حمّى الشاليهات في قرى الجنوب.. طفرة مؤقّتة أم استراتيجيّة سياحيّة!
صدى وادي التيم – لبنانيات /
تضجّ صفحات وسائل التواصل الاجتماعي بصور وإعلانات لجذب الزبائن- المصطافين الى البلدات والقرى الجنوبيّة التي كانت حتّى الأمس القريب تُعد بلدات وقرى نائية، تعتمد على الزراعة بشكل رئيسي ثم على المغتربين.
ما يسترعي الانتباه على مستوى الجنوب، ومنه الجزء الذي كان محتلًا لـ ٢٢ عامًا، وأيضًا ما كان يُعرف بالقرى المحاذية لبلدات الشريط المحتل، الاستنفار السياحي والطفرة المفاجئة لناحية إنشاء المجمعات السياحية وصالات الاعراس عند التلال والأودية والأنهر من الدرجة الأولى، المنافسة للأماكن السياحية والفنادق في مدن الجنوب، خاصة لناحية المساحات الكبيرة، نظرًا لتوفر عقارات بأسعار تقل عشرات المرات عن العقارات في المدن الجنوبية وخصوصًا صور، التي تتربّع على عرش المدن السياحية.
تتصدّر هذه السنة تحديدًا، ظاهرة المسابح والشّاليهات واستثمارات الفلل الخاصّة في بلدات وقرى في الجنوب الذي عاش لسنوات عطِشًا لمثل هذه المؤسسات والاستثمارات التي تشكل مردودًا اقتصاديًا موسميًا أساسيًا لمتطلبات الحياة كافة. هذه الشاليهات والمسابح التي تسبقها عبارة “شرعيّة” تشهد نموًا غير مسبوق وتنشر عدوى تنتقل من بلدة الى بلدة وحتّى في البلدة ذاتها.
فقد سُجِّل في “جباع” وجود حوالي 40 مكانًا للراحة والاستجمام، وغالبيتها فلل خاصة. أمّا في مقلب آخر من الجنوب، عند تخوم فلسطين المحتلة كبلدة “زبقين” و”كفرا” و”حولا” و”ارزاي” و”وادي الحجير” اندفع مواطنون إلى الخيار نفسه، فتمّ إنشاء مشاريع أكثر تخصصية سياحيّة واقتصادية. حيث لوحظَ أنّ معظم هذه المناطق بعيدة الى حدٍ ما عن المدن الساحلية، ويتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين ٥٠٠ إلى ٧٥٠ مترًا كما تتميز بالبرودة النسبيةّ ليلًا في الصيف ما يخوّلها مقصدًا للزوار الذين وفدوا إلى بلداتهم من دول الاغتراب.
تتماهى هذه الأماكن ومنها ما لا يزيد ولادته عن سنة واحدة، مع بيئة نسبة كبيرة منها من عائلات جنوبية يفضّلون هذه الأماكن على مراكز وشاليهات أخرى مُختلطة في المدن، التي تُقدم المشروبات الروحية وعادة ما تكون صاخبة لا تناسب عاداتهم وطقوسهم. يبدأ سعر الليلة بـ ٨٠ دولارًا ليصل إلى حوالي ٣٠٠ دولارًا، وهذا مرتبط بحجم الشاليه وعدد النزلاء. وأكثر ما يتخوف منه بعض المستثمرين الجدد في عالم السياحة المحلية، مزيد من توسّع وازدياد عدد الأماكن في البلدات والقرى وانعكاسها على ديمومة العمل، بعدما صرفوا أموالًا طائلة في سبيل استثمارهم.
جباع.. عروس المصايف
صُنّفَت بلدة جباع في إقليم التفاح، كبلدة سياحية قبل أكثر من قرن. حُفظَت صور فنادقها وبيوتها في كتاب الجغرافيا المدرسي، وقد بُني فيها أول فندق في ثلاثينيات القرن الماضي وهو “أوتيل جباع” الّذي دُمِّر خلال الاجتياح الإسرائيلي عام ١٩٨٢. بعد الإنسحاب الإسرائيلي عام 2000 أنشئَ فندق جديد، وهو الوحيد حاليًا في بلدة جباع التي كان يفصلها عن المواقع الإسرائيلية مسافات قليلة. فبدأت تنعم بلدة جباع الحاصلة على تغذية ١٨ ساعة كهرباء من مصلحة الليطاني، يمنازل مخصّصة لأغراض سياحيّة، مستفيدة من تاريخها وعراقتها في هذا المجال ومن موقعها المميز.
أنجزَ الزميل عدنان غملوش “فيلا” في بلدته جباع عام ٢٠٠٨، وحولها إلى مشروع سياحي يعتاش من مردوده عام 2022. وبشهادة غملوش نبت إلى جانب هذا المكان الحديث نسبيًا ما يقارب الأربعين “شاليه” في جباع، معظمها بيوت تم تحويلها إلى شاليهات للمنامة ولقضاء أيام وأسابيع في ربوع البلدة. يشير غملوش لـ “مناطق نت” أنّ الموسم الماضي كان إيجابيًا وأمّن مردودًا إقتصاديًا جيّدًا، مؤكّدًا أن الزبائن يتهافتون من مختلف المناطق اللّبنانية وغالبيتهم من المغتربين الذين يمضون أيّامًا وأسابيع في هذه الأماكن، ويضيف: “هذه الشاليهات على امتداد البلدة تشكل موردًا مهمًا وتؤمن فرص عمل كثيرة”.
زبقين
تستريح بلدة زبقين على كتف واديها المشهور من جهة، وإطلالة بحر صور من جهة ثانية. وقد افتُتحَ أوّل منتجع سياحي فيها العام الماضي ما أدهش محيطها كونها قرية صغيرة، تبعد عن صور اكثر من ١٦ كيلومترًا ولطالما كانت عرضة للقصف الإسرائيلي.
لم يكن “محمد كمال بزيع” يفكر يومًا بمشروع سياحي ليساعده في إعالة عائلته، لكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية لجأ بزيع نهاية الصيف الماضي إلى الاستفادة من المسبح الموجود أمام منزله، يجانب غرفتين مع مستلزماتهما. فعمد الى تجهيزهم والبدء بإطلاق حملة إعلانية لتأجير الشاليه.
يقول بزيع الذي كان أوّل المُقدمين على هذه الخطوة في بلدته، أنّ المردودات الماديّة الّتي حصّلها من المشروع ممتازة ويتابع: “كانت تأتيني حجوزات من بيروت والشمال وغيرها لقضاء فترة راحة تمتدّ لأيّام ومعظم الزبائن كانوا من المغتربين الذين يوفّرون من خلال حجز “شاليه” لمجموعة من الأشخاص بدلًا من ارتياد المسابح الخاصة والعامة والفنادق”. ويضيف أنّ أسعار الصيف تختلف بين شهر وآخر، أعلاها في شهريّ تموز وآب حيث ذروة السياحة وإقبال المغتربين.
كفرا
تعود الحياة الى بلدة “كفرا” في قضاء بنت جبيل، خلال فصل الصّيف فغالبية أبنائها يتوزّعون بين بيروت وبلاد الإغتراب كسواها من البلدات المجاورة مثل تبنين وحاريص وياطر.
افتتح علي حمدان أول شاليه في بلدته كفرا بعدما اشترى عقارًا خاصًا لإقامة المشروع، وبدأ العمل رسميًا في شهر آب عام ٢٠٢٢. يشير حمدان لـ “مناطق نت” أنّ فكرة إنشاء مكان سياحي راودته عندما كان يرتاد المسابح والشاليهات مع عائلته خارج المنطقة ويتابع: “وجدت من المناسب ان أقيم مشروعًا سياحيًا في البلدة حيث ندُرَت هذه الأماكن، فاستحسن الناس ذلك المشروع، خاصة في ظل ارتفاع كلفة النقل وبسبب المسافات البعيدة بين البلدة والمناطق الأخرى”.
ويضيف: “هناك نية لتطوير المشروع ليناسب السياحة الشتوية أيضًا، فبيئتنا المحافظة في الجنوب بحاجة إلى هذه المساحات لقضاء العطل بعيدًا عن ضجيج المدن والسفر الدائم”. ويلفت حمدان إلى أنّ الزبائن يأتون من البقاع والشمال والجنوب وأنّهم يتوقّعون أن يكون هذا الموسم واعدًا.
إرزاي
تقع بلدة إرزاي على مقربة من الخط الساحلي بين صيدا وصور، شهدت هذا العام أولى خطواتها لتتحوّل منطقة سياحيّة، وأن تشكّل مقصدًا للزائرين من كل أنحاء لبنان.
يلفت عبدالله خشمان، صاحب هذا المشروع السياحي إلى أن بلدة إرزاي بلدة صغيرة كما تُعدّ من البلدات النائية نسبيًا. وأنّ فكرة المشروع جاءت متماشية مع ثورة الشاليهات في قرى الجنوب، التي تشهد ازدهارًا كبيرًا ومن شأنها المساهمة في العجلة الإقتصادية وتشغيل اليد العاملة والإضاءة على هذه البلدات. ويتابع: “الإقبال والحجوزات بدأت بوتيرة مقبولة خاصة أن المشروع بدأ هذه السنة، وكلنا أمل أن يكون هذا الصيف مزدهرًا”.
حولا
كانت بلدة حولا في قضاء مرجعيون، واحدة من البلدات المحتلة ولا يفصلها عن بلدات فلسطين سوى شريط شائك، ولم تسجل من قبل مراكز سياحية من مسابح وشاليهات في سجلّاتها.
عاش خلدون قاسم فترة طويلة في فرنسا وعاد ليستقرّ اليوم في بلدته حولا. بدأ قاسم مشروعه على أرض خاصة به في عام ٢٠١٩ لكن الأزمة الإقتصادية وجائحة كورونا معًا أخّرتا المشاريع والأعمال. وقد انتهى المشروع مع بدايات الصيف الحالي بأكلاف لم تكن متوقعة كما يقول قاسم خصوصًا بالنسبة لتكاليف الطاقة الشمسية والمولد الكهربائي.
ويشير قاسم أن الحجوزات هذا الشهر ليست كما كان يتوقع وقد يكون مردّ ذلك إلى استمرار العام الدراسي ويتابع: “لا تزال أمامنا أشهر الذروة تموز وآب، وأملنا كبير بتحسّن الحجوزات، فهذه الأماكن حاجة لأبناء القرى المحيطة وغيرها لا سيما المغتربين منهم، الذين بدأوا بالتوافد إلى قراهم في مثل هذا الوقت”.
حسين سعد – مناطق نت