لبنان على طريق إستخراج ثروته البحرية
صدى وادي التيم-لبنانيات/
بعد اتّفاق ترسيم الحدود الجنوبيّة البحريّة، يترقّب لبنان بدء عمليّات التّنقيب عن النّفط والغاز والمُباشرة بالحفر خلال أيلول المُقبل. إذ حدّدت الاتّفاقية الموقّعة بين شركة “توتال إنرجيز” والدولة اللبنانيّة مُمثّلةً بوزارة الطاقة وهيئة إدارة قطاع البترول، موعداً مُلزماً بين أيلول وتشرين الأوّل المُقبلين لحفر البئر الاستكشافيّة الأولى في البلوك رقم 9.
الأستاذ الجامعي المُتخصّص في شؤون الطاقة د. شربل السكاف يُشير إلى أنّ “الأمور تأخذ مجراها الطّبيعي بعد ترسيم الحدود، وهناك مراحل عدّة يُفترض إنجازها في الفترة المُقبلة تبدأ بإطلاق دراسة الأثر والمسح البيئي، التي أُنجزت وتقدّمت لوزارة البيئة وحاليًّا تقوم الوزارة بنقاشٍ علنيّ مع هيئات المجتمع المدني”.
ويُضيف السكاف، شارحاً في حديثٍ لموقع “الأفضل نيوز”، أنّه عندما تنتهي هذه المرحلة وتُعطي وزارة البيئة موافقتها على دراسة الأثر البيئي، تنتقل شركة “توتال” إلى مرحلة أخرى وهي مرحلة تقديم رخصة حفر البئر إلى وزارة الطّاقة التي تدرسها بدورها مع هيئة إدارة قطاع البترول. وتتضمّن رخصة حفر البئر كلّ المُعطيات التقنيّة حول البئر لناحية العمق والمواصفات وطريقة الحفر.
وبعد أن توافق وزارة الطّاقة على هذه الرّخصة، تُصبح الأرضيّة جاهزةً أمام شركة “توتال” من أجل المُباشرة بالحفر كما هو مُتوقّع بين أيلول وتشرين الأوّل.
وبالتّوازي، كانت “توتال” قد أطلقت مُناقصة لاستقدام حفارة لتتمكّن من حفر البئر، تمّ من خلالها اختيار الشّركة ومن المتوقّع أن تكون الحفارة جاهزة بين أيلول وتشرين، وفق ما يقول السكاف. ويُتابع: قامت “توتال” بتجهيز موضوع الخدمات الأرضيّة، مثل إدارة القاعدة اللوجستيّة الخاصة بها ومتابعة مسألة إيصال المعدّات من بيروت إلى البلوك رقم 9 والفيول الذي يُستخدم خصوصاً للحفر. وطلبت توتال أنابيب الحفر التي تُريد استخدامها على عمق البئر الذي سيُحفر”، مؤكّداً أنّ “الأمور تسير بشكلٍ طبيعي، ولا تأخير إلا إذا استجدّ أمرٌ ما لم يُحسب له حساب، ولكن بالمبدأ الأمور جيّدة”.
كذلك، لا بدّ من مُقاربة موضوع التّنقيب من جهةٍ أوسع فهو ليس أمراً محليًّا فحسب، كما يعتبر السكاف، إذ يُشدّد على وجوب وضع موضوع التّنقيب عن النفط في لبنان ضمن إطاره الإقليمي والدولي.
ويوضح أنّه “بعد حرب روسيا – أوكرانيا، وبعد المُحاولات الأوروبيّة لتقليل الاعتماد على الغاز والنفط الروسيين، بات هناك اهتمام خاصٌّ بشرق المتوسّط كونه أحد مراكز الطّاقة القريبة من أوروبا، بالرّغم من أنّه لا يوازي التوريد من روسيا إلا أنّه يُمكن أن يُساعد القارّة الأوروبيّة على تأمين جزءٍ من حاجتها على مستوى الطّاقة”.
من هنا، لموضوع الحفر في لبنان بُعدٌ إقليميّ دوليّ جيو – استراتيجيّ، وليس عمليّة حفر تقنيّة فقط، يؤكّد السكاف، ويستبعد حصول أيّ تأخير بالحفر. ويُضيف: “الغاز اليوم يصل إلى أوروبا من خلال البوابة المصريّة عبر تقنيّة الغاز المُسال، مع العلم أنّ هناك مشاريع أخرى قيد الدراسة وفي مراحلها النهائيّة قبل وضعها على سكّة التنفيذ، أمّا حاليًّا فيصل عبر البوابة المصريّة فقط”.
كما يُشير السكاف إلى أنّه “من المُتوقّع أن يكون الغاز اللبناني جزءاً من غاز المنطقة وأن يُساهم أكثر في التّهدئة ليكون الجوّ مؤاتياً لعدم عرقلة إمدادات الطّاقة”.
ويكشف أنّ “هناك إصراراً لبنانيًّا على أن تكون 2023 السّنة التي نعرف فيها نتيجة حفر البئر الأوّل في البلوك رقم 9 أو ما يُعرف بمنطقة حقل قانا. وإذا بدأ الحفر في أيلول – تشرين، من المتوقّع أن تنتهي الأعمال ويكون لدينا التحليل الأوّلي غير النّهائي قبل نهاية العام. وهذا يعني أنّه من المرجّح قبل نهاية العام الحالي أن تكون لدينا فكرة واضحة إذا وُجد الغاز في أوّل بئر لنحفر في البلوك رقم 9، أم لا. وشركة “توتال” متحمّسة أيضاً لعدم التأخير”، آملاً أن يحمل هذا العام البشائر إلى اللبنانيّين.
من جهة أخرى وفي ما يتعلّق بموضوع الاستفادة من الغاز، يقول السكاف: “إذا وُجد الغاز بالكميّة التجاريّة، ندخل عندها في مرحلة أخرى وهي خطّة تطوير الحقل والإنتاج والتصدير، وهذا يتطلّب وقتاً ومدّة تصل إلى حوالى 3 سنوات بالحدّ الأدنى تتضمّن دراسة الخطّة وتأمين التّمويل والإتيان بالمنصّة ودرس مسألة الأسواق التي سيُباع الغاز فيها”، مُشدّداً على نقطةٍ أساسيّة وهي أنّ “الموضوع كلّه يرتبط بكميّة الغاز التي ستُكتشف، ما يؤثّر طبعاً على قرار الاستثمار وعلى قرار تطوير الحقل”.
ويُضيف: “في أفضل السيناريوهات 3 سنوات، إذ يُمكن أن تصل المُدّة إلى 5 سنوات أو أكثر. إذا وجدنا موارد مُثبتة وقُدّرت كميتها، هذا يكون بداية خير للبلد”.
الإيجابيّات لا تُعدّ ولا تُحصى في موضوع التّنقيب عن النّفط والغاز، إلا أنّ هذا الملفّ يبقى مرهوناً بمدى قيام الدّولة بالإصلاحات.. مثله مثل أيّ ملفٍّ آخر. وهنا يُشدّد السكاف على أنّ “موضوع النّفط والغاز في لبنان يجب أن يترافق مع إصلاحاتٍ جوهريّة وبنيويّة في الماليّة العامّة للدّولة، لأنّ الأخيرة لا يُمكن أن تستمرّ بطريقة الصّرف والهدر التي اعتادت أن تصرف على أساسها”، شارحاً أنّ “الإصلاحات الجوهريّة في الدّولة أساسيّة من أجل وقف صرف أموال أكثر ممّا نجني، وكي نتمكّن من وضع ملفّ النفط والغاز في مكانه الصّحيح، وهنا يُمكن التكلّم عن الصّندوق السيادي”.
كلّ الملفّات في بلدنا مرهونة بمدى جديّة الدّولة بتحسين وضعها والقيام بإصلاحاتٍ جوهريّة. فهل يحمل هذا العام بُشرى للبنانيّين في ملفّ التّنقيب؟ أم تحرمهم الدّولة من ذلك أيضاً؟!