“ثورة” جيوش فقراء القطاع العام..
صدى وادي التيم-أمن وقضاء/
لا يختلف إثنان داخل لبنان وخارجه على أن آخر مشهد قبل انهيار ما تبقى من الإستقرار الهش في لبنان؛ سيكون توقف الدولة المنهارة عن دفع رواتب القطاع العام..
ومنذ العام الماضي اتسعت دائرة التوقعات بإمكانية أن يشهد العام الحالي أحد ثلاثة أحداث، يؤدي وقوع أي منها إلى حدوث فوضى عارمة في لبنان، وإلى انتقال الوضع في البلد من حالة الإنهيار الممسوك بالحد الأدنى، إلى حالة الفوضى المستطيرة التي تستكمل انهيار الأمن والدولة بكل تفاصيلهما..
…وهذه الأحداث الثلاثة هي التالية:
الحدث الأول يتمثل بسيناريو برز بقوة العام الماضي؛ وهو يرى أن الوضع في لبنان لن يتجه إلى الانهيار الكامل والفوضى الشاملة، طالما أن هناك قدرة لدى الجيش اللبناني على إدارة ضبط الأمن، وإبقاء الوضع ضمن حالة من “السيطرة الذكية” إن جاز التعبير.
..وعليه توقع هذا السيناريو أنه إذا كانت هناك جهة أو جهات تريد إحداث فوضى عارمة في لبنان؛ فإنها حتماً ستتجه لزيادة الضغط المعيشي والمعنوي وحتى السياسي على الجيش؛ وذلك من أجل فرطه وجعله لوجستياً غير قادر على القيام بمهام حفظ الحد الأدنى من الاستقرار..
..وبحسب هذا السيناريو فإن أسرع طريقة لإيصال الجيش إلى حالة العجز التي بدورها تؤدي إلى تدفق الفوضى العارمة من وراء سدود منعها، هي قطع رواتب الجيش وترك عناصره يواجهون حالة من البطالة المقنعة؛ وعندها سيصبح البلد بمواجهة انكشاف أمني كلي وستعم فيه الفوضى.. غير أن قيادة الجيش تخطت هذا التحدي؛ حيث أن قيادته نجحت في إرساء معادلة أتاحت توفير استقرار معيشي وصحي نسبي لعناصر الجيش اللبناني؛ الأمر الذي عطل رهان إطلاق فوضى عارمة من خلال تحويل الجيش إلى قوة عسكرية تعاني من البطالة المقنعة؛ وتحويل لبنان بالتالي إلى قطعة من الأحداث التي تشبه ما حدث بالعراق بعد حل الجيش العراقي…
ويبقى هنا الإشارة إلى أن البعض كان أطلق على هذا السيناريو تسمية “النموذج العراقي”، نسبة لحالة الفوضى المدمرة التي سادت العراق نتيجة قرار حل الجيش العراقي..
والواقع أن سيناريو النموذج العراقي الذي رشحه البعض للبنان، كان سار جنباً إلى جنب مع نظرية تقول أن لبنان سيدخل حالة الفوضى عندما تصبح الدولة غير قادرة على دفع رواتب موظفي القطاع العام، وبضمنهم عناصر الجيش والمؤسسات الأمنية الأخرى.. إن حصول هذا التطور الذي أعلنت الحكومة أمس إمكانية حصوله، سيعني أمراً واحداً وهو حصول الفوضى العارمة والانهيار الشامل لما تبقى من شكل الدولة، وما تبقى من الشكل المتآكل للإستقرار ..
الحدث الثاني يتمثل بسيناريو إيجاد تراكم من الأحداث المكثفة يؤدي إلى حصول الإنفجار الكبير داخل الوضع الديموغرافي المحتقن في لبنان، والقابل للإشتعال السريع نتيجة العوامل التالية:
أ- ارتفاع نسبة غير اللبنانيين المقيمين في لبنان (نازحين سوريين ولاجئين فلسطينيين) إلى أكثر من نصف السكان..
ب – عدم وجود داتا معلومات لدى الأمن اللبناني عن خارطة توزع وإقامة وأعداد هؤلاء النازحين.. وأيضاً عدم وجود تصور رقمي وأمني دقيق عن اللاجئين الفلسطينيين الذين هربوا من سورية ويقيمون منذ سنوات في لبنان (يقدر عددهم ب ٥٠ ألفاً).
ج – وجود تقدير أمني يفيد بأن خطر حصول صدام مع الديموغرافيا المقيمة في لبنان محتمل جداً، وذلك لعدة أسباب، بينها أسباب سياسية وخلفيات أمنية ومذهبية وطائفية، وأيضاً اقتصادية..
الحدث الثالث يتمثل بتصور حدوث سيناريو من نوع عودة التحدي الإرهابي إلى لبنان من جديد، وعلى نحو أقوى، وذلك نتيجة عدة عوامل يظل أهمها العامل المتعلق بتعاظم احتمال حصول توافق تركي – سوري – روسي على إخراج العناصر الإرهابية من منطقة شمال سوريا (إدلب بخاصة)؛ وفي هذه الحالة فإن المئات من الإرهابيين المعولمين المنتمين لجنسيات مختلفة والخطرين؛ سيتسللون من منطقة إدلب إلى لبنان للنجاة بأنفسهم من الوقوع ضحية التسوية الإقليمية الكبرى التي يحتمل أن تحدث في شمال سورية فور انتهاء الإنتخابات التركية..
وعلى هذا فإن لبنان خلال هذه الفترة يواجه تحدي أن يعتبره الإره اب العالمي المقيم اليوم بكثافة في شمال سورية ملاذاً آمناً له، يهرب إليه من مفاعيل التسوية الكبرى المنتظرة في شمال سورية.
المصدر:خاص الهديل