سمكة متحجرة غامضة… تكتشف للمرة الأولى في لبنان!
صدى وادي التيم-متفرقات/
كعادته، لا يمكن للخبير في مجال المستحثات والعنبر البروفسور داني عازار إلا أن يشارك اللبنانيين وموقعنا “زوايا ميديا” الأخبار الجميلة الخاصة بلبنان، ولو أنه بعيد عن بلده بالجسد، حيث يتابع أبحاثه الميدانية والمخبرية في الصين، إلا أن قلبه وروحه وعشقه يبقى هنا، وقد تواصل معنا بالأمس ليبلغنا عن رسالة دكتوراه للباحثة في مجال المستحثات Paleontology تمارا الحصني Tamara El Hossny والمتعلق بسمكة متحجرة تكتشف للمرة الأولى في بلدة حاقل قضاء جبيل محافظة جبل لبنان والتي تبعد 60 كيلومترا عن العاصمة اللبنانية بيروت.
ولفت عازار إلى أهمية “الدراسة التي نشرت بتاريخ 8 تموز/يوليو، في مجلة Diversity، وهذا الإكتشاف يساعدنا على فهم التنوع الذي كان متواجدا في لبنان قبل ملايين السنين، حيث يلقي هذا الإكتشاف الضوء على المتحجرات من الأسماك والتي تكتشف للمرة الأولى، وتنتمي لعائلة غامضة Enigmatic وكما عنونها الباحثان تمارا الحصني والدكتور وليونيل كافين Lionel Cavin وهناك احتمال أن نكون اكتشفنا عائلة جديدة منقرضة”.
وقد تواصلنا مع الباحثة تمارا الحصني التي أشارت في حديثها لموقعنا “زوايا ميديا” إلى أن “هذه الدراسة ضمن رسالة الدكتوراة الخاصة بي في مجال المستحثات، وهي حول سمكة Ypsiloichthys sibelleae وجدت في بلدة حاقل على ارتفاع 700 مترا فوق مستوى سطح البحر، وتم درسها في متحف التاريخ الطبيعي في مدينة جنيف، بالتعاون مع الدكتور ليونيل كافين والتي تتمحور حول الأسماك العظمية المتحجرة التي يشار إليها بـ Teleostei”.
وتابعت: “يمكن القول أن هذه السمكة كانت تسبح في محيط Tethys، وقبل ما بين 93 و94 مليون عام، وقد كانت حاقل وكل لبنان مغطى بمحيط وكانت معاصرة للديناصورات، وربما كانوا على شاطئ قريب من مكان تواجد هذه الأسماك، حيث اكتشف البروفسور عازار وفريقه العلمي آثار خطوات الديناصورات في لبنان، وهذه السمكة من نوع جديد لا يوجد مثيل لها في العالم، ولكن يمكن أن توجد في المستقبل حيث العلم يتطور ويتغير، وتمكنا من إضافة على شجرة التطور على الأسماك العظمية، وهي أكبر مجموعة متنوعة وغنية من الأصناف بين كل الحيوانات الفقارية، وعلى الرغم من هذا التنوع وكون هذه العائلة معروفة للغاية، لا نعرف حتى الآن العلاقة بين أنواع هذه العائلة المتنوعة بدقة”.
وأضافت: “على الصعيد الوطني، وعدا كونها صنفا ونوعا جديدا، جعلتنا نؤكد على غنى لبنان بهذه الأحفوريات، وخصوصا لجهة الأسماك المتحجرة، حيث يعرف لبنان عالميا بغناه بهذه الأسماك وطريقة حفظها الجيدة للغاية، والتي مكنتنا ليس بدراستها بشكل كامل فحسب، بل مكنتنا بالمساعدة مع فنان مختص من القيام بإعادة تشكيل وكأنها لا زالت حية في المحيط، وقد تمكن الفنان آلان بنيتو Alain Bénéteau من تصور كيف كانت هذه السمكة وبالألوان، وتجرأنا باختيار الألوان الفاقعة والساطعة بالنسبة لمكان تواجدها في المحيط، وسط حرارة مرتفعة حيث كان لبنان في التاريخ الموغل في القدم متواجدا فوق خط الإستواء، لذا استوحينا هذه الألوان والخطوط، ولم نستطع تحديد الوقت ولكنها في منتصف الحقبة الطبشوريةCretaceous المعروفة بـ “سينامونيان” Cenomanian وهي الفترة بين 93 مليون و100 مليون سنة سابقة، ويمكننا أن نقول أن هذه السمكة المنقرضة عاشت فترة قصيرة ضمن العمر الجيولوجي للأنواع”.
وعم تسمية السمكة الغريبة أوضحت الحصني، بأن الإسم لاتيني ويأتي من Ypsilos أي العميق بالنسبة لزعانفها العميقة، أما ichthys فإشارة إلى سمكة أما sibelleaeفهو إشارة إلى الدكتورة سيبيل مقصود التي أجرينا معها دراسات عدة في حاقل حيث وجدت هذه السمكة، بالإضافة إلى مناطق أخرى في لبنان مثل حجولا والنمورة في لبنان لتحديد العمر الدقيق لهذه الأماكن، وإعادة تشكيل البيئة لهذه السمكة والكثير من الحيوانات المكتشفة في هذه المناطق في المتحجرات والأحفوريات اللبنانية والتي تم اكتشافها على مر السنين”.
ولفتت إلى أن “هذه الدراسة كانت بالتعاون مع المتحف والجامعة هناك أيضا والعينة هي من مجموعة عائلة أبي سعد للمتحجرات التي تجمعها من منطقة حاقل وغيرها من مناطق لبنان ولديها مجموعة كبيرة تشارك وتتعاون فيها مع العلماء حول العالم، والبروفسور داني عازار، بالإضافة إلى دراسة جديدة حول سمكة أخرى تجري دراستها وهي سمكة غريبة ومهمة والتي وجدناها في حاقل، ووجدنا مثلها في ألمانيا، وهي ضمن رسالة سيتم نشرها قريبا”.
وفي المحصلة، يعتبر لبنان متنزها جيولوجيا، لا بل يجب العمل على جعله محمية جيولوجية وبيئية، حيث تكتشف الأحفوريات في مناطق عدة من لبنان وخصوصا المقالع والكسارات، التي تقوم بحذف جزء كبير من تاريخنا في الماضي السحيق، وتمنع الباحثين من نشر هذه الإكتشافات العلمية التي لا تقدر بثمن حول العالم، ونعود للدعوة ونضم صوتنا إلى صوت العلماء، لوقف الأعمال الجائرة بحق هذه الأحفوريات بأعمال المقالع والكسارات والتمدد العمراني غير الممنهج التي يمكن حمايتها بالقوانين ليس بسنها فحسب بل بوضعها موضع التنفيذ.