أساس أن “فلسطين أرض بلا شعب لشعب (أي اليهود) بلا أرض”؛ فإن الإتحاد الأوروبي اليوم يتصرف وكأن لبنان أرض بلا شعب لشعب (النازحين السوريين) بلا أرض.. والواقع أن تطبيق مواصفات هذا الشعار الذي أدى إلى جريمة نكبة فلسطين على واقع النزوح السوري هو جريمة موصوفة بحق لبنان وبحق سورية وبحق النازحين السوريين.
ثانياً- تجدر الملاحظة هنا أيضاً أن ما يسمى بالمسألة اليهودية في بدايات القرن الماضي، كانت مسألة أوروبية، ولم يكن للمشرق العربي أية علاقة له بها؛ فاللاسامية كانت ظاهرة أوروبية؛ واضطهاد اليهود حصل في أوروبا، ولكن الاستعمار الأوروبي حينها قرر أن يجعل المسألة اليهودية مشكلة شرقية؛ وأن يجعل الفضل في حلها لأوروبا؛ وعليه جاء وعد بلفور الإنكليزي للحركة الصهيونية بتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين وتثبيت وجودهم هناك على حساب سكانها العرب الأصليين.
وما تجدر الإشارة إليه هذه المرة أيضاً، أن مشكلة النزوح السوري هي اليوم مشكلة أوروبية، حيث أن ثقل وجودهم موجود في ألمانيا والسويد والنرويج، الخ… كما أن النازحين السوريين يستخدمون لبنان بخاصة، كمحطة للانطلاق منه إلى أوروبا.. وعليه فإن القرار الأوروبي بتثبيت النزوح السوري في لبنان هو توجه أوروبي لجعل مشكلة النزوح السوري بمثابة مشكلة لبنانية بدل أن تظل مشكلة أوروبية؛ وهو توجه لجعل الفضل في حلها هو لأوروبا، ولكن على حساب لبنان..
ليس خافياً في هذا المجال أن هناك قلقاً في أوروبا من إمكانية أن ترتفع نسبة المسلمين في مجتمعاتهم خلال منتصف القرن الحالي إلى الحد الذي يخل بالتوازنات الثقافية لديهم(!!)؛ وعليه يعتبر الأوروبيون أن التخلص من مسارات تعاظم توافد النازحين السوريين إلى مجتمعاتهم، يعد هدفاً يصب في خدمة الدفاع عن الأمن القومي الأوروبي الاستراتيجي..
وخلاصة القول حيال هذا التطور الخطر على لبنان وعلى النازحين السوريين وأيضاً على سورية، هو أن المطلوب من لبنان قيادة عمل دبلوماسي ضخم يكون منسقاً عربياً ومدعوماً من الجامعة العربية، وهدفه الوحيد هو إرغام الإتحاد الأوروبي على سحب قراره، واستبداله بقرار يعلن صراحة البدء بتسهيل عودة النازح السوري من لبنان ومن كل العالم إلى بلده.