مدونة المُوحِّدون الدروز والمقامات والمزارات الدينيَّة.

 

صدى وادي التيم-لبنانيات/

المُوحِّدون الدروز،

والمقامات والمزارات الدِّينِيَّة.

مدوَّنة بمناسبة عيد الاضحى المبارك للعام ٢٠٢٣

 المُقَدِّمة التي لا بُدَّ منها :

من الأمور المتفق عليها في جميع الأديان والمذاهب، تعظيم وتقديس المزارات الدينيَّة  والتبرك بها، كما يتضح :

مِن الشعائر اليهودية زيارة مكان تابوت العهد وحائط المبكى.

أمَّا المسيحيون يزورون بيت لحم موضع ولادة المسيح عليه السلام ويقصدون كنيسة القيامة والقديس بطرس.

أمَّا المسلمون تسمو عندهم فريضة الحج وزيارة لأماكن الكعبة والصفا والمروة، وجبل عرفات وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أمَّا الهندوس يقيمون شعائرهم في نهر الكنج.

أمَّا أتباع الديانة البوذية يقومون برحلات جماعية إلى مسقط رأس بوذا في النيبال.

بعد حروب الربيع العربي وظهور التنظيمات المتطرفة المسلحة الإرهابيَّة التي عاثت فساداً في بلاد الشام  وقاموا بأعمال تدمير الكنائس والمساجد والمزارات والمقامات الدينيَّة لمختلف الطوائف والمذاهب السماويَّة، تسارع رجال الدين المسيحيون والإسلاميون ( السني والشيعي ) إلى إعادة النظر في كِثرَّة المقامات والمزارات وما تُشكِّله من أخطار في مسائل العبادة والحماية الأمنية.

مما لا شك فيه، أنَّ عدد المقامات والمزارات في بلاد الشام، تجعل الإنسان يُدرِّك أن الْكِثرة ليست من باب الإيمان العميق، بدليل أنَّ بعضها أصبح معْلماً سياحياً تُقام على جوانبه المآدب السخيَّة، وتذبح القرابين من نِعَاجٍ وغيرها من الحلال.

كذلك تواجِهُك على مُنعطفات الطرقات وفي أعالي الجبال وفي أسفل الوديان، وحتى في أعماق شواطئ البحار، صُوَر وأيقونات وتماثيل وُضعَّت للتبارك والتبريك

والذي يُلفت النظر أنَّ بعض الجماعات افتُتنوا بهذه الظواهر الجديدة، واتخذوا طقوساً وبِدعاً  في تقبيل أو لَمْس الحجر، وكأنَّ الوثنيَّة عادَّت بأشكال حضارية في الزخرفة والنحْت والإضاءة ليلاً  نهاراً.

وهذا لا يعني أنَّ المُوحِّدون الدروز بمنأى عن بعض التصرُّفات غير المُنضبطَّة، في بعض المزارات والمقامات الدينيَّة.

المقامات والمزارات الدينيَّة لدى المُوحِّدون الدروز.

بتاريخ ١١ اذار ٢٠١٧ صدر عن الهيئات الروحيَّة في بلاد الشام ( الجليل والكرمل، سوريا ولبنان والأردن ) التعميم القاضي بتأكيد بركة وعظمة وقدسيَّة هذه المقامات، والحرص على تجنُّب الممنوعات، وقد أتيت على ذكر ذلك في مُدوِّنتي عن الموحِّدين الدروز ومقام النبي شعيب عليه السلام، حيث ذكرت :

( لا بد أن أُشير بكل إحترام وتقدير لسماحة شيخ عقل الموحِّدين الدروز في الجليل والكرمل فضيلة الشيخ موَّفق  طريف الذي ما انفك فضيلته مُنكباً بكل إخلاص للحفاظ على بركة وعظمَة وقدسيَّة مقام النبي شعيب عليه السلام، عن طريق إصدار قرارات عن الهيئة الدينيَّة في المقام، تقضي بمنع نشر أي  شريط إن كان تسجيلاً صوتياً أو فيديو يتضمن أشعاراً  دينيَّة او أي كتابات تمس بالدين ).

خلوات البيَّاضة في منطقة حاصبيا من لبنان :

من الثوابت الدينيَّة لدى الموحِّدين الدروز أنَّ ( الخلوات ) تحظى بقدسيَّة وبركة وعظمَّة للعبادة، وليست إلا خلوةً  للطاعة، ولا مكاناً  للإبتداع.

أذكر بعضاً  من هذه ( الخلوات ) في لبنان :

 – خلوات البيَّاضة،  حاصبيا.

 – خلوة القطالب،  عين قني الشوف / بعذران.

 – خلوة عين الشاوي، عبيه.

 – خلوة المونسي،  عرمون.

 – خلوة الزنبقية، كفرنبرخ.

أمَّا المقامات الدرزيَّة في لبنان :

 – مقام النبي أيوب،  نيحا الشوف.

 – مقام الامير السيِّد عبد الله التنوخي، عبيه.

 – المقام الشريف أو مقام شمليخ،  شارون.

 – مقام السِّت شعواني، البقاع.

هذه المُدوَّنة ستكون عن خلوات البيَّاضة ..

في كتابه تاريخ المسلمي الموحدِّين الدروز يقول الدكتور صالح زهر الدين  :

( لم يكن الدروز هم أول من عَرَف الخلوَة، بل سبقهم إليها كثيرون، والمعروف عن الرسول العربي محمد صَلَّى الله عليه وَسَلَّم، إختلى بنفسه فترة طويلة يتعبَّد في غار حراء قبل أن ينزل عليه الوحي )

أما الشيخ احمد الهجري، شيخ مُوحِّد درزي تقِّي  قال ( الخلوة مكان يؤُمه المتدينون ليلة الجمعَة ويتعاونون على ما فيه خير الوطن الذي يعيشون فيه، ومحبة أهله وإخوانهم ومجاوريهم وإلاختلاء هو غير واجب، لكن درج عليه أشياخنا مدفوعين بظروف سياسية ثم ذهبت الظروف وبقي هو موروثاً.

 أمَّا الشيخ سلمان المصري يقول الخلوَة كبقيَّة  المعابد، تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، تتميز بالتأمل الفردي والوحدة لاستقبال الإشراق.

 أمَّا الشيخ زين الدين العنداري، فقد بنى غرفة صغيرة عبارة عن خلوَة لزوجته إبنة الأمير السيِّد عبد الله التنوخي، تنقطع فيه لممارسة واجباتها الدينيَّة معزولة عن الآخرين.

خلوات البيَّاضة ..

تقع في تلَّة تُشرف على بلدة حاصبيا في جنوب لبنان ..

في كتابه واقع الدروز يقول السيِّد حافظ أبو مصلح ( إنَّ خلوات البيَّاضة تُعتبر من أهم المراكز المُقَدَّسة، وتحتَّل المكانة الأولى بين أماكن العبادة للموحِّدون الدروز باعتبارها المركز الديني المشترك للدروز كافة، وذلك لأنَّها تتألَّف من مجالس عدة لدروز لبنان، وسوريا والجليل والكرمل والأردن )

والمقصود بخلوات البيَّاضة لأنها تبيِّض القّلوب وتطهِّرها.

يعود تاريخ بناء وتأسيس خلوات البيَّاضة، إلى العام ١٦٥٠م.  حيث طلب أهالي حاصبيا من الشيخ سيف الدين شعيب، تعليم أولادهم وتهذيبهم وتربيتهم.

قام هذا الشيخ الورِّع بتلقين تلامذته العلوم الدينيَّة والرسائل كما جاءت في كُتُّب الدين، وقد نبغ من تلامذته شيخٌ شاب إسمه جمال الدين الحمرا.

بعد وفاة الشيخ سيف الدين شعيب، خلفه  الشيخ  جمال الدين الحمرا من حاصبيا ، نظرا ً لانه كان يتحلَّى بالورَّع والتقيَّة والخوف من الله، وبات بعد فترة قليلة من الزمن يستقطِّب الشباب الدروز من جيله وعمره لخلوات البيَّاضة طلباً لتلِّقي العلوم الدينيَّة.

يُعتبر الشيخ جمال الدين الحمرا صاحب العقل المُنفتح من الذين ساهموا في صعود نجم  خلوات البياضَّة  لتصبح قِبْلَّة المُوحِّدون الدروز في بلاد الشام، ومزاراً دينيّاً يقصده دروز المهجر المنتشرين في زوايا العالم.

الإشراف على خلوات البيَّاضة وأوقافها، يقول الشيخ أبو فندي جمال الدين ( توجد فئة من المشايخ تهتم بهذا الأمر يعمدون للتشاور فيما بينَهم لما فيه الخير والصلاح عملاً بالقول، وإجعلوا الأمر شورى بينكم )

يشرف على خلوات البيَّاضة وكيل وقف يتم إختياره من قبل مشايخ الدين، تكون وظيفته القيام على خدمة الزائرين، والحفاظ على المبنى من جميع النواحي.

في خلوات البيَّاضة يُقيم وكيل الوقف، كذلك يسكن  المشايخ الشُبَّان الذين يؤدُّون، ويطلبون  التزوُّد بالعلوم والمعرفة الدينيَّة.

ومن الطقوس والفرائض المعتمدة بالنسبة للشُبَّان الذين يدرسون ويقيمون في خلوات البيَّاضة الإعتماد على أنفسهم في مصروفهم الخاص، حيث يعيش هؤلاء الشُبَّان حياة الزهد والتقشُّف.

الإضافات على  خلوات البيَّاضة :

منذ تأسيس خلوات البيَّاضة بدأت الإضافات عليها عن طريق بناء ( خلوات ) بجانب الخلوَّة الرئيسيَّة، يقوم بتمويلها أصحابها أو من تبرعات أهالي القرى كما سيأتي تعدادها في أخر هذه المُدونَّة.

وبخلاف الاديان والملَّل والطوائف الأُخرى، لا يرى زائر خلوات البيَّاضة سوى البساطة والتواضع في كل شيء، ولا يجد أثر للزخرفة.

المُتخرجون من خلوات البيَّاضة :

يقول الشيخ أبو فندي جمال الدين إنَّ المُتخرِّج من خلوات البيَّاضة، لا يُعطى لقباً لأن الألقاب نوعاً من الغرور، وهذا أمر مكروه دينياً وغير مرغوب فيه.

ويضيف الشيخ أبو فندي جمال الدين، أنَّه قد جرت العادة أن يُخلع على المتخرِّج من البياضَّة بعد أن يُنهي دراسته الكاملة، ثوباً مقلماً بالأبيض  والأسود، بسيطاً خالياً  من الزخرفة والزركشة.

وأمَّا  الدارسون في خلوات البياضَّة  فإنَّهم  يتلقَّون المساعدات من الوقف التابع لخلوات البياضَّة.

أمَّا  الاجتماعات التي تتم في الخلوات هي إجتماع ليلة الجمعة حيث يحضر المشايخ من القرى المجاورة للمذاكرة الدينية.  ومن حين إلى آخر يتم عقد إجتماعات لبحث أمور مصيرية تتعلَّق بالطائفة جمعاء، انطلاقاً من الفريضة الدينيَّة الدرزية حفظ الإخوان، ويُمنع بتاتاً عقد أيَّة اجتماعات حزبيَّة أو سياسية.

وأخيراً وليس أخراً  ..

وبما أنَّ الطاعة هي العبادة، فالأولى الإتباع لا الابتداع.

فيصل المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى