تل أبيب تمهل لبنان أياماً قليلة وإلا فهي ستذهب للحرب
صدى وادي التيم _ أمن وقضاء/
نفذت أمس طائرات حربية اسرائيلية غارات وهمية على علو منخفض في سماء منطقة بنت جبيل.. وبالعادة تنفذ المقاتلات الإسرائيلية غارات وهمية من هذا النوع فوق منطقة القطاع الأوسط في جنوب لبنان؛ ولكن غارة أمس جاءت في توقيت خاص وتركت في أثرها رسائل استثنائية وخطرة لحزب الله ولبيروت ولقوات اليونيفيل..
والواقع أن استثنائية ما حدث أمس يعود للأسباب التالية:
أولاً- جاءت غارة أمس الإسرائيلية الوهمية بعد أيام قليلة من إسقاط حزب الله مسيرة تجسس إسرائيلية فوق بلدة زبقين، وفي نقطة تبعد مسافة ١٧ كلم خط نار – جو عن الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة.
والتوقيت الذي اختاره الحزب لإسقاط مسيرة التجسس الإسرائيلية، لفت نظر القيادتين العسكرية والسياسية في إسرائيل، كونه جاء ليؤكد على أن إسقاط المسيرة هو استكمال، ولكن بالنار الحي، لسياق المناورة العسكرية الأخيرة المتعددة الأوجه التي نفذها حزب الله على مقربة من الحدود مع فلسطين المحتلة، والتي تضمنت لأول مرة تدريبات جوية تمثلت بإطلاق مسيرات، واعتراض مسيرات معادية، وإقفال منطقة عمليات المناورة بالتشويش السيبراني، الخ..
ويمكن القول أنه على نحو واضح، فإن مناورة حزب الله حملت تطورين إثنين جديدين ميزاها؛ الأول تمثل باستخدام المسيرات وتقنيات جوية خلالها وذلك لأول مرة؛ والثاني تمثل بمشاركة “قوة الرضوان الخاصة” (قوة النخبة) بالمناورة؛ وكان هذا إشعاراً لمن يهمه الأمر بأن قوة الرضوان التي كانت تعنى بخوض معارك خارجية، عادت إلى ميدان جنوب لبنان لتكون على أهبة الاستعداد لتنفيذ أهم مهامها التي باتت معروفة، وهي اختراق الحدود للسيطرة على مستوطنات إسرائيلية تقع عند أطراف منطقة الجليل المحتل.
والواقع أن هذين التطورين، أوحيا لإسرائيل بمستجدين خطرين وهما: أن حزب الله بات يمتلك ترسانة عسكرية جوية فعلية إلى جانب امتلاكه قوة صاروخية دقيقة؛ وأيضاً أن حزب الله أصبح يملك قوة هجومية برية محترفة ومجربة (قوة الرضوان التي قاتلت في ميادين سورية والعراق واليمن)، إلى جانب امتلاكه وحدات حرب العصابات المحترفة التي قاتلت طوال الحروب والمواجهات السابقة.
وداخل وزارة الدفاع وقيادة الأركان في إسرائيل جرت طوال الأيام الأخيرة نقاشات خرج جزء منها للإعلام، وتركزت على تقدير قوة الرضوان من جهة، وعلى المعنى العسكري من وراء امتلاك حزب الله منظومة دفاع جوي من جهة أخرى.
..واللافت والمميز في هذا النقاش الإسرائيلي هذه المرة، هو أنه لم يجر كالعادة على خلفية طرح السؤال عما إذا كان حزب الله يملك فعلياً منظومة دفاع جوي، أم لا يملك(؟؟)؛ بل جرى النقاش انطلاقاً من التسليم في إسرائيل بأن حزب الله يملك منظومة دفاع جوي كبيرة؛ وكان السؤال السجالي في هذا النقاش، هو لماذا سمحت حكومات نتنياهو ولابيد لحزب الله خلال الفترة الماضية بامتلاك منظومة دفاع جوي، ولماذا لم تقم بالوقت المناسب بقصفها والقضاء عليها قبل أن تصبح أمراً واقعاً، كما هو اليوم حال ترسانة الصواريخ الدقيقة التي باتت أمراً واقعاً؟؟.
السبب الثاني الذي يجعل غارة إسرائيل الوهمية أمس فوق سماء بنت جبيل ذات دلالات خاصة، هو أن إسرائيل أرادت من خلالها القول لحارة حريك ولليونفيل ومن خلال الأخير للعالم، أن إسرائيل متمسكة بقواعد الاشتباك الجوي في سماء لبنان، ولن تسمح للحزب بكسرها رغم امتلاكه منظومة دفاع جوي.. وأكثر من ذلك، فإن غارة أمس الإسرائيلية الوهمية حملت في جانب منها محاولة استفزاز للحزب عبر القول له أن تل أبيب مستعدة للدخول في اشتباك عسكري في حال تم التصدي من قبل منظومة دفاع المقاومة الجوي للمقاتلات التي تحلق على علو منخفض، أي داخل مرمى الصواريخ المضادة للطائرات الروسية التي تعرف إسرائيل أن الحزب بات يمتلكها وأنها دخلت مجال الاستخدام العملي لديه.
وفي مجال الدلالة على هذه النقطة، تجدر الإشارة إلى أن السلطات الإسرائيلية نشطت في الفترة الراهنة على إجراء اتصالات عبر قنوات دبلوماسية من أجل الضغط على لبنان لإخلاء الخيام التي أقامها “حزب الله” قبل نحو شهرين على الجانب الإسرائيلي من الحدود في مزارع شبعا…
وتربط تل أبيب بين مسعاها الخارجي هذا وبين عملية إبلاغ كواليس الأمم المتحدة بأن قيادة الجيش بتل أبيب تتابع بقلق ما يحصل من تغيير كبير على الأرض في لبنان (الخيم العلنية للحزب ومناورة قوة الرضوان العلنية أيضاً) وعلى مستوى تغير مفهوم الدفاع الجوي لدى حزب الله، ومضاعفته لكمية منظومات الدفاع الجوي التي بحوزته.
وبحسب ما يتسرب إلى الإعلام الإسرائيلي ولمصادر دبلوماسية، فإن تل أبيب ترى إن هذا التغيير يشكل أولاً: محاولة جديدة لتقييد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلي في لبنان.. ويشكل ثانياً إقراراً صريحاً بأن حزب الله حصل على منظومات دفاع جوي روسية من طراز “أس أي 8” و”أس أي 22″، مما يُعدّ “تغييراً جوهرياً في مفهوم حزب الله الاستراتيجي لتقييد حرية عمل سلاح الجو الإسرائيلية في الفترات الاعتيادية”.
وكانت صحيفة “معاريف” العبرية، كشفت أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن “حزب الله” ضاعف كمية منظومات الدفاع الجوي بحوزته خلال السنوات الخمس الأخيرة، وأن هذه المنظومات الدفاعية تستند بالأساس إلى أنظمة إيرانية حديثة.
وأكدت، أن “تحسين هذه القدرات لدى حزب الله يستمر بشكل مثابر، ويتم تطويرها لاستخدامها بصورة سريعة”.
وخلال الأسبوع الماضي جرى في إسرائيل إعادة بناء لكيفية بدء ومسار قصة امتلاك حزب الله لقدرات تؤهله لأن يكون حاضراً على مستوى الجبهة الجوية مع إسرائيل..
..وفي هذا المجال جرى الإشارة إلى أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتبر أن قيام طائرة مسيّرة إسرائيلية في آب 2019، بمهاجمة منشأة لتحسين دقة الصواريخ تقع في بناية بقلب معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية في بيروت، شكلت نقطة التحول في استراتيجية “حزب الله”، حيث قررت حارة حريك بعد تلك الحادثة البدء في إسقاط مسيرات إسرائيلية خلال تحليقها فوق مواقع أمنية حساسة للحزب في لبنان.
وبالفعل قام “حزب الله” بعد شهرين من اتخاذه هذا القرار، بإطلاق صاروخ من طراز “أس أي 8” باتجاه طائرة إسرائيلية من دون طيار من طراز “هرمس 450″، كانت في مهمة جمع معلومات استخباراتية، إلا أن الصاروخ أخطأ الهدف.
وبحسب الرواية الإسرائيلية فإن الجيش الإسرائيلي رصد آنذاك مركبة حزب الله التي تم إطلاق الصاروخ منها، وطلب استهدافها، بينما المستوى السياسي الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو لم يصادق على ذلك، خشية حصول تصعيد عسكري.
ووفقاً للنقاش الإسرائيلي الحالي فإن الجيش الإسرائيلي ينظر إلى تلك الحادثة (التي وقعت عام ٢٠١٩) على أنها بالغة الخطورة لجهة دلالاتها المستقبلية، وأن عدم ضرب مركبة حزب الله حينها هو الذي حفّز نصر الله على إظهار قدرات ميدانية جوية أخرى.
وتضيف الرواية الإسرائيلية أن تلك الحادثة، تلتها 3 محاولات أخرى من جانب “حزب الله” لإسقاط طائرات إسرائيلية من دون طيار.
وبعد كل واحدة من هذه الحوادث، كان الجيش الإسرائيلي يبحث إمكان استهداف منظومات الدفاع الجوي لدى “حزب الله”، ولكنه كان يتم إزالة هذا الموضوع عن أجندته، غير أنه في الوقت نفسه كان “حزب الله” يسرع من تسلحه بمنظومات دفاع جوي، حسب ما يقوله الإعلام الإسرائيلي نقلاً عن الرواية الرسمية الإسرائيلية لقصة امتلاك الحزب منظومة دفاع جوي فاعلة.
..ولكن رواية الجيش الإسرائيلي تقول أن الجيش استهدف قدرات الحزب الجوية مرات كثيرة، وألحق أضراراً كبيرة فيها، وذلك في السنوات الأخيرة، لكن عمل الحزب على تحسينها وزيادة كميات ونوعية الأسلحة لم يتوقف، وهو أمر يؤكد على إصراره الدؤوب على بناء قدراته الجوية العسكرية.
..وحالياً يجري في بيروت وفي تل أبيب وعواصم أخرى محاولات لعدم انزلاق هذه التطورات إلى حرب بين لبنان وإسرائيل؛ وذلك بالنظر لوجود المستجدات التالية:
– علم أن إسرائيل أعطت مهلة محددة للأمم المتحدة ولواشنطن كي تضغط لإزالة خيم حزب الله الموجودة بالقرب من مزارع شبعا؛ وفي حال لم تفد هذه الضغوط فإن تل أبيب ستبادر بنفسها إلى إزالتها بالقوة!!.
– علم أنه رغم شبه القطيعة بين نتنياهو وإدارة بايدن على مستوى اللقاءات المباشرة بين الطرفين، إلا أنه جرى استثناء لقاءات وزيري الدفاع الإسرائيلي والأمريكي من هذه القطيعة؛ والسبب في ذلك طلب إسرائيل نقاش موضوع ترسانة الحزب الجوية مع أميركا، وموافقة واشنطن على هذا الطلب الإسرائيلي..
السؤال الراهن حالياً هو هل تندلع الحرب هذه المرة من الجو؛ وذلك بعد حصول احتكاك جوي غير مستبعد بين إسرائيل وحزب الله؟؟..
الهديل